كتبت آية دعبس
على منصة احتفالية عيد العمال لهذا العام، تغيّر المشهد المعتاد. لم تقتصر التكريمات على العمال التقليديين من قطاعات الصناعة والزراعة والنقل، وغيرها، بل شهدت سابقة لم يشهدها احتفال عيد العمالمن قبل، حين ضمت قائمة المكرمين وجوها غير تقليدية تمثل شرائح مختلفة: رجل أعمال، ومصري يعمل بالخارج، وعامل من العمالة غير المنتظمة، خطوة بدت للوهلة الأولى مفاجئة، لكنها حملت بين طياتها اعترافا رسميا بأن العمل في مصر بات يقاس بالعطاء لا بالصفة.
واستقبلت منصة التكريم هذا العام رجل الأعمال إبراهيم محمود العربي، رئيس مجلس إدارة مجموعة العربي، ممثلًا عن أصحاب الأعمال، وكان الاختيار رسالة بأن شراكة الدولة مع مجتمع الأعمال لا تقتصر على الاقتصاد، بل تمتد إلى التوظيف والتدريب وتحسين بيئة العمل، حيث عرف العربى بمبادراته في دعم التعليم الفني، وتوفير فرص تدريب لطلاب المدارس الصناعية، إلى جانب التزامه بمعايير السلامة المهنية داخل المصانع.
وأكدت القيادة السياسية من خلال تكريمها لهذا النموذج من رجال الأعمال في عيد العمال، أن رجل الأعمال الذي يحترم الإنسان قبل الإنتاج هو محل تقدير الدولة.
وفى لفتة أخرى، صعد إلى المسرح إبراهيم محمد صلاح الدين، مدير أكاديمية تدريب بالسعودية، ممثلًا عن العمالة المصرية بالخارج، حيث قضى سنوات طويلة في العمل بالخارج، لكنها لم تقطعه عن وطنه، بل ظل سفيرا للخبرة والكفاءة المصرية في الخارج، إبراهيم ليس فقط مدربا تقنيا، بل نموذجا فى بناء أجيال جديدة من الفنيين والمعلمين.
ووجوده فى الحفل لم يكن فقط من باب التكريم، بل للتأكيد على أن المصريين بالخارج جزء لا يتجزأ من نسيج القوة العاملة الوطنية، وأنهم سفراء حقيقيون للقيمة المصرية في ميادين العمل حول العالم.
وكانت واحدة من أكثر لحظات التكريم تأثيرا، هى لحظة صعود محمد فهمي عبدالغفار، باحث من ذوي الإعاقة يعمل بوزارة العمل، حيث حظي بتصفيق خاص من الحضور، في دلالة على أن مجتمعات العمل بدأت تفتح أبوابها أمام الكفاءة دون أن تعيقها نظرة دونية.
"محمد" الذي واجه تحديات كثيرة، نجح في أن يكون جزءا فعالًا في منظومة العمل الإداري والبحثي، ويُمثل قصة نجاح ملهمة لمن لا زالوا يبحثون عن فرصة في سوق غالبًا ما يكون قاسيًا على المختلفين.
ومن صعيد مصر، جاء سيد عفيفي حسين بحيري، العامل الزراعي الذي يعمل في ظل ظروف غير مستقرة ودون مظلة تأمينية، ليكرم من الرئيس عبد الفتاح السيسي ممثلا عن العