وخلال الحرب، شهد القطاع انتشار فيروس شلل الأطفال للمرة الأولى منذ 25 عاما، وبالتحديد في يوليو الماضي وفقا لما ذكره تقرير الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني، بسبب انخفاض نسبة التطعيم من 99% إلى 86% نتيجة الأوضاع الصحية الصعبة، فيما نفذت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى ووزارة الصحة الفلسطينية ثلاث جولات تطعيم لمكافحة انتشار المرض، ومن المتوقع تسجيل حوالي 60,000 حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهراً خلال الفترة الممتدة من يوليو 2024 إلى أغسطس 2025، وهو يعني أن هؤلاء الأطفال يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية التي تؤثر، بشكل كبير، على صحتهم ونموهم، من بينها 12,000 حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أسوأ شكل من سوء التغذية، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تشمل الفشل العضوي أو الموت، كما ستحتاج 16,500 امرأة حامل ومرضع إلى العلاج بسبب سوء التغذية الحاد، ما يؤثر، بشكل كبير، على صحتهن وصحة أطفالهن، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية أثناء الحمل والولادة.
10 آلاف طفل دون سن 6 شهور يحتاجون لتغذية تكميلية في غزة
هنا يؤكد كاظم أبو خلف المتحدث باسم اليونيسف، أن الأطفال كانوا أول من عانوا منذ عودة الحرب على غزة في 18 مارس في الساعة الثانية فجرا، حيث كانت أول ضربة متسببة في عدد كبير من الشهداء المدنيين معظمهم من الأطفال لأنهم أغلب الضحايا في تلك الحروب سواء في فلسطين أو في أي منطقة في العالم.
معاناة الأطفال لم تبدأ فقط مع عودة القتال بل أيضا خلال فترة الهدنة، وهو ما يتحدث عنه المتحدث باسم اليونيسف، في تصريحات خاصة، موضحا أنه قبل تجدد الحرب كان هناك وقف لدخول أي نوع من أنواع المساعدات منذ 2 مارس، وحتى الآن لا يوجد أي مساعدات تدخل نهائيا سواء طعام أو مساعدات طبية، ومخزونات والتركيبة الغذائية للأطفال الرضع تنخفض بشكل سريع للغاية.
منع الاحتلال دخول المساعدات أحدث كارثة صحية خاصة لدى الرضع، حيث يتطرق "أبو خلف" إلى عدم وجود أطعمة متوافرة لحديثى الولادة، قائلا :"لدينا كمية تكفى أقل من 400 طفل فقط ويقابل ذلك 10 آلاف طفل دون سن 6 شهور يحتاجون لتغذية تكميلية وخلال فترة الهدنة بدأنا بإخراج بعض الأطفال من دائرة سوء الأغذية ولكن مع عودة الحرب أصبح هناك انتكاسة وعودة للمربع الأول، ولم يعد الحصار أزمة لوجيستية فحسب بل أصبح سبب مباشر للوفاة للأطفال الرضع لأنهم الفئة الأكثر تضررا".
ويوضح أن المستشفيات هي الأماكن الأكثر تضررا وتعاني من نقص أجهزة التنفس الصناعي للأطفال حديثي الولادة والمضادات الحيوية الوريدية والدعم الغذائي الأساسي مثل المكمل الغذائي الوريدي الذي ينهار مع انهيار النظام الصحي تحت وطأة هذه القيود الإسرائيلية، بجانب أزمة المياه في شمال غزة حيث يحصل السكان على مياه بكميات قليلة من خلال الشاحنات التي تنقلها اليونيسف.
الجريمة التي ارتكبها الاحتلال ضد أطفال عائلة أبو دقة، كررها بعد ما يقرب من شهرين ضد أطفال هائلة "الهسي"، فخلال قصف إسرائيلي في شمال غزة ليلة 16 أبريل، استشهد أربعة أطفال بينهم ثلاث أشقاء بعد استهداف منزل سميح خضر الهسي في جباليا النزلة، وهم وسيم محمد الهسي 10 سنوات، ومهند محمد الهسي خمس سنوات، وخولة محمد الهسي ثلاث سنوات، وميار هيثم الهسي عامان.
