أصبحنا نرى ونشاهد شات "جي بي تي" يفبرك أحكام نقض مع نفسه؛ يعني من الممكن أن تسأله سؤال قانوني، فيُجيبك محكمة النقض قالت كذا؛ والكارثة الأكبر أن شات "جي بي تي" أصبح يفبرك رقم وسنة طعن للحكم، فتشعر كما لو كانت الإجابة دقيقة؛ من أجل ذلك دائماً ما نقول أن الذكاء الاصطناعي مفيد لكن لابد من توجيه ومراجعة الذكاء البشري، فلو حضرتك محامي، وتستخدم الذكاء الاصطناعي، لابد أن تتوخى الحذر حى لا تقع فيما وقع فيه "شوورتز".
"شوورتز" هو محامي في ولاية أمريكية استخدم الذكاء الاصطناعي لإعداد مذكرة في إحدى القضايا، والذكاء الاصطناعي خدعه خدعة صادمة بأن وضع وأسس له مبادئ وسوابق قضائية تدعم موقف موكله، وهى في الحقيقة ليس لها أي وجود حقيقى، فقام "شوورتز" بتقديم المذكرة كما هي للمحكمة والتي بدورها اكتشفت التأليف الموجود بها، وتم توجيه اتهام له، ومحاكمته، وبالفعل صدر حكم ضده بالغرامة فضلا عن الجزاءات التأديبية الأخرى.
الذكاء الاصطناعي والمحاماة بين الفرصة والمخاطر
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أزمة إعداد مذكرات بشات "جي بي تي"، وإخلال المحامى بواجب من أهم واجباته المهنية، وهو بذل العناية الواجبة في عمله القانوني، ولن يشفع له ما يتذرع به من حسن نيته، لأنه ببساطة واجب عليه تحري الدقة فيما يقدمه للمحكمة، وبذل العناية الواجبة في ذلك، خاصة وأن هناك محامين كُثر يلجأون للذكاء الاصطناعي في إعداد الصحف والمذكرات وغيرها، وللأسف غالبية أدوات الذكاء الاصطناعي -لاسيما المجانية منها- غير دقيقة، بل ومضللة، وهذا من الممكن أن يضع المحامي تحت طائلة القانون، وممكن يتسبب في مسئولية المدنية فضلا عن مسئوليته التأديبية.
في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض صالح جمال عمار - في عالم المحاماة الحديث، لم يعد من الممكن تجاهل الأدوات التقنية الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح يستخدم في أعداد المذكرات القانونية وأبحاث القوانين بسرعة غير مسبوقة، لكن مع هذا التطور تأتي مسؤوليات كبيرة ومحاذير لا يمكن تجاهلها، وكما تحدثنا عن القصة الواقعية في إحدى الولايات الأمريكية، لجأ محامٍ لاستخدام الذكاء الاصطناعي لإعداد مذكرة قانونية في قضية تعويض ضد شركة طيران، اعتمد الذكاء الاصطناعي في هذه المذكرة على ما قدمه من سوابق قضائية ومبادئ قانونية لدعم موقف موكله، لكنها كانت في الحقيقة اختراعات وهمية لا وجود لها في الواقع.
تداعيات استخدام الذكاء الاصطناعي غير الحذر
وبحسب "عمار" في تصريح لـ"برلماني": وللأسف، قدم المحامي هذه المذكرة للمحكمة دون تدقيق أو مراجعة، مما أدى إلى اكتشاف تزوير السوابق القانونية، والمحامي لم يُضيع حق موكله فحسب، بل أصبح هو نفسه مهدداً بمسائل قانونية وجنائية، حيث خالف واجباته المهنية الأساسية المتعلقة بالمهنية وبذل العناية الواجبة والحرص والموضوعية، وأصبح عرضة للملاحقة القانونية، وهذه الواقعة لم تكن الوحيدة؛ إذ بدأت وسائل الإعلام تتناقل قصصاً مشابهة ووقائع أخرى عن محامين استخدموا الذكاء الاصطناعي في إعداد مذكرات وأوراق قضائية، مما عرضهم لمسؤوليات قانونية مدنية وتأديبية وربما جنائية، خاصة إذا ثبت تعمدهم تضليل القضاء.
ووفقا لـ"عمار": الأمر الذي دعى كثير من المحاكم الأمريكية وغيرها إلى إطلاق تحذيرات واسعة النطاق بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد المذكرات القانونية، بسبب احتمالية احتوائها على معلومات غير دقيقة، الأمر لا يتوقف عند المحامين، فهناك أيضاً قضاة بدأوا في اللجوء لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ما يفتح باب الطعون على الأحكام ويضعهم تحت المساءلة إذا لم يتحروا الدقة الكاملة.
الخبير القانوني والمحامى بالنقض صالح جمال عمار
الذكاء الاصطناعى ليس بديلاً عن الخبرة أو الحكمة المهنية
ويضيف الخبير القانوني: الذكاء الاصطناعي أداة قوية وواعدة، لكنها ليست بديلاً عن الخبرة أو الحكمة المهنية، ولا تبرر أبدا عدم بذل العناية الواجبة في تدقيق المعلومة لذا، على المحامين والقضاة وكل العاملين في المجال القانوني التعامل مع هذه التكنولوجيا بحذر شديد، والتحقق من صحة ودقة كل معلومة أو مستند يتم الحصول عليه من خلال هذه الأدوات، وفي النهاية، عدم الالتزام بهذه الضوابط قد يؤدي إلى خسارة الثقة في النظام القضائي، وتعرض المهنيين للمسائلة القانونية، بأنواعها الثلاث المدنية والتأديبية والجنائية - وخلاصة القول - التكنولوجيا في خدمتنا، ولكن لا بد أن تبقى تحت إشراف الإنسان الواعي، الذي يتحمل مسؤولية ما يقدم إليه أو يقدمه لغيره، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق وحريات الآخرين.
حكاية محام وقع في فخ الذكاء الاصطناعى
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى – أنك كمحامى لو تقوم بإستخدام الذكاء الاصطناعى فى إعداد مذكراتك القانونية فعليك قراءة هذا الكلام جيداً، وكن حريص عند استخدامك شات gpt وغيرها من برامج الذكاء الاصطناعى، حيث تتحصل على نتيجة فى مسأله ما، غالبا تكون "ميكس"، وفقا لقوانين دول مختلفة، وهذه الدول قد تختلف فى معالجة هذه المسألة، وهو مايتسبب فى نتائج خطأ، وهذا ماحدث مع المحامى الأمريكي.
محامٍ أمريكي يعاقب بالغرامة وجزاءات تأديبية لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في إعداد مذكرات قانونية تحتوي على استشهادات وأحكام قضائية وهمية تم إنشاؤها بواسطةالذكاء الاصطناعي، وذلك بجلسة 21 فبراير 2025، أصدرت المحكمة الجزئية للولايات المتحدة في المنطقة الجنوبية من إنديانا حكمها في قضية تدور حول مسألة تقديم محامٍ لمذكرات قانونية تتضمن اقتباسات قانونية غير صحيحة ومضللة، مستندة إلى مصادر غير موجودة، وذلك نتيجة لاستخدامه برامج الذكاء الاصطناعي دون التحقق من دقة المعلومات القانونية المستخرجة، وتتناول القضية مدى مسؤولية المحامي في ضمان صحة الأسانيد القانونية المقدمة إلى المحكمة، ومدى استحقاقه للعقوبات التأديبية بموجب القواعد الفيدرالية والإجراءات التأديبية للمحكمة.
ملخص الوقائع
قدم المحامي رافائيل راميريز، الممثل القانوني لإحدى الشركات، مذكرة قانونية لدعم طلب إعادة النظر في حكم المحكمة برفض نقل القضية إلى محكمة أخرى لنظرها، وقد استندت المذكرة إلى قضية وهمية والتي لم يتمكن القاضي من العثور عليها، وعند طلب توضيح من المحامي، اعترف بأن الاقتباس كان خطأ وأنه لا يستطيع التحقق من مصدره، ومن ثم قام بسحبه والاعتذار عنه، ومن خلال مراجعة وثائق أخرى قدمها المحامي، تبين وجود اقتباسات قانونية وهمية أخرى، مما أثار شكوكًا حول مدى التزامه بواجبه القانوني في البحث والتحقق.
وفي جلسة أمام المحكمة، اعترف المحامي بأنه استخدم برامج الذكاء الاصطناعي لصياغة المذكرات القانونية دون التحقق من صحة النتائج، وأنه لم يكن على دراية بقدرة هذه البرامج على توليد اقتباسات قانونية غير صحيحة (Hallucinated Citations)، وقد دافع المحامي عن نفسه بنفي سوء النية، وأنه حضر بعد ذلك دورات تعليمية حول استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني.
الحكم وأسانيده القانونية
أولًا: انتهاك القواعد الإجرائية الفيدرالية
اعتبرت المحكمة أن تصرف المحامي يشكل انتهاكًا لقواعد الإجراءات المدنية الفيدرالية Rule 11، التي تنص على أن تقديم أي مذكرة قانونية إلى المحكمة يجب أن يكون بناءً على (بحث وتحقيق معقول وفقًا للظروف)، وقد أشار الحكم إلى عدة مبادئ قانونية داعمة لهذا الحكم، منها:
1-أن المحامي مسؤول عن التحقق من صحة القانون الذي يستند إليه، ولا يُعفى من ذلك لمجرد (حسن نيته) أو اعتماده على تقنية حديثة.
2-أن الاجتهاد القانوني يتطلب استخدام أدوات بحث قانونية موثوقة، مثلShepard’s Citations وKeyCite، للتحقق من صحة السوابق القضائية المستشهد بها.
ثانيًا: العقوبات المفروضة
بناءً على هذه الانتهاكات، قررت المحكمة:
1-فرض غرامة مالية قدرها 15,000 دولار على المحامي، مقسمة إلى 5,000 دولار لكل مذكرة قانونية تضمنت اقتباسات وهمية.
2-إحالة القضية إلى رئيس المحكمة لاتخاذ قرارات تأديبية أخرى محتملة بموجب قواعد السلوك المهني لمحاميّ إنديانا.
3-إلزام المحامي بإبلاغ موكله (HoosierVac LLC) رسميًا بهذا الحكم، وإثبات قيامه بذلك خلال 7 أيام.
ثالثًا: التأديب المهني وفقًا لقواعد المحامين في إنديانا
أشارت المحكمة إلى أن المحامي انتهك عدة قواعد مهنية، أبرزها:
-القاعدة 1.1 (الكفاءة المهنية): إذ أن تقديم مذكرات قانونية تتضمن أخطاء فادحة يعكس تقصيرًا في واجب المحامي تجاه موكله.
-القاعدة 3.1 (تقديم ادعاءات قانونية ذات أساس صحيح): حيث أن الاعتماد على اقتباسات غير موجودة لا يرقى إلى مستوى (الأساس القانوني المعقول).
-القاعدة 3.3 (الصدق مع المحكمة): حيث أن المحامي لم يتحقق من دقة المعلومات القانونية التي قدمها.
الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى
وفى الأخير يؤكد "الجعفرى": توضح هذه القضية أهمية التدقيق القانوني قبل تقديم أي مستند إلى المحكمة، لا سيما في ظل انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، وأكدت المحكمة أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية، ولكن لا يمكن أن تكون بديلاً عن البحث القانوني الدقيق والمستقل، كما يمثل الحكم تحذيرًا واضحًا للمحامين حول ضرورة التحقق من المعلومات القانونية وعدم الاعتماد العشوائي على التكنولوجيا، وإلا فإنهم قد يواجهون عواقب مالية وتأديبية جسيمة.