غزة - صورة أرشيفية
أكد تقرير صادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان أن قوات الاحتلال الإسرائيلى تواصل استهداف البنية التحتية فى قطاع غزة بشكل منظم ومتعمد، وتستهدف المرافق الخدمية الحيوية التى لا غنى عنها وحياة السكان، كالمستشفيات ومحطات المياه، والمبانى والمنشآت التابعة للبلديات، ومركبات وآليات جمع النفايات، وتمنع إدخال الوقود اللازم لعمل المستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي، وخدمات النظافة العامة وإدارة النفايات، مما يتهدد بتوقف كافة الخدمات على محدوديتها، ويدفع بانهيار شامل على كافة المستويات، ويدفع السكان المدنيين نحو كارثة إنسانية محققة.
كارثة إنسانية على وشك الحدوث بسبب نقص الوقود
وأشار التقرير إلى أن منع إدخال الوقود أدى إلى توقف خدمات أغلب المستشفيات والبلديات، والمرافق الخدماتية كآبار المياه وخدمات الصرف الصحى وجمع النفايات، وفى هذا السياق، حذر مجمع ناصر الطبى فى خان يونس، من أن كارثة إنسانية على وشك الحدوث، لا سيما بالنسبة للمرضى اللذين يعتمدون على أجهزة التنفس الصناعي، وأنه عمل على تقليص الأحمال وحصر الكهرباء فى الأقسام الحيوية كالعناية المركزة والعمليات والحضانات وغسيل الكلى، فى حين أعلن مجمع الشفاء الطبى عن توقف خدمة غسيل الكلى نتيجة نفاذ الوقود والاقتصار على تقديم خدمة العناية المركزة فقط.
توقف محطات الأكسجين ومولدات الكهرباء فى عزة
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن هناك (9) محطات أكسجين من أصل (34) محطة تعمل بشكل جزئى لتزويد المستشفيات بالأكسجين، و(49) مولدا كهربائيا تعمل ضمن أرصدة محدودة من الوقود ولا تلبى احتياج الأقسام الحيوية من الطاقة الكهربائية، وتقلصت قدرة الوزارة على تشغيل عدد كافى من سيارات الإسعاف لنقل المصابين والمرضى.
هذا وكانت الأمم المتحدة قد حذرت فى وقت سابق من أن نقص الوقود فى قطاع غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار كامل للجهود الإنسانية، وأوضحت بأن فالوقود يعد العمود الفقرى للبقاء، وهو المحرك الرئيسى لعمل المستشفيات، وشبكات المياه والصرف الصحي، وسيارات الإسعاف، وحتى المخابز. ومع قرب نفاده، تواجه غزة خطر توقف كامل فى الخدمات الأساسية وتعطل وصول المساعدات، وسيشل عمليات الإغاثة، وحتى يقطع التواصل بين العائلات.
ارتفاع نسب التضرر البنية التحية كاملة فى غزة
ومنذ بداية الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فقد تضرر حوالى (89%) من البنية التحتية للمياه والصرف الصحى فى غزة، بما فى ذلك (238) بئراً للمياه، وأجزاء أساسية من خطوط المياه الرئيسية، وقد انخفض انتاج محطات تحلية المياه والآبار إلى أقل من نسبة (58٪)، مما ترك (90٪) من سكان غزة دون إمكانية الحصول على مياه الشرب. وبسبب النقص الحاد فى مخزون الوقود فى جميع أنحاء القطاع، تسبب ذلك فى عدم توفر مياه الشرب لا سيما فى محافظة خان يونس، حيث يتعرض حوالى (96%) من المياه الموزعة كل يوم لخطر الاختفاء.
شهود عيان من أهالى غزة يرصدون الأحداث الواقعية
ورصد التقرير عدد من الشهادات الحية، حيث أفاد (ح. ز)، وهو رب أسرة يعيش فى خيمة فى مواصى خان يونس، أنا متزوج ولدى 5 أبناء، من بينهم ثلاثة أطفال، كنا فى السابق نحصل على مياه الشرب من خلال عربات مياه تحمل صهاريج تأتى إلى المخيم، وكنا نشترى منها المياه للشرب وللاستخدام الشخصي، والآن أصبح عدد محدود من هذه العربات يصل إلى المخيم كل يومين، ويتزاحم عليهم الناس ولا نستطيع تعبئة المياه، أضطر أنا وأبنائى المشى مسافات طويلة للحصول على مياه الشرب الآن، ونستخدم مياه البحر للنظافة، وهى مضرة لأجسادنا، حيث نعانى من الحساسية بسببها، وعند سؤال أصحاب عربات المياه عن سبب عدم قدومهم كالسابق إلى المنطقة، يقولون لنا لا يوجد وقود لعرباتنا لنستطيع من خلاله الوصول لكم، ونحن الآن على هذا الحال، عطشى، وبدأت الأمراض الجلدية تتفشى فى أجساد أفراد أسرتي.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإنه وطوال الفترة الممتدة من مايو لم يتلق الشركاء فى المياه والصرف الصحى والنظافة الصحية سوى "25%"من الوقود اللازم للحفاظ على عمليات الطوارئ الفعالة، وحتى 4 يوليو، وأصبحت "80%" من أصول ومرافق المياه والصرف الصحى والنظافة الصحية تقع الآن داخل المناطق غير الآمنة، ويشمل ذلك 97 محطة من أصل 121 محطة لتحلية المياه "80%"، و52 من أصل 58 خزاناً للمياه "90%"، و302 من أصل 392 بئراً للمياه "77%"، و58 من أصل 70 محطة لضخ مياه الصرف الصحى "83%".
كما أن إنتاج آبار المياه وخطوط ميكوروت ومحطات تحلية المياه أقل من "50%" من المياه المنتجة خلال فترة وقف إطلاق النار فى فبراير من نفس العام.
ومع أزمة الصرف الصحى وتلوث المياه وتراكم النفايات، ترتفع نسبة الأمراض المنقولة، حيث يمثل الإسهال المائى الحاد (39%) من الأمراض إلى جانب الإسهال الدموى ومتلازمة اليرقان، وارتفاع معدلات سوء التغذية، والعوامل التى تساعد فى انتشار هذه الأمراض، اكتظاظ مراكز الإيواء وعدم القدرة على الحصول على المياه الصالحة للشرب والاستخدام، وعدم توفر مواد النظافة الشخصية. كما أن معظم السكان يتلقون أقل من معيار الطوارئ للمياه وهو 15 لتراً للشخص الواحد يومياً.
كما أفادت السيدة (ن، ن) والدة الطفل يوسف، ويبلغ من العمر أربعة شهور: نعيش فى خيمة فى مواصى خان يونس، إبنى الآن فى مستشفى ناصر الطبي، مصاب بالحمى الشوكية، حيث ظهرت عليه أعراض السخونة، وآلام فى الرقبة، ويعانى من الاستفراغ والإسهال المستمر، بسبب عدم وجود مياه نظيفة، ولا أدوات تنظيف، وبسبب نقص الغذاء الصحى لا سيما حليب الأطفال وعدم وجود التطعيمات، أصبحت مناعته ضعيفة، ورأيت عدد كبير من الأطفال فى المستشفى، حتى أنه لا يوجد سرير لينام عليه الطفل.
وقد حذرت بلدية غزة، وبلديات محافظة وسط قطاع غزة من توقف تام لجميع الخدمات الأساسية بسبب نفاد الوقود، خاصة تشغيل آبار المياه ومضخات الصرف الصحى وعمليات جمع وترحيل النفايات، ما سوف يعرض حياة المدنيين لخطر تفشى الأمراض، كما حذرت بلدية غزة من تجمع كميات كبيرة من مياه الصرف الصحى فى بركة الشيخ رضوان فى مدينة غزة، مما يهدد بفيضانها، ما سيزيد من معدلات انتشار الأمراض والأوبئة والتلوث، وأنها بحاجة إلى نحو (155) ألف لتر من الوقود أسبوعياً لتشغيل المضخات لمدة (15) ساعة يومياً على الأقل، كإجراء طارئ لتخفيض منسوب المياه العادمة داخل البركة، للحد من خطر التلوث، وتخفيف الكارثة.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يحذر من وقوع كارثة ويطالب بالتدخل السريع
مركز الميزان لحقوق الإنسان، أكد فى التقرير أن الظروف المعيشية والصحية القاسية التى فرضتها إسرائيل عمداً على سكان قطاع غزة من خلال استهداف البنية التحتية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية لا سيما الوقود وغيرها من المواد الأساسية، تأتى فى سياق حرب الإبادة الجماعية التى تباشرها، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تدمير السكان كلياً أو جزئياً، وإلحاق الأذى الجسدى والنفسى بهم، وخلق واقع تصعب فيه الحياة داخل القطاع غزة.
وطالب المركز المجتمع الدولى بالتدخل لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وتنفيذ وقف فورى لإطلاق النار، وإلزامها للامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التى فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والعمل على تمكين الجهات المختصة من تقديم خدماتها المنقذة للحياة، لا سيما وكالات الأمم المتحدة المختلفة، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وفك الحصار، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية، وخاصة الوقود اللازم للمستشفيات ومحطات المياه، ومحطات معالجة الصرف الصحي، ولآليات جمع النفايات، والمخابز، وغيرها من المرافق الأساسية.