طفلة اغتالها الاحتلال في يوم الطفل الفلسطيني
ويحتفل الفلسطينيون في 5 أبريل من كل عام بيوم الطفل الفلسطيني، خرجت طفلة مع أسرتها خلال رحلة البحث عن الطعام والمياه إلا أنها لم تعود للخيمة مرة أخرى بعد أن طالها رصاص القناصة أمام أعين أسرتها، لم يشفع لها فستانها الأزرق والذي يشبه إلى حد كبير رمز السلام في الأمم المتحدة من النجاة أمام آلة الإجرام الإسرائيلية، حينها علق فلسطينيون على تلك الواقعة التي أثارت حالة غضب كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وركزوا على فستانها الأزرق الذي لا يعلم أحد ما إن كانت تلك الطفلة تعرف شيئًا عن المنظمة الدولية أو عن مسؤولياتها الإنسانية والقانونية، ولكن فستانها الأزرق بدا وكأنه مناداة أخيرة، في وجه عالم أصم لم يتحرك لإنقاذها وأقارنها.
حمزة يحرم من أمه وشقيقته ويعيش مع والده المصاب
حمزة طفل لم يبلغ سوى 5 سنوات فقط، التحق بمرحلة الروضة، كان قبل العدوان يعيش طفولته بشكل معتاد بين أسرة مكونة من أم وشقيق وأب وكانت الحياة تمضى بهم هانئة مستقرة، إلا أن جاء العدوان ليشتت شمل تلك العائلة الصغيرة بعد استشهاد أمه وشقيقه، بينما أصبح الأب مصابا نتيجة الاستهداف، وهو ما انعكس بالسلب على الحالة النفسية لهذا الطفل.
ويقول "حمزة": كنت أعيش هانئا كأى طفل منتظما بمرحلة الروضة فى إحدى المدارس الابتدائية بجنوب بغزة أنتظر نهاية اليوم الدراسى لأعود مسرعا إلى منزلنا بجنوب غزة لأقفز فى أحضان أمى ومشاركة شقيقى اللعب بعد الانتهاء من الواجبات الدراسية واللذين حرمت منهما ولن أتمكن من رؤيتهما للأبد بعد استشهادهما فى مجزة الفاخورة يوم 14 أكتوبر 2023، حيث هدم الاحتلال منزلنا وحرمونى من أمى وشقيقى ولم يتبق من أسرتى سوى أبى المصاب وأعيش ظروفا نفسية وإنسانية صعبة.
ويضيف: ما أتمناه حقا فى الوقت الحالي وقف الحرب ونهاية العدوان على غزة لنعرف معنى الاستقرار الذى فقدناه منذ عدة شهور، حيث مرت علينا أوقات ثقيلة والنزوح من مكان لآخر طلبا للأمن أو بحثا عن الطعام، ونتمنى أن تعود الحياة لطبيعتها، ويسود الأمن والأمان، وأستعيد حقوق الطفولة التى سلبت منى بفعل العدوان.
"نحو 1.9 مليون فلسطيني بينهم عشرات آلاف الأطفال نزحوا قسريا بشكل متكرر منذ بدء الحرب في غزة"، هذا ما تؤكده وكالة الأونروا في 6 أبريل الماضي بحسب بيان لها، موضحة أن انهيار وقف إطلاق النار تسبب في موجة نزوح أخرى شملت أكثر من 142 ألف شخص.
أكثر من 17 ألف طفل منفصلون عن أسرهم في القطاع
كما خرج تقرير لمنظمة الأمم المتحدة في 24 يناير الماضي يوضح أن أكثر من 17 ألف طفل منفصلون عن أسرهم في القطاع، و نحو 150 ألف امرأة حامل وأم بحاجة ماسة إلى خدمات صحية عاجلة في غزة، حيث إن الحرب أدت إلى استشهاد الأطفال وتجويعهم وتجمدهم بردا حتى الموت، حيث قال مدير مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا" توم فليتشر، إن العدوان أدى لاستشهاد الأطفال وتجويعهم وتجمدهم بردا حتى الموت، وتيتمهم وفصلهم عن ذويهم، كما أن جيلا كاملا تعرض للترويع وكثير منهم فقدوا حياتهم قبل أن يتمكنوا من التنفس لأول مرة مع أمهاتهم أثناء الولادة.
