مشاهير البلوجرز - أرشيفية
لازالت عملية تطهير المجتمع مستمرة من ظاهرة "البلوجرز وخدش الحياء" حيث تواصل الجهات الأمنية والقضائية تجفيف ينابيع هدم القيم الأسرية، وذلك بالقبض على المتهمين وحبسهم وعلى رأسهم سوزى الأردنية وشاكر المحظور، وموكا موكا، ومحمد عبدالعاطى، ومداهم، وليلى الشبح، ولوشا وغيرهم من التيك توكرز، وتعددت الاتهامات ما بين جرائم مُخلة بالآداب العامة، وانتهاكًا للقيم الأسرية والمجتمعية وهدمها، وغسل الأموال وحيازة مخدرات وسلاح بدون ترخيص، وبث محتويات تتضمن ألفاظًا وعبارات خادشة للحياء وتمثل اعتداءً على قيم ومبادئ المجتمع المصري، وذلك بغرض جذب أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق أرباح ومكاسب مادية غير مشروعة، وقد تم ضبط جانب منها، الأمر الذى جعل الحديث يطفو على السطح حول قيد ووصف تلك القضايا حال إحالة المتهمين للمحاكمة.
في هذا العصر الذي صارت فيه الشاشات في يد الجميع، ظهرت على السطح ظاهرة صناع المحتوى أو "البلوجرز" وفرضت نفسها على المجتمع المصري، سواء عبر منصات الفيديو القصير، أو حسابات التفاعل اليومي التي تقدم محتوى "افتراضيًا" مستمرًا من داخل المنازل والمطابخ وغرف النوم، وحتى ساحات الخصام العائلي المفتعل، ولئن كانت هذه الظاهرة في بدايتها باب نفع للناس بتقديم محتوى هادف ونافع ومفيد، فإن فوضى المشهد قد كشفت عن وجه آخر قبيح حيث ارتبطت أفعال فئة ليست بالقليلة بجرائم تهدم القيم الأسرية والاجتماعية، وتخدش الحياء العام، بل وتفتح الباب أمام شبهات غسل الأموال والتهرب الضريبي. الأمر الذي فاق الحد ودق ناقوس الخطر.
البلوجرز: فوضى صناعة المحتوى.. من هدم قيم المجتمع لغسل الأموال
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على البلوجرز وفوضى صناعة المحتوى من هدم قيم المجتمع إلى غسل الأموال، وذلك من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها فهل يقف القانون المصري عاجزًا أمام هذه الفوضى؟ وما هي المواجهة القانونية لخدش الحياء ونشر الفاحشة؟ وكيفية مواجهة شبهات غسل الأموال والتهرب الضريبي؟ وإشكالية الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية من خلال البلوجرز، والاتجار بالبشر والاستغلال تحت ستار "المحتوى"، والإصلاح التشريعي والرقابي – بحسب الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار.
1-المواجهة القانونية لخدش الحياء ونشر الفاحشة
لم يقف القانون المصري عاجزًا أمام هذه الفوضى، وأبرز هذه المواجهات القانونية هى المواجهة القانونية لخدش الحياء ونشر الفاحشة، فلم تعد جريمة خدش الحياء تقتصر على الأماكن العامة التقليدية، فالمحتوى المنشور على الإنترنت يُعتبر "مكانًا عامًا" افتراضيًا، وهو فعل مؤثم تنطبق عليه القوانين التالية – وفقا لـ"عمار":
قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018):
المادة 25: تجرّم الاعتداء على أي من "المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري" أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة، وتعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه. هذا النص تحديدًا هو أساس ملاحقة كل من يستغل حياته الشخصية أو العائلية للتربح بطريقة مبتذلة، كما تجرم المادة 27 من ذات القانون وتعاقب بالحبس والغرامة أو إحداهما كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا – الكلام لـ"عمار".
قانون العقوبات:
المادة 178: تجرّم كل من صنع أو حاز أو عرض أي مادة من شأنها خدش الحياء العام، وتُعاقب بالحبس والغرامة. وهذا يشمل مقاطع الفيديو التي تروج لسلوكيات منحرفة أو تدعو للفسق والفجور.
الخلاصة: القانون يُوفر حماية مزدوجة؛ الأولى للحفاظ على قيم المجتمع، والثانية لمنع تحويل الانحلال إلى "ترند" ربحي.
قانون رقم 10 لسنة 1960 بشأن مكافحة الدعارة: والذي يجرم في المادة 14 الدعوة بالإغراء للدعارة، وينطبق الحال على ارتكاب الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 100 جنيه لكل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار – هكذا يقول "عمار".
2- مواجهة شبهات غسل الأموال والتهرب الضريبي
عندما يكتسب أحد البلوجرز ثروات طائلة في فترة وجيزة دون مصدر دخل معلوم، فإن ذلك يفتح الباب أمام شبهة قانونية خطيرة، تواجهها نصوص عقابية صارمة:
-قانون مكافحة غسل الأموال (رقم 80 لسنة 2002): هذا القانون يتيح تتبع الأموال التي تأتي من مصادر غير مشروعة، ويفرض عقوبات بالسجن المشدد وغرامة تعادل قيمة الأموال المغسولة.
