يحتل قطاع البترول والثروة المعدنية موقعا محوريا ضمن أولويات الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في إطار رؤية مصر 2030، فهو ليس فقط مصدرا رئيسيا للطاقة، بل يمثل أيضا إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، سواء من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، أو جذب الاستثمارات، أو توليد الصادرات، فضلاً عن تأثيره المباشر على ميزان المدفوعات وهيكل الدعم الحكومي.
وإيمانا من الدولة بضرورة التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على استخراج الموارد إلى اقتصاد إنتاجي قائم على تعظيم القيمة المضافة، تم وضع مجموعة من الأهداف الطموحة التي تستهدف تطوير القطاع من الناحية الإنتاجية والبيئية والاستثمارية، بما يعزز من كفاءته التنافسية ويساهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وتكشف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة للعام 2025/2026 المقدمة من وزيرة التخطيط رانيا المشاط، إلي البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب، الشيوخ)، خريطة الدولة ومستهدفاتها في قطاع البترول حتى 2030، حيث تستهدف زيادة مساهمة هذا القطاع الحيوي من 5.8% في عام 2022/2023 إلى 8% بحلول عام 2030، ويعكس هذا الهدف الطموح التوجه الاستراتيجي نحو دعم الإنتاج المحلي وتحسين كفاءة التكرير والتوزيع، بما يسهم في رفع القيمة الاقتصادية للقطاع وتعزيز مكانته ضمن قطاعات الدخل القومي.
ويُعد هذا التوجه بمثابة حجر الأساس الذي ترتكز عليه باقي المحاور، حيث يمثل النمو في مساهمة القطاع أحد أبرز مؤشرات نجاح السياسات التنموية الأخرى المتعلقة بالاستثمار والتصدير والاستدامة.
وفي سبيل تحقيق التنمية المستهدفة، تولي الدولة اهتماما كبيرا بجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في أنشطة البحث والاستكشاف والإنتاج.
وفي هذا الصدد، تخطط الحكومة للوصول بحجم الاستثمارات الخاصة في القطاع إلى أكثر من 350 مليار جنيه بحلول عام 2030، مقارنة بـ208 مليارات جنيه مستهدفة لعام 2025/2026.
ولتفعيل هذا الهدف، تم اعتماد مجموعة من الإصلاحات، أبرزها تطوير نظم المزايدات العالمية، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتسريع توقيع الاتفاقيات البترولية، ما ينعكس بدوره في خلق مناخ أكثر تنافسية وثقة لدى المستثمرين.
وترتبط الزيادة في الإنتاج والاستثمارات ارتباطا وثيقا بتنمية الصادرات، حيث تستهدف الدولة رفع صادرات البترول والغاز الطبيعي لتصل إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030، مقارنة بـ 3.3 مليارات دولار في 2023/2024.
وتعكس هذه الطموحات سعي مصر إلى تعزيز دورها كمركز إقليمي للطاقة، وتوسيع نطاق الشراكات التجارية الدولية، من خلال تطوير البنية التحتية للتسييل والنقل والتخزين، والربط مع الأسواق الأوروبية والآسيوية.
وفي انسجام تام مع أهداف التنمية المستدامة والاتفاقات البيئية الدولية، وضعت الدولة خطة طموحة لخفض الانبعاثات الناتجة عن أنشطة البترول والغاز بنسبة 65% بحلول عام 2030، من خلال التوسع في مشروعات وقف حرق غاز الشعلة، وتطبيق أحدث تقنيات التقاط الكربون.
كما تأتي هذه الجهود في إطار التزام مصر بمبادرة البنك الدولي العالمية لوقف الحرق الروتيني لغاز الشعلة، بما يعزز من صورتها كدولة مسؤولة بيئيًا ويزيد من جاذبية القطاع لدى المستثمرين المهتمين بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية.
ومن أبرز المحاور الإصلاحية هو التراجع التدريجي في قيمة دعم الوقود، والذي تستهدف الحكومة خفضه إلى نحو 84 مليار جنيه في عام 2028/2029، مقارنة بـ213 مليار جنيه في عام 2024/2025.
ويأتي هذا التوجه في إطار ترشيد الإنفاق العام، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، والتوجه نحو دعم الفئات الأولى بالرعاية بشكل مباشر، إلى جانب تحفيز المواطنين والصناعة على الاستخدام الرشيد للطاقة.