رسالة العراق - بيشوى رمزى
على الرغم من اختلاف طبيعة القمة العربية المنعقدة في بغداد، والتي جاءت في إطار دوري، عن نظيرتها التي انعقدت في القاهرة مارس الماضى، ذات طبيعة استثنائية، إلا أن ثمة حالة من التكامل بين قمتين، بدت واضحة في الشعارات التي رفعها القادة العرب، في مواجهة الاحتلال وانتهاكاته ودعواته المشينه في الأراضي الفلسطينية في ضوء محاولاته الصريحة لتصفية القضية، ليتصدى العرب انطلاقا من مصر والعراق.
فلو نظرنا إلى القمة التي عقدت في القاهرة، نجد أنها جاءت لتمرير خطة موحدة، صاغتها الدولة المصرية، بهدف إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، حيث حملت الخطة رؤية تنموية، تهدف في الاساس إلى تعزيز وجود المواطن الفلسطيني في مواجهة محاولات ترحيله من أراضيه قسرا، على اعتبار أن الضمان الوحيد لحماية القضية يتجلى في الابقاء على العنصر البشري، والذي يمثل الركن الرئيسي من أركان الدولة المنشودة.
وأما قمة بغداد، فقد اتخذت نفس المنحى، ليس فقط من خلال دعم لفظي للخطة العربية لاعادة الإعمار دون تهجير، وإنما أيضا من خلال التوسع نحو اتخاذ خطوات أخرى لتعزيزها عبر استحداث صندوق عربي من شأنه دعم الدول التي تخرج من النزاعات المسلحة في إطار إعادة الاعمار، بينما قدمت ٢٠ مليون دولار كمساهمة منها في دعم الدول المنكوبة إثر الصراعات، وفي القلب منها قطاع غزة.
يمثل التكامل الظاهر بين قمتي القاهرة وبغداد بُعدًا رمزيًا بالغ الأهمية، يعكس رغبة متجددة في إحياء الروح العربية المشتركة حول القضية الفلسطينية، بعد سنوات من التراجع والانقسام، فخروج القمتين، رغم اختلاف طبيعتهما، بهذا القدر من الانسجام والتناغم في الشعارات والمواقف، فهذا لا يعبّر فقط عن توافق سياسي، بل يكشف عن محاولة مقصودة لإعادة بناء صورة العرب كجبهة موحدة في مواجهة سياسات الاحتلال.
الرمزية هنا لا تكمن في الكلمات فحسب، بل في وجود مصر والعراق وهما دولتان ذاتا ثقل تاريخي ومركزي في النظام العربي في صدارة المشهد، وهو ما يحمل إشارة إلى أن الدور القيادي العربي لم يمت، بل يسعى لاستعادة شرعيته من بوابة فلسطين، حيث تتقاطع الرمزية التاريخية مع الحاجة الملحّة إلى موقف موحّد يُعيد للعرب حضورهم الأخلاقي والسياسي في واحدة من أكثر قضاياهم مصيرية.
وفي الواقع، تبقى خطة إعادة إعمار غزة التي طرحتها القاهرة ليست فقط مبادرة إنسانية، بل كانت رؤية استراتيجية قائمة على مبدأ “التثبيت السكاني" كخط دفاع أول وهي الرؤية، التي تبتعد عن النبرة الشعاراتية، تمثل تحولًا في فكر السياسة العربية تجاه فلسطين من مقاومة تقليدية تستهلك الإنسان، إلى مقاومة تنموية تحميه وتعزز صموده، فتقوم المقاومة بمفهومها الجديد على البقاء، عبر الإعمار، عبر إعادة خلق الحياة في وجه من يريد صناعة الفراغ.
في حين يبقى إطلاق فكرة صندوق عربي لدعم الدول الخارجة من النزاعات يمثل انتقالًا مهمًا من الدعم الموسمي إلى التخطيط الهيكلي، ومن ردّ الفعل إلى المبادرة، فالآلية الجديدة ليست فقط وسيلة لجمع الأموال، بل أداة سيادية تمنح العرب قدرة على التأثير العملي في مسارات ما بعد الحرب، وتضع أيديهم على مفاتيح التنمية والاستقرار، وبالتالي فإذا ما تم تفعيله بشكل شفاف ومهني، فسيكون هذا الصندوق أول معلم من معالم تحول العرب من متفرجين، إلى فاعلين في إدارة مرحلة ما بعد الصراع.