لم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي تعاملت معها أجهزة وزارة الداخلية، إذ تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط صانعة محتوى مقيمة بدائرة قسم شرطة المطرية بالقاهرة، بعد ورود بلاغات ضدها تتهمها بنشر مقاطع مرئية تتضمن ألفاظًا خادشة، ومشاهد تتعارض مع الآداب العامة، إلى جانب إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحقيق معها، أقرت المتهمة بأنها كانت تسعى إلى رفع نسبة المشاهدات على حساباتها المختلفة، لجذب الإعلانات وتحقيق دخل مادي مرتفع.
هذه الوقائع فتحت الباب أمام تساؤلات حول فعالية التشريعات الحالية في مواجهة هذه الظواهر المتكررة، التي باتت تشكل تحديًا حقيقيًا أمام الجهات المختصة، في ظل الانتشار السريع للمحتوى الرقمي وسهولة تداوله.
وفي هذا السياق، قال اللواء الدكتور علاء عبد المجيد، الخبير الأمني، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن وزارة الداخلية تقوم بدور بالغ الأهمية في الحفاظ على الذوق العام، وتتصدى لمحاولات بعض الأفراد العبث بالقيم من خلال استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بصورة غير مسؤولة.
وأكد أن هناك حالة من الرصد الدائم من قبل الأجهزة المعنية، لكل صور الخروج على القانون، وهو ما ينعكس على سرعة التحرك تجاه أي تجاوزات.
ولفت إلى أن المواطنين يشعرون بارتياح بالغ إزاء هذه الجهود، التي تؤكد حضور الدولة في مواجهة من وصفهم بـ"سماسرة الإنترنت".
أما اللواء خالد يحيى، الخبير الأمني، فقد شدد على أن الوزارة "تضرب بيد من حديد" كل من تسول له نفسه التلاعب بالقيم المجتمعية، واصفًا ما يقوم به بعض صناع المحتوى بأنه "عدوان سافر على الذوق العام".
وأشار إلى أهمية رفع الوعي المجتمعي، خاصة لدى فئة الشباب، تجاه خطورة متابعة هذه النوعية من المقاطع، التي قد تؤدي إلى تشويه الذوق العام وتعزيز سلوكيات مرفوضة في المجتمع.
وأضاف أن ما يُنشر عبر هذه المنصات لا يجب أن يمر مرور الكرام، بل ينبغي التصدي له قانونيًا ومجتمعيًا، لضمان الحفاظ على الثوابت الأخلاقية.
من الناحية القانونية، تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على أن كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كما يشير القانون إلى إمكانية تغليظ العقوبة في حال تكرار الجريمة أو ارتكابها في إطار منظم.
ويؤكد قانونيون أن مثل هذه القضايا تدخل في نطاق "الجرائم الإلكترونية" التي تستهدف المجتمع بشكل غير مباشر من خلال نشر محتوى غير لائق يؤثر على النشء والأسرة، ويفتح الباب أمام أنماط سلوكية دخيلة قد تؤثر سلبًا على الهوية الثقافية.
من جهة أخرى، يرى البعض أن هناك حاجة لتوسيع جهود التوعية المجتمعية، وتفعيل دور المؤسسات التربوية والدينية والثقافية، إلى جانب الدور الأمني، في بناء جدار صد حقيقي ضد هذه الظواهر. فالمواجهة القانونية، وإن كانت ضرورية، إلا أنها لا تكفي وحدها، ما لم يصاحبها جهد تنويري متواصل.
كما أشار بعض المتخصصين في الإعلام الرقمي إلى ضرورة وجود منظومة رقابية مرنة على المحتوى المنشور عبر الإنترنت، تستند إلى ميثاق أخلاقي واضح يحدد ما يمكن قبوله وما يُعد تجاوزًا مرفوضًا، وهو أمر بات أكثر إلحاحًا في ظل التوسع المطرد في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للربح السريع.
وتبقى الجهود الأمنية في هذا الملف بمثابة إنذار مستمر لكل من يحاول استغلال المساحات الرقمية لبث محتوى يسيء إلى قيم المجتمع، ويؤكد أن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، وأن الدولة لن تتهاون مع من يحاول خرقها، تحت أي ذريعة.