ما زالت النقاشات والمقترحات تأتى من هنا ومن هناك سواء روابط المؤجرين أو المستـأجرين بشأن تعديلات قانون الإيجار القديم في محاولة لإعادة ضبط العلاقة بين المالك والمستأجر على أسس أكثر عدلاً وتوازنًا، حيث وافقت لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بمجلس النواب، على مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة، لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وإنهاء أزمة قانون ظلت عالقة لعقود.
ويناقش مجلس النواب مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تنظيم بعض أحكام قوانين إيجار الأماكن، وهو مشروع يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بعد عقود من الجمود التشريعي، خاصة فيما يتعلق بنظام الإيجار القديم، ويعد هذا المشروع خطوة تشريعية مثيرة للجدل، خاصة أنه يمس ملايين المواطنين من طرفي العلاقة الإيجارية، باعتبار أنه يسعى لتنظيم العلاقة بين ملايين المؤجرين والمستأجرين، والذى يعتبره البعض بمثابة أمن قومى يجب التعامل معه بحذر شديد، لأنه يمس كل بيت مصرى.
مذكرة إيضاحية جديدة من "اتحاد مستأجرى مصر" لـ"مجلس النواب"
وفى هذا الإطار – تقدم اتحاد مستأجري مصر، برئاسة المستشار شريف الجعار، والدكتورة هبة عبد العزيز، الناشطة الحقوقية، ودكتورة علم الاجتماع والسكان، بمذكرة توضيحية لمجلس النواب بشأن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التنموية المترتبة على تعديل قانون الإيجار القديم بالقانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981 المعروف بـ"قانون الإيجار القديم" ، وذلك وفقاً للمسودتين الأولي والثانية التي قدمتها الحكومة المصرية في الأونة الأخيرة والتي أثارت الجدل في الوسط البرلماني والإعلامي والمجتمعي.
في البداية ذكرت "المذكرة الإيضاحية": يجب علينا أن نوضح من هم مستأجري الإيجار القديم من واقع دراسات علم الاجتماع القانوني، ففي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في عام 2019 على عينة من مستأجري الإيجاء القديم جاءت نتائج الدراسة موضحة أن ربع المستأجرين من النساء، وثلثيهم في سن يزيد عن الخمسين، وثلثهم يعمل في القطاع غير الرسمي أو غير المنتظم، وثلث آخر يقل دخله الشهري عن 2000 جنيه، كما أوضحت الدراسة أنه وفقاً للأوضاع الاقتصادية لمصر ووفقاً لالتزاماتها التنموية واستحقاقاتها الدستورية لا يمكن إلغاء قوانين الإيجار القديم بأي حال من الأحوال خلال السنوات الحالية، كما أوضحت الدراسة رفض المستأجرين إطلاقاً لإلغاء قوانين الإيجار القديم.
وتأسيسا على ما سبق ننتقل "المذكرة الإيضاحية" لعرض التأثيرات المختلفة والمتوقع حدوثها عقب تمرير مشروع قانون الحكومة موضوع البحث.
المحور الأول: التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية علي أسر مستأجري الإيجار القديم وعلي المجتمع المصري ككل:
أولاً: يترتب علي تحرير العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر بعد فترة انتقالية ما، زيادة احتياج الأسر المصرية للسكن ومع ارتفاع القيم الإيجارية سواء بتأثير مشروع القانون المقترح من قبل الحكومة أو الارتفاع المستمر المرتبط بانخفاض قيمة العملة المحلية وموجات التضخم المتتالية خاصة مع وجود ملايين الوافدين من الدول العربية بالأراضي المصرية والتي قدرتهم منظمة شئون اللاجئين عام 2019 بنحو عشر مليون وافد، هذا الارتفاع في أسعار إيجار وتمليك الوحدات السكنية سوف يصبح أكثر شراسة بمجرد الموافقة علي مشروع القانون وتطبيقه مما يترتب عليه ارتفاع الطلب علي السكن في ظل انخفاض العرض النقدي لدي أغلب أسر المستأجرين الأمر الذي يترتب عليه تهديد أغلب أسر المستأجرين بالتشرد والحرمان من الاستقرار الاجتماعي.
ثانياً: ارتفاع القيم الإيجارية للوحدات السكنية عن الحد الملائم أو المتوافق مع الحد الأدني للأجور في مصر يترتب عليه أيضاً حرمان أغلب المستأجرين من حقهم في السكن والاستقرار الاجتماعي نتيجة عجزهم عن سداد القيمة الإيجارية الجديدة، فقد أشرنا سابقاً لخصائص مستأجري الإيجار القديم والتي تشير إلي انخفاض مستويات دخولهم وعدم وجود مصادر دخل ثابتة للبعض منهم.
ثالثاً: يترتب علي النقطتين السابق الإشارة إليهما حدوث عملية حراك اجتماعي هابط لأسر المستأجرين الذين يمثلون شريحة لا يستهان بها أبداً داخل المجتمع المصري، فمع تضارب الأرقام والإحصاءات يكون من المؤكد أن الأسر المتضررة من مشروع القانون هم ملايين موزعين علي العديد من المحافظات المصرية خاصة المحافظات الرئيسية في المقابل تشهد أسر المؤجرين عملية حراك اجتماعي صاعد مع ارتفاع مستويات دخولهم وارتفاع مستويات العرض النقدي لديهم مع رفع القيم الإيجارية وتحرير العلاقة.
ملحوظة: وهنا يشهد المجتمع المصري حركة هبوط اجتماعي للفئة السكانية الأكبر حجماً في مقابل حركة صعود اجتماعي للفئة السكانية الأقل حجماً فتتغير التركيبة الاجتماعية والطبقية للمجتمع المصري بشكل مفاجئ وعشوائي ومتسارع، مما يترتب عليه انهيار البناء القيمي للمجتمع المصري، وارتفاع معدلات الجرية والانحراف الاجتماعي ونمو طبقة رأسمالية طفيلية جديدة أسوة بما حدث أبان فترة الانفتاح الاقتصادي في السبعينات.
رابعاً: من المعروف أن المجتمع المصري يتصف بارتفاع معدلات تأخر الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق والترمل، وبطبيعة الحال سوف نجد أن كثيرا من مستأجري الإيجار القديم من البنات والأرامل والمطلقات والمسنات، واللواتي تجاوزن بطبيعة الحال عن مواكبة ارتفاع القيم الإيجارية للوحدات السكنية، مما يهدد حقهن في السكن الملائم ويعرضهن للتشرد.
ملحوظة: كما أن تحرير العلاقة الإيجارية – حتي مع توفير السكن البديل – سوف يلقي بملايين الفتيات والنساء ومن هن تجاوز الخمسين أو الستين عاماً في أحياء سكنية بعيدة عن العمران الحضري بما فيه من خدمات متنوعة ومصالح حكومية ومرافق مجهزة، كما يعزلهن بعيداً عن بيئاتهن الاجتماعية التي استقرين فيها لسنوات طوال وكون فيها علاقات اجتماعية شكلت لهم صمام آمان يتغلبن فيها على وحدتهن وعزلتهن.
خامساً: أن تعديل قوانين الإيجار موضوع النقاش إذا اشتمل على تحرير للعلاقة الإيجارية بعد فترة انتقالية سيزيد من نسب تأخر سن الزواج، فمن المعروف أن ورثة المستأجر الأصلي من البنات والبنين قد اكتسبن مراكز قانونية مستقرة، وبالتالي فقد يخطط الكثير منهم لبدء حياتهم الزوجية في وحدات الإيجار القديم خلفاً لآبائهم أو أمهاتهم، وبالفعل قد يكون أنفق هؤلاء الشباب كافة مدخراتهم علي تجهيز وتحديث هذه الوحدات السكنية استعداداً للزواج، فيتحمل هؤلاء نتائج كارثية لمشروع قانون الحكومة يتوقف معها حلم الزواج والاستقرار الأسري إلي الأبد.
سادساً: لقد تفضلت الحكومة مشكورة ووعدت بتوفير البديل للمستأجرين ورغم من تأكدنا من عدم مصداقية ذلك وعدم ملائمة الظروف الاقتصادية والسياسية المحلية والعالمية لوفاء الحكومة بوعدها للمستأجرين، فإنه حتي مع توفير البديل فإن انتزاع السكان من أماكن إقامتهم إلي استقروا بها عشرات السنين والإلقاء بهم إلي المجهول حتي وإن كان سكنا بديلاً سوف يفقد هؤلاء السكان توزانهم اجتماعياً وسيكولوجياً، فنقل هؤلاء السكان بعيداً عن أماكن استقرارهم لسنوات عدة سوف يؤدي إلي تعطيل استقرارهم في عملهم واستقرار أبنائهم في دراستهم بالمدارس والجامعات وحتي كبار السن منهم يعجزوا عن أعضاء مصالحهم وخاصة فيما يتعلق بحصولهم علي خدمات التأمين الصحي وخدمات التضامن الاجتماعي.
سابعاً: أن أبناء مصر من ذوي الاحتياجات الخاصة بالطبع منهم ساكني الإيجار القديم وهؤلاء الأبطال بحاجة إلي رعاية خاصة ومساكن ملاءمة لاحتياجاتهم وأماكن مليئة بالسكان والخدمات حتي يستطيعون أن يجدوا من يساعدهم ويعاونوهم علي قضاء حاجاتهم وخصولهم علي خدمات الضمان الاجتماعي في الحياة اليومية، ومن ثم تفشل فكرة توفير سكن بديل لهم.
المحور الثاني من المذكرة الإيضاحية
التأثيرات الاقتصادية على مستأجري الإيجار القديم للوحدات التجارية بغير غرض السكني – وذلك في ظل مشروع القانون المقدم من الحكومة:
أولاً: يترتب على تحرير العلاقة الإيجارية لكاقة الوحدات التجارية في وقت واحد فقدان الدولة المصرية لجزء كبير من قاعدتها وإيراداتها الضريبية.
ثانياً: تحرير العلاقة الإيجارية للوحدات التجارية سوف يترتب عليه فقدان ملايين من العمال والحرفيين المصريين لمصدر رزقهم، فترتفع نسبة البطالة بطريقة غير مسبوقة، وخاصة بالرجوع إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والتي تشير إلي أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي المصدر الرئيسي لتوفير فرص العمل في مصر، حيث تسهم بنسبة 75% من إجمالي فرص العمل في القطاع الخاص.
ثالثاً: من المعروف أن المشروعات الصغيرة تسهم بنحو 70% من اقتصادات العديد من دول العالم، وفي مصر بالطبع سنجد أن نسبة كبيرة من هذه المشروعات قد تتمثل في وحدات الإيجار القديم، مما يعني أن تحرير العلاقة الإيجارية قد يؤثر سلباً علي القيم المضافة المحلية وعلي الدخل القومي والإيرادات الضريبية.
رابعاً: أن ارتفاع القيم الإيجارية للوحدات التجارية مع تحرير العلاقة الإيجارية بعد عدد من السنوات سيسهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة البطالة واتساع حجم الاقتصاد الموازي في مقابل انكماش حجم الاقتصاد الرسمي.
المحور الثالث في المذكرة الإيضاحية
التأثيرات الحقوقية والتنموية لمشروع الحكومة
أولاً: إن كافة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية السلبية السابق الاشارة إليها تمثل انتهاكاً صريحاً لالتزامات مصر الدولية والمحلية تجاه حقوق الإنسان خاصة الحق في السكن الملائم والاستقرار الاجتماعي والأمان الاجتماعي بالنسبة للوحدات السكنية، والحق في العمل اللائق والحماية الاجتماعية بالنسبة لمستأجري الوحدات التجارية.
ثانياً: يتصادف نهاية الفترة الانتقالية التي حددها مشروع الحكومة مع إعلان نهاية الأهداف العالمية للتنمية المستدامة 2030 والتي سوف يكون بعد هنا العالم كله مستعداً لمناقشة ما وصلت إليه دول العالم في تحقيق هذه الأهداف والتي سبق وأن تبنتها مصر عام 2015 وأطلق بموجبها السيد / رئيس الجمهورية (رؤية مصر 2030) وفي الحقيقة فإن مشروع القانون برمته يخالف الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة، فمشروع القانون يمس بوضوح الهدف الثامن مثلا والذي ينص علي ضرورة القضاء علي الفقر وتوفير العمل اللائق للجميع ونمو الاقتصاد وهو ما يتعارض مع تحرير العلاقة الإيجارية للوحدات التجارية والذي من شأنه رفع معدلات البطالة واتساع حجم الاقتصاد غير الموازي كما سبق وأن أشرت.
ويتعارض مشروع قانون الحكومة أيضاً مع الهدف الحادي عشر والخاص بتوفير المدن والمجتمعات المحلية المستدامة والقاضي بتوفير السكن الملائم والخدمات والمرافق اللائقة ومنع العشوائيات والأحياء والمساكن غير الأمنة، فتعريض ملايين الأسر للتشرد أو فرض بديل لسكن غير ملائم مادياً واجتماعياً كحالة السكان قد يؤدي لانتشار العشوائيات والمساكن غير الملائمة وغير الآمنة مرة أخري في شوارع المدن والأحياء الرئيسية بعد أن قامت الدولة المصرية بجهود مضنية في الفترة الأخيرة في مكافحة البناء العشوائي وغير الرسمي وتقنين أوضاع البناء والإنشاء والتخلص من العشوائيات والمناطق الخطرة وغير الآمنة.
وذكرت "المذكرة الإيضاحية:" يتعارض مشروع قانون الحكومة تنموياً أيضاً مع الهدف السادس عشر من رؤية مصر 2030 والذي ينص علي ضرورة تحقيق السلام والعدل بين المجتمعات فانحياز القانون المزعم تطبيقه لفئة المؤجرين علي حساب ملايين السكان والتجار من المستأجرين سوف يخلق صراعات وانحرافات اجتماعية خطيرة للأسف شاهدنا نماذج منها بمجرد الإعلان عن مشروع القانون في الإعلام كواقعة حلوان، وواقعة كرداسة، ومن ثم فإن مقترح الحكومة يتعارض مع تحقيق رؤية مصر 2030.