-التهرب الضريبي: بعض البلوجرز يتجاهلون مسؤولياتهم القانونية في التسجيل الضريبي أو الإفصاح عن أرباحهم من الإعلانات والهدايا الإلكترونية. وفي هذه الحالة، تتدخل مصلحة الضرائب المصرية لمساءلتهم وملاحقتهم قضائيًا بتهمة التهرب الضريبي – طبقا للخبير القانونى.
الخلاصة: مبدأ "من أين لك هذا؟" ليس مجرد سؤال أخلاقي، بل هو أساس قانوني لملاحقة كل من يكتسب أموالًا من أنشطة "مشروعة ظاهريًا" لكنها تخفي جرائم أخرى.
3-الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية
يعتمد الكثير من صناع المحتوى على محتوى ليس ملكًا لهم، سواء كان موسيقى، صورًا، أو مقاطع فيديو، دون الحصول على إذن من أصحاب الحقوق، وهذا الفعل يُشكل جريمة يعاقب عليها قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، والذي يمنح صاحب الحق الأصلي الحق في المطالبة بالتعويض المدني بجانب العقوبات الجنائية المقررة – الكلام لـ"عمار".
الخلاصة: هذا القانون يوفر حماية للأعمال الإبداعية، ويجعل من استخدام محتوى الغير دون إذن جريمة تستوجب المساءلة القانونية.
4- الاتجار بالبشر والاستغلال تحت ستار "المحتوى"
في بعض الحالات، تتجاوز الجرائم مجرد خدش الحياء لتصل إلى الاستغلال الجسدي أو النفسي، خاصة للأطفال، وهنا يتدخل قانون مكافحة الاتجار بالبشر (رقم 64 لسنة 2010).
استغلال الأطفال: لا يُعتد برضاء الطفل أو ولي أمره في جرائم الاتجار بالبشر. لذا، فإن استخدام الأطفال في مقاطع فيديو للتربح، حتى لو كان بقرار من الوالدين، يمكن أن يشكل جريمة اتجار بالبشر تستوجب عقوبات صارمة.
الاستغلال الجنسي أو الاقتصادي: يمكن للقانون أن يطبق في حال إجبار شخص بالغ على تقديم محتوى معين (كالبث المباشر)، أو استغلاله جنسيًا أو اقتصاديًا تحت التهديد أو الإكراه.
الخلاصة: هذا القانون يوفر حماية حاسمة للضعفاء، ويمنع أن تتحول الأسرة إلى أداة للتربح على حساب كرامة أفرادها.
دور المحامي في المواجهة القانونية:
هذا المجال يفتح آفاقًا جديدة للمحامين، حيث لم يعد دورهم مقتصرًا على قاعات المحاكم التقليدية:
1-الاستشارات الوقائية: تقديم استشارات لصناع المحتوى حول الإطار القانوني للمحتوى المباح والمحظور.
2-توفيق الأوضاع القانونية: مساعدة البلوجرز على تسجيل أنشطتهم، وتوفيق أوضاعهم مع مصلحة الضرائب المصرية والجهات الرقابية.
3-الملاحقة القضائية: تمثيل المدعي أو المدعى عليه في قضايا النشر الإلكتروني، سواء بتقديم بلاغ للنيابة العامة ضد محتوى مُخالف، أو الدفاع عن موكل في قضايا مشابهة.
4-نشر الوعي: المشاركة في توعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة، وبأهمية الالتزام بالقانون.
الإصلاح التشريعي والرقابي:
مع تسارع الأحداث، قد تكون هناك حاجة ملحة إلى:
تعديل تشريعي: تغليظ العقوبات على من يكرر ارتكاب الجرائم سيما المتعلقة بقيم المجتمع.
ضوابط تنظيمية: استحداث ضوابط قانونية لتراخيص المحتوى المدفوع على الإنترنت. مع إمكانية وقف أو يحب الترخيص بحسب المخالفة.
تكامل رقابي: تفعيل التنسيق بين الجهات المعنية كالنيابة العامة، وحدة مكافحة جرائم الآداب بوزارة الداخلية، وحدة مكافحة غسل الأموال، ومصلحة الضرائب لضمان مواجهة شاملة وفعّالة.
خلاصة:
وفى الأخير يؤكد "عمار": ظاهرة صناع المحتوى "البلوجرز" ليست شرًا كلها، ولكنها فتحت أبوابا من الفوضى والانفلات والتربح من السقوط الأخلاقي تستوجب مواجهة حاسمة بالقانون، حمايةً لأخلاق وقيم المجتمع، والأجيال الجديدة التي تمثل مستقبل الدولة وأمنها القومي، وفي هذا المشهد، يبرز دور القانون وفي طليعته المحامي ليس فقط في قاعة المحكمة، بل في ساحات التوعية، والمرافعة عن الحق العام، والتأصيل التشريعي السليم.