أحد هؤلاء الأطفال الذين فقدوا حلمهم في حياة سعيدة، هي الطالبة مريم عبدالله، بالصف الثانى الابتدائى، التي هدم الاحتلال مدرستها فى إحدى الغارات على غزة، بينما أصيبت والدتها ببتر في ساقها، تعبر عن أمنيتها في أن تعود لمدرستها التي اعتادت الذهاب لها يوميا قبل العدوان، قائلة: أتمنى العودة للدراسة وأذهب إلى مدرستى والتقى بأصدقائى وزملائي، ولكن الاحتلال هدم مدرستى وأتمنى توقف الحرب وتحقيق حلمى وأصبح طبيبة وارتداء البالطو لعلاج المصابين والجرحى.
لن تستطيع مريم رؤية الكثير من زملائها، بعد استشهاد الآلاف من الطلاب، ووفقا لأخر إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم العالى الفلسطينية في 6 أبريل الماضي، فإن أكثر من 17 ألف طفل استشهدوا منذ السابع من أكتوبر 2023، وغالبيتهم من طلبة المدارس.
العدوان يدمر حق التعليم لجيل فلسطيني كامل
بعد حديث الطفلة مريم عبدالله، لابد أن نعود مجددا لتقرير الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني، والذي يبرز أزمة التعليم في القطاع والذي أصبح ضحية رئيسية للعدوان المستمر، حيث دمرت إسرائيل 11 مدرسة حكومية بشكل كامل، و241 مدرسة حكومية تعرضت لأضرار بالغة، إضافة إلى تعرض 89 مدرسة تابعة للأونروا إلى قصف وتخريب، وحرم 700 ألف طالب/ة من حقهم الأساسي في التعليم للعام الدراسي 2024/2025، كما حُرم حوالي 39 ألف طالب/ة من حقهم في تقديم امتحان شهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2023/2024.
الدمار الإسرائيلي لم يقتصر على المباني بحسب المركزى للإحصاء الفلسطيني، بل طال الأرواح، حيث استشهد 12,441 طالباً/ة و519 معلماً/ة تحت القصف، بينما أصيب 19,819 طالباً/ة و2,703 معلماً/ة بجروحٍ متفاوتة الخطورة، كما لا توجد حتى الآن معلومات دقيقة حول عدد طلبة المدارس والكوادر التعليمية الذين تم اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العمليات البرية في مختلف مناطق قطاع غزة.
كما تسبب العدوان في انقطاع الدراسة النظامية لمدة عامين دراسيين متتاليين، حيث توقفت الدراسة لمدة 300 يوم دراسي حتى تاريخ 28/01/2025، حيث يذكر "تقرير الإحصاء الفلسطيني"، أنه على الرغم من اعتماد وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لمسارات تعليمية بديلة مثل التعليم الإلكتروني المتزامن وغير المتزامن والمدارس المؤقتة، تشير بيانات الوزارة إلى أن أكثر من 298 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة ملتحقون بالمدارس الافتراضية إلا أن العديد من هؤلاء الطلاب لم يتمكنوا من تلقي تعليمهم بشكل فعّال طوال هذه الفترة، بسبب عدم وجود مناطق آمنة، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت، وقلة توفر الأجهزة اللازمة، ما يُنذر بفجوة تعليمية تهدد مستقبل جيل بأكمله.
هذا ما تتحدث عنه الطفلة الفلسطينية، نادين بهار، الطالبة بالمرحلة الابتدائية والتي تعيش في شمال القطاع، والتي توضح شعورها المأساوي بسبب انقطاعها لعامين عن الدراسة، وعدم قدرتها على اللعب مع شقيقاتها الأربعة نتيجة استمرار القصف وعودة الحرب من جديد.
وتؤكد نادين بهار، أن حلمها في طفولة سعيدة تدمر، خاصة بعدما قصف الاحتلال منزل العائلة في شرق غزة بعد عودة القتال، وأصبحت الأسرة مشردة وهناك نزوح متكرر مما يزيد من حجم التعب والإرهاب، مشيرة إلى أن شعور الرعب والخوف لديها ولدى شقيقاتها لا يوصف إلا من يجربه ويرى مشاهد القتل والدمار يوميا أمام عينه.
وفى 16 أبريل، نظم عدد من الأطفال في مدينة بيت لاهيا وقفة احتجاجية، حصلنا على عدد من الصور للمظاهرة رفعوا فيها لافتات "صرت أخاف أنى أحلم" ومطالبين بوقف الحرب، في محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي لوقف حد لتلك المذابح الإسرائيلية اليومية.