الأحد، 29 يونيو 2025 06:46 م

حكايات موجعة من حادث المنوفية.. الأهالى يسردون قصص كفاح الراحلات والموت الجماعى.. رويدا لم تُزف وشيماء لم تُكمل هندستها.. و4 طالبات متفوقات بالإعدادية ينتقلن من دفتر الأحلام إلى سجل الوفيات

حكايات موجعة من حادث المنوفية.. الأهالى يسردون قصص كفاح الراحلات والموت الجماعى.. رويدا لم تُزف وشيماء لم تُكمل هندستها.. و4 طالبات متفوقات بالإعدادية ينتقلن من دفتر الأحلام إلى سجل الوفيات حادثة المنوفية
الأحد، 29 يونيو 2025 01:00 م
كتب محمود عبد الراضي
لم تكن تعرف الفتيات العائدات من عملهن أن رحلتهن اليومية ستتحول إلى خبر عاجل ومشهد حزين يتكرر على الشاشات، ولافتة سوداء في صدر صفحات الحوادث.
 
في لحظة واحدة، تحولت سيارة ميكروباص كانت تقل 19 راكبا إلى مأساة إنسانية موجعة، بعد أن صدمتها سيارة نقل على الطريق الإقليمي بالقرب من محافظة المنوفية، لتفقد 18 فتاة حياتهن، ويظل السؤال حائرًا: كيف يمكن لحلم أن يُكسر بهذه القسوة، دون إنذار، على طريق سريع؟
 
الواقعة التي أثارت موجة من الحزن في الشارع، كشفت جانبًا غائبًا عن كثيرين: تفاصيل الحياة اليومية للفتيات العاملات، اللواتي خرجن مبكرًا في سبيل لقمة العيش، وسعين بجد وإصرار نحو مستقبل أفضل، لا يحمل لهن ولعائلاتهن سوى الأمل.
 
دموع الأمهات وصمت الأب
في قرية صغيرة بمحافظة المنوفية، ما زال البيت مفتوحًا للعزاء، والد شيماء لم يعد يملك الكلمات، ولا حتى الدموع، كانت شيماء بالنسبة له أكثر من ابنة، كانت مشروع حلم مؤجل، قررت أن تؤجله هي من أجل والدها.
 
يقول أحد جيرانها: "كانت بتحلم تدخل ثانوية عامة وتدخل كلية محترمة، لكن رفضت تتعب والدها بالمصاريف، خدت دبلوم فني، اشتغلت، وجمعت فلوس، ورجعت تكمل تعليمها، وكان نفسها تبقى مهندسة، شيماء كانت مثال للبنت الجدعة اللي بتشيل نفسها وتساعد أهلها، لكنها ماتت قبل ما تحقق حلمها."
 
حلم التمريض الذي توقف على الطريق
هدير، فتاة أخرى لم تتجاوز العشرين، التحقت بمعهد التمريض لأنها كانت تحلم أن تكون في خدمة المرضى، لم تكن تسعى وراء شهرة أو مال، بل كانت تقول دومًا إنها تحب أن تعالج الفقراء وتساعدهم.
 
يقول أحد أقاربها: "كانت دايمًا تقول إنها بتحب تشوف الفرحة في عيون الناس، تحب تساعد الغلابة، كانت إنسانة حنونة جدًا، وكان كل اللي حواليها بيحبوها، لكن الطريق خطفها فجأة."
 
رويدا.. زفة لم تتم
ربما كانت قصة رويدا الأشد إيلامًا، كانت "عروسة ببيت أهلها"، تعمل وتجتهد لتجهز نفسها للزفاف، كانت كل خطوة تخطوها نحو المصنع هي اقتراب من فستان الزفاف، من بيت تحلم به، من حياة كانت تبنيها بحب وتعب.
 
في ذلك اليوم، لم يسِر أهلها في زفتها كما كانوا يخططون، سارت القرية كلها في جنازتها، تحول الفرح إلى مأتم، والحلم إلى سراب.
 
المتفوقات اللاتي حملن النتيجة في يد الغياب
 
من بين الضحايا أيضًا، كانت هناك أربع طالبات في الشهادة الإعدادية، خرجن من بيوتهن وهُن يحملن حلم التفوق، ونجحن بالفعل في تحقيقه، لكن القدر لم يمنحهن فرصة الاحتفال.
 
ظهرت النتيجة بعد ساعات من وفاتهن، وكانت دموع ذويهن لا تفرّق بين فرحة النجاح وحرقة الفقد.
 
الطالبة تقى محمد السيد الجوهري حصلت على مجموع 221 درجة، وضحى همام الحفناوي حصلت على 202 درجة، وجنى يحيى فوزي خليل 250 درجة، وإسراء الحفناوي 269 درجة.
 
يقول أحد المدرسين بالقرية: "كنا فخورين بيهم، وكلنا كنا مستنيين نحتفل بنجاحهم، لكن ربنا اختارهم في يوم ما كناش نتخيل إنه يبقى يوم وداعهم."
 
وزارة الداخلية ألقت القبض على سائق النقل المتسبب في الحادث، وقررت النيابة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات.
 
كل واحدة من هؤلاء الفتيات كانت تحمل حلمًا بسيطًا، مشروعًا، مثل ملايين من أبناء وبنات هذا الوطن، بعضهن أرادت أن تصبح مهندسة، وأخرى ممرضة، وأخرى كانت تعد لزواجها، أو تدرس، أو تعيل أسرتها، كلهن كن وجوهًا لبلد يُبنى بعرق البنات وأحلام البسطاء.
 
ماتت الفتيات، لكن قصصهن لا يجب أن تموت، يجب أن تبقى لتشهد على جيل لم يطلب سوى الحياة، فكانت نهايته على طريق بلا رحمة بسبب تهور سائق.

 


الأكثر قراءة



print