بمنشور يطالب بإخلاء طهران على الفور ومغادرة مبكرة لـ قمة السبع، أثار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حالة من التوتر والقلق عالميا بشأن تطورات الصراع الدائر حاليا بين إسرائيل وإيران، وبات الجميع فى انتظار ما ستفسر عنه هذه الإشارات المربكة من قبل رئيس الدولة التى تعد أكبر داعم عسكرى لتل أبيب.
فخلال ساعات ليل الثلاثاء، كتب ترامب على منصته تروث سوشيال يدع سكان العاصمة الإيرانية طهران، البالغ عددهم قرابة 10 ملايين شخص، إلى الإخلاء فوراً، محذرًا من أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا تحت أى ظرف.
وقال: " كان ينبغى على إيران أن توقع على الاتفاق الذى قلت لهم أن يوقعوه". وتابع: "يا له من أمر مخزٍ، ويا له من هدرٍ للأرواح، لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا، وقلت ذلك مرارًا وتكرارًا!".
تزامن ذلك مع مغادرة ترامب المبكرة لقمة السبع المنعقدة فى كندا، لكنه قال للصحفيين مغادرته المبكرة لقمة السبع ليست لها علاقة بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران ولكنها أكبر من ذلك بكثير.
وقال ترامب ـ فى تصريحات صحفية ـ "إن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ليس لديه أى فكرة عن سبب العودة إلى واشنطن"، قائلا "إن ماكرون دائما ما يخطئ فى فهم الأمور".
واستمرت الإشارات المتناقضة من إدارة الرئيس الأمريكي، حيث صرح مصدر مطلع ومسؤول إن الرئيس دونالد ترامب وجه مساعديه بمحاولة عقد لقاء مع مسئولين إيرانيين فى أسرع وقت ممكن، فى الوقت الذى قالت فيه صحيفة واشنطن بوست، نقلاً عن مسئولين، إن ترامب رفض فى البداية التوقيع على بيان قمة مجموعة السبع الذى دعا لوقف التصعيد، قبل أن يوقع على البيان بعد تعديله ليشير إلى حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ويصف إيران بالمصدر الرئيسى لعدم الاستقرار والإرهاب فى المنطقة".
من ناحية أخرى، قالت شبكة "سى إن إن" إن ترامب يواجه ضغوطا متعارضة من داخل إسرائيل ومن داخل قاعدته الشعبية وحركة "ماجا" ، وهو يبحث القرار الأكثر مصيرية المتعلق بالأمن القومى فى سنوات رئاستيه الثمانية، وهو ما إذا كان سيحاول توجيه ضربة قاتلة للبرنامج النووى الإيراني.
وأشارت "سى إن إن" إلى أن إسرائيل تبعث بمؤشرات واضحة، منها عبر مسئولين كبار سابقين، أنها تأمل أن تنضم الولايات المتحدة فى نهاية المطاف للصراع، وأن تستخدم تفوقها العسكرى الفريد فى تدمير المجمع النووى الإيرانى فى فوردو المدفون فى أعماق الأرض.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلى السابق يواف جالانت فى مقابلة مع "سى إن إن" إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ورئيسها أمامهما التزام للتأكد من أن المنطقة متجهة إلى طريق إيجابى، وأن العالم بلا إيران التى تمتلك سلاحا نوويا.
بينما استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو المقابلة التى أجراها مع شبكة ABC News الأمريكية لصب الماء البارد على قناة دبلوماسية مع إيران، والتى يبدو أن ترامب يسعى بقوة إلى إحيائها، وقال إنه تم استخدامها لمماطلة الولايات المتحدة.
وتفاقم الشعور بأن هناك أزمة متشابكة بين السياسة والأمن القومى تنشئ بعد أن قرر ترامب مغادرة قمة السبع مبكراً.
وذهبت "سى إن إن" إلى القول بأن ترامب عاد إلى واشنطن، فى الوقت الذى ترددت فيه أصداء تحذيرات صريحة من بعض أبرز صناع الرأى العام فى وسائل إعلام حركته السياسية "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" او "ماجا". وقالت بعض الشخصيات مثل ستيف بانون وتاكر كارلسون إن قرار ضرب إيران سيمثل رفضًا لحركته السياسية التى مضى عليها عشر سنوات ولمبادئ "أمريكا أولاً". وقال كارلسون فى برنامج "غرفة الحرب" الذى يقدمه بانون يوم الاثنين: "لا أريد أن تتورط الولايات المتحدة فى حرب أخرى فى الشرق الأوسط لا تخدم مصالحنا".
وأشارت الشبكة إلى توافق فى هذا الشأن بين الحركات الشعبوية اليمينية من ناحية واليسارية من ناحية أخرى، حيث قال السيناتور المستقل بيرنى ساندرز، الذى ترشح كمرشح ديمقراطى فى الانتخابات التمهيدية لعامى 2016 و2020، إن الولايات المتحدة "يجب ألا تنجر إلى حرب أخرى من حروب نتنياهو".
وتذكّر الأصوات المعارضة لتدخل أمريكى أعمق بالإرث المؤلم لحربى العراق وأفغانستان، اللتين أسفرتا عن نشوء قوى سياسية ساعدت على تغذية حركة ترامب الشعبوية.
إلا أن الجناح المحافظ الجديد فى الحزب الجمهورى المؤيد للتدخل لم يختفى بعد. ويحاول صقور مثل السيناتور ليندسى غراهام إقناع ترامب بأن الهجوم الإسرائيلى الخاطف على الدفاعات الجوية الإيرانية، وتضافر القوى التى أضعفت النظام، يمنح الولايات المتحدة فرصةً لإنهاء الطموحات النووية لعدوها الذى دام 45 عامًا، ولتغيير وجه الشرق الأوسط.
ورأت الشبكة أن الأصوات المتعددة التى تُثقل كاهل ترامب تعكس خطورة قرار ستتجاوز عواقبه العبء الثقيل المتمثل فى إرسال عسكريين أمريكيين إلى الحرب.
ومهما كان قراره، فإن ترامب سيُطلق العنان لعواقب ستكون محورية لأمن إسرائيل، والشرق الأوسط الأوسع، ونفوذ الولايات المتحدة. فهو لا يعلم ما إذا كان الهجوم الأمريكى على غرف تحت الأرض فى فوردو سينجح أم سيغرق الولايات المتحدة فى صراع طويل الأمد.
ومن المفارقات أن ترامب هو من صنع هذه المعضلة. فصحيح أن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووى الأمريكى السابق مع إيران فى ولايته الأولى قد أسعد إسرائيل، لكنه مهد الطريق لأزمة مستقبلية.
وخلصت الشبكة فى النهاية إلى القول بأن النقاش المحتدم فى حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" والذى يقسم وسائل الإعلام المحافظة هو علامة على أن قاعدة دعم ترامب نفسها على المحك، وأن الإرث الذى وعد بأنه لن يتسم بالتدخل الأجنبى أصبح على المحك أيضًا.