أصدرت الدائرة الجنائية ( هـ ) – بمحكمة النقض – حكماً فريداً من نوعه، يتصدى لجرائم الازعاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ويشرح ويوضح كيف تكون جرائم الازعاج الالكترونى، ارست خلاله لعدة مبادئ قضائية، قالت فيه: "مجرد إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي يعاقب عليها حتى لو لم تصل لدرجة السب والقذف".
الخلاصة:
"من المقرر أن الإزعاج وتعمد مضايقة المجني عليها لا يقتصر على السب والقذف المعاقب عليهما في المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات، بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجني عليها، وكان الحكم المطعون فيه بين مضمون ما وجهه الطاعن عن طريق تدوينه في تعليق موجه للمجني عليها على موقع التواصل الاجتماعي، ويمكن لها مطالعته والاطلاع على ما دون به من عبارات أوردها الحكم وانتهى في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى أنها تفيد تعمد إزعاج المجني عليها بما ضاق به صدرها بإساءة استعمال أجهزة الاتصال بما لا يخرج عن الاستدلال المنطقي وهو ما تحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها، فإن نعي الطاعن يكون بعيداً عن محجة الصواب".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 16713 لسنة 93 القضائية، برئاسة المستشار عبد الرسول طنطاوي، وعضوية المستشارين هاشم النوبي، ومحمد علي طنطاوي، ووائل صلاح الدين الأيوبي، وإبراهيم الخولي، وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد عطية، وأمانة سر وليد رسلان.
الوقائع.. سيدة تتهم شخصين بإزعاجها عبر أجهزة الاتصالات
اتهمت النيابة العامة كلاً من "1- ل. م، 2- س. خ" الطاعن في القضية رقم 34 لسنة 2022 جنح اقتصادي، والمستأنفة برقم 13 لسنة 2023 جنح مستأنف اقتصادي بوصف أنهما بتاريخ 7 من مارس سنة 2022 بدائرة قسم ثان محافظة الجيزة:
1- قاما بسب المجني عليها بأن وجها إليها الألفاظ الواردة بالأوراق والتي تخدش الشرف والاعتبار.
2-تعمدا إزعاج غيرهما بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات على النحو المبين بالأوراق .
النيابة تحيل المتهمان للمحاكمة الجنائية
وفى تلك الأثناء - أحالتهما النيابة العامة إلى محكمة الجنح الاقتصادية، وطلبت عقابهما بالمواد 166 مكرر، 4/171، 166 مكرر، 4/171، 306، 308/1 من قانون العقوبات والمادتين 70، 76 بند 2 من القانون رقم 10 لسنة 2003، وادعت المجني عليها - بوكيل عنها محام - مدنياً قبل المتهمين بمبلغ ثلاثين ألف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت.
أحكام محكمة أول درجة
ومحكمة جنح اقتصادي قضت حضورياً بتوكيل بجلسة الأول من إبريل سنة 2023 أولاً: ببراءة شهراً واحداً وكفالة المتهمة الأولى، مما هو مسند إليها من اتهام، ثانياً: بحبس المتهم الثاني ألفي جنيه لوقف تنفيذ الحكم مؤقتا، وبتغريمه مبلغاً مالياً وقدره عشرين ألف جنيه مصري وألزمته المصروفات الجنائية، ثالثاً: بإلزام المتهم بأن يؤدي للمجني عليها المدعية بالحق المدني تعويضاً مدنياً مؤقتاً قدره ألف جنيه مصري مع إلزامه مصروفات الدعوى المدنية ومبلغ خمس وسبعون جنيها مقابل أتعاب المحاماة بعد أن استبعدت التهمة الأولى قبل المحكوم عليه.
المتهم يستأنف الحكم لإلغاءه
فلم يلق ذلك القضاء قبولاً لدى المتهم، فطعن عليه بالاستئناف، وقضت حضورياً بجلسة 3 من يونيه سنة 2023 بقبول الاستئناف ومحكمة جنح مستأنف اقتصادي شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فقرر الطعن بالنقض.
الاستئناف تؤيد الحكم.. والمتهم يطعن أمام النقض
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه جاء في عبارات عامة معماة لا يبين منها واقعة الدعوى بما تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها معتنقاً أسباب حكم أول درجة رغم قصوره في بيان عبارات السب والقذف، وعدم إجابة محكمة أول درجة إعادة الدعوى للمرافعة بعد حجزها الدعوى للحكم ليتمكن من إبداء دفاعه، كما عول الحكم على الدليل الرقمي رغم أنه لا يقطع بارتكابه الواقعة - الأمارات عددها - وعلى أقوال المجني عليها رغم أنها لا تصلح دليلاً والتفت عن الدفع بانتفاء الاتهام في حقه لشواهد عدة، وكيديته وتلفيقه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم الاستئنافي المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من ثبوت التهمة وجاء استعراض المحكمة لتلك الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة وفقاً لما يوجبه عليها نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم على هذا النحو كاف في بيان الواقعة بأركانها وأدلة ثبوتها في حق الطاعن، وجاء تدليله على ثبوت التهمة على نحو كاف لنسبة الاتهام إليه، فإن ما ينعاه على الحكم بالقصور في هذا الشأن لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الإزعاج وتعمد مضايقة المجني عليها لا يقتصر على السب والقذف المعاقب عليهما في المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات، بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجني عليها، وكان الحكم المطعون فيه بين مضمون ما وجهه الطاعن عن طريق تدوينه في تعليق موجه للمجني عليها على موقع التواصل الاجتماعي، ويمكن لها مطالعته والاطلاع على ما دون به من عبارات أوردها الحكم وانتهى في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى أنها تفيد تعمد إزعاج المجني عليها بما ضاق به صدرها بإساءة استعمال أجهزة الاتصال بما لا يخرج عن الاستدلال المنطقي وهو ما تحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها، فإن نعي الطاعن يكون بعيداً عن محجة الصواب .
النقض تقرر: الإزعاج وتعمد مضايقة المجني عليها لا يقتصر على السب والقذف
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن المحكمة متى أمرت بقفل باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب إعادة الدعوى للمرافعة بعد حجزها الدعوى للحكم من الطاعن - ما دام لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة وحجزها للحكم - فإن ما يثيره الطاعن بدعوى الإخلال بحق الدفاع في غير محله - لما كان ذلك - وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاؤها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من التقرير الفني الخاص بتفريغ الهاتف وإنما استندت إليه كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المحادثات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم ويكون ما ينعاه الطاعن على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله .
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها، إلا إذا قيده القانون بدليل معين بنص معين، وكان القانون الجنائي لم يجعل الإثبات جريمة إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات طريقاً خاصاً، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة عليها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
وتضيف "المحكمة": كما أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يشترط في الدليل أن يكون وارداً على رؤية الواقعة المراد إثباتها، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متسائدة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
النقض: مجرد إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي يعاقب عليها حتى لو لم تصل لدرجة السب والقذف
ولما كانت المحكمة – في حدود سلطتها التقديرية - قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليها وصحة تصويرها والتي تأيدت بتقرير الفحص الفني وباقي الأدلة، فإن ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه حول أقوالها ومنازعته في القوة التدليلية لشهادتها وما يسوقه من قرائن لتجريحها - والقول بانتفاء الدليل اليقيني على ثبوت الاتهام قبله - لا يعدو في حقيقته جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى وتقدير أدلتها تأدياً لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدانها بالدليل الصحيح وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه، إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً طالما أن الرد عليها يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على ذلك الدفع ويكون معه ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.