الإثنين، 09 يونيو 2025 10:00 م

دموع الوداع فى الحرم.. الحجاج المتعجلون يغادرون مكة بقلوب مفعمة بالإيمان.. طواف الوداع يسدل الستار على رحلة الحج.. ووجهة الحجاج القادمة المدينة المنورة

دموع الوداع فى الحرم.. الحجاج المتعجلون يغادرون مكة بقلوب مفعمة بالإيمان.. طواف الوداع يسدل الستار على رحلة الحج.. ووجهة الحجاج القادمة المدينة المنورة
الإثنين، 09 يونيو 2025 06:00 م
رسالة مكة المكرمة - محمود عبد الراضي

فى مشهد روحانى مهيب، أتم الحجاج المتعجلون طواف الوداع، مودّعين بيت الله الحرام بقلوب دامعة وألسنة تلهج بالدعاء، بعد أن أدوا مناسك الحج كاملة من رمى الجمرات وطواف الإفاضة والسعى بين الصفا والمروة، وسط أجواء مفعمة بالإيمان والخشوع.

وساد الحرم المكى شعور عارم بالسكينة والرهبة، حيث امتلأت عيون الحجاج بالدموع أثناء طواف الوداع، وهم يوثّقون لحظاتهم الأخيرة فى أطهر بقاع الأرض عبر الصور ومقاطع الفيديو، فى محاولة لتخليد هذه التجربة الإيمانية الفريدة.

عبّر كثير منهم عن مشاعر الامتنان والفرح بأن منّ الله عليهم بالحج هذا العام، متضرعين إليه أن يتقبّل منهم وأن يعيدهم إلى هذه الديار المباركة فى أعوام قادمة.

واختلطت دموع الحجاج المتعجلين بخطواتهم المتأنية حول الكعبة المشرفة، وهم يؤدون طواف الوداع، مودعين بيت الله الحرام بعد أن أتموا مناسك الحج، وقلوبهم معلقة بأستار الكعبة، تتردد فيها الدعوات وتتعالى فيها الهمسات الخاشعة.

كانت لحظات طواف الوداع بمثابة الفصل الأخير من رحلة الحج، تلك الرحلة التى تبدأ بنداء داخلى لا يُسمع إلا لمن كتب الله له أن يكون من ضيوفه فى هذا الموسم المبارك.

وبعد أيام من المناسك المفعمة بالمشقة والصفاء، ها هم الحجاج يطوفون حول البيت الحرام للمرة الأخيرة، وكل واحد منهم يختزن فى قلبه مزيجًا من المشاعر يصعب وصفها، فرح بتحقيق الركن الأعظم، وحزن لاقتراب لحظة الفراق.

فى الطواف، بدت الكعبة كأنها تحتضن الحجاج وتربّت على أرواحهم، تودعهم كما ودّعوها.

ووسط الحشود، تتساقط الدموع بلا استئذان، دموع من ذاقوا حلاوة القرب من الله، ومن خافوا أن لا تُتاح لهم هذه الفرصة مرة أخرى.

البعض بكى بصمت، وآخرون رفعوا أيديهم للسماء فى ابتهال خاشع، والبعض الآخر آثر السكون، وكأن قلبه ينبض بالدعاء دون أن ينطق به لسانه.

فى كل شوط من الأشواط السبعة، كان الحجاج يسترجعون تفاصيل رحلتهم منذ أن وطئت أقدامهم أرض مكة، ومنذ أن رفعوا أصواتهم بالتهليل والتلبية. وبينما كانت أقدامهم تدور حول البيت العتيق، كانت أرواحهم تسبح فى فضاء الطمأنينة واليقين، وكأنهم يتذوقون لحظات من الجنة على أرض الدنيا.

لم تكن المشاهد قاصرة على الرجال فقط، بل كانت النساء أيضًا فى خضم هذا المشهد الإيمانى، يطُفن فى خشوع، ويكفكفن الدموع، يقرأن القرآن، ويسألن الله القبول والمغفرة. وكان الأطفال فى صحبة عائلاتهم جزءًا من هذا النسيج الروحى، يراقبون الكعبة بعينين دامعتين دون أن يدركوا بالضبط سر هذه اللحظات، لكنهم يشعرون بقداستها.

امتزجت أصوات الدعاء بالقرآن، وترددت أصداء الآيات بين أروقة الحرم، كأن الزمان توقف ليُخلّد هذه اللحظات. الهواتف المحمولة كانت حاضرة لكنها لم تكن تشوش على الجو العام، بل استخدمها الحجاج لتوثيق مشاهد الوداع، وكأنهم يريدون أن يحملوا معهم صورة الكعبة إلى أوطانهم، ذكرى تُستعاد كلما ضاق بهم الحال أو اشتد عليهم الزمن.

وبينما تتسارع خطوات البعض مع دقات قلوبهم، كان هناك من يختار أن يتمهل فى طوافه، يُطيل النظرة إلى الكعبة، يتمعن فى النقوش، ويركّز فى تفاصيل الحجر الأسود والملتزم ومقام إبراهيم.

الجميع كان يعلم أن هذه اللحظات لا تُشترى ولا تُعاد، وأن الطواف الأخير هو مثل اللقاء الأخير بين المحب ومحبوبه، يغادره بقلب مفطور لكنه ممتلئ بالشكر.

ما يميز طواف الوداع أنه ليس مجرد نسك، بل هو إعلان خفى عن نهاية الرحلة، وهو بمثابة خطاب وداع يقدّمه الحاج للمكان الذى شهد خلواته وبكاءه وابتهالاته، وفيه يحمّل قلبه بكل الدعوات التى لم يستطع نطقها، والأمنيات التى لم تتحقق بعد. البعض ودّع الكعبة بدعاء لأهلهم وأوطانهم، وآخرون بكى على أحلامهم، وآخرون دعوا الله أن يُعيدهم مرة أخرى ليكونوا من زوار بيته مرات ومرات.

فى محيط الطواف، كانت فرق التنظيم تواصل جهودها لضمان الانسيابية والهدوء، فيما تواجد رجال الأمن والكوادر التطوعية للمساعدة والإرشاد، وقد بدا الحرم فى أبهى صوره من حيث النظام والنظافة وتوفير كل وسائل الراحة للحجاج.

ومع اقتراب الحجاج من نهاية الطواف، تبدأ مرحلة جديدة من الرحلة الإيمانية، حيث يستعد كثير منهم للانتقال إلى المدينة المنورة، لزيارة المسجد النبوى والروضة الشريفة وقبر النبى محمد صلى الله عليه وسلم. لكن وداع مكة يظل الأشد وقعًا فى قلوبهم، لأنه يحمل طابعًا لا يشبه غيره، طابع الفراق مع وعد بالعودة إن شاء الله.

لقد كانت لحظة طواف الوداع لحظة عابرة فى الزمن، لكنها ستظل خالدة فى ذاكرة كل من عاشها. لحظة يخرج فيها الحاج من الحرم وقد غُسلت روحه من عناء الدنيا، وعاد إلى وطنه بقلب جديد، وروح معلقة بالسماء، وحلم يتجدد بأن يكتب الله له حجًا آخر، ووداعًا آخر، لكنه قد يكون وداعًا مختلفًا، أقل وجعًا، وأكثر طمأنينة.

ومع انتهاء مناسك الحج، بدأ الحجاج المتعجلون فى الاستعداد للمرحلة التالية من رحلتهم الإيمانية، وهى زيارة المدينة المنورة، حيث يتوجهون إلى مسجد النبى محمد صلى الله عليه وسلم، للصلاة فى الروضة الشريفة وزيارة قبره الشريف، اقتداءً بسنة المصطفى.

وفى هذا السياق، تم إعداد خطط تفويج دقيقة ومنظمة لنقل الحجاج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، حيث خصصت حافلات مكيفة لضمان راحة الحجاج وسلامتهم، كما جرى التنسيق مع الفنادق فى المدينة لحجز أماكن إقامة قريبة من المسجد النبوى، بما يسهّل على الحجاج أداء صلواتهم وزياراتهم دون عناء.

كذلك تم ترتيب برنامج متكامل للزيارات الدينية فى المدينة، يشمل المواقع التاريخية المهمة مثل مسجد قباء وجبل أحد والبقيع.

من جهته، أكد مساعد وزير الداخلية للشؤون الإدارية، رئيس بعثة الحج الرسمية، أن الحجاج المصريين بخير، وأن غرفة العمليات تتابع أوضاعهم على مدار الساعة.

وأشار إلى أن الضباط والضابطات من بعثة وزارة الداخلية يرافقون الحجاج طوال رحلتهم، ويعملون على تسهيل تنقلاتهم وتأمين راحتهم وسلامتهم فى كل مراحل الحج.

وأوضح أن هناك فرقاً خاصة مكوّنة من عناصر مدربة تتولى تقديم الدعم الإنسانى، خاصة للحالات التى تستدعى مساعدة فورية أو تدخل عاجل، مؤكدًا أن هذه الفرق تعمل بروح إنسانية عالية، وتتدخل بسرعة لمعالجة أى موقف طارئ.

أما على الصعيد الصحى، فقد طمأن الدكتور محمد مصطفى، رئيس البعثة الطبية، أن الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين مستقرة وجيدة.

وأكد أن العيادات الطبية الميدانية تتابع جميع الحالات بانتظام، مع التركيز على توفير الرعاية اللازمة، خاصة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

وأضاف الدكتور مصطفى، أن البعثة الطبية تواصل تقديم النصائح والإرشادات الوقائية للحجاج، وعلى رأسها التنبيه المستمر بعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس، لا سيما فى ساعات الذروة، تفاديًا لأى مضاعفات صحية قد تنتج عن الإجهاد الحرارى أو ضربات الشمس.

كما دعا الحجاج إلى شرب كميات كافية من المياه، والحرص على الراحة والتغذية الجيدة.

وعلى الصعيد الدينى، أكد الشيخ شريف إبراهيم، رئيس البعثة الدينية، أن العلماء المرافقين للحجاج متواجدون معهم فى كل مواقع أداء المناسك، ويوفّرون لهم التوعية الدينية اللازمة، ويشرحون خطوات أداء الشعائر بطريقة مبسطة وواضحة.

وأوضح الشيخ إبراهيم أن التفاعل بين الحجاج والعلماء كان كبيرًا، حيث حرص الحجاج على طرح استفساراتهم الدينية والحصول على فتاوى دقيقة تخص مناسكهم، مشيدًا بدور الواعظات الدينية فى الرد على الأسئلة الخاصة بالسيدات، وخاصة تلك التى تتعلق بالأمور الشرعية الحساسة التى تحتاج إلى خصوصية وفهم عميق.

وشدد رئيس البعثة الدينية على أن الرسالة الدعوية والتعليمية التى تقدمها البعثة للحجاج تُعد ركيزة أساسية فى نجاح رحلة الحج، خاصة فى ظل التحديات المعاصرة التى قد تؤثر على وعى بعض الحجاج بالمناسك ومقاصدها.

وفى ختام هذا المشهد الإيمانى، يواصل الحجاج رحلتهم المباركة من مكة إلى المدينة وهم يحملون فى قلوبهم ذكرى لا تنسى، وتجربة روحية ستظل محفورة فى وجدانهم. وتبقى دعواتهم معلّقة بين السماء والأرض، آملين أن يكون حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا.


الأكثر قراءة



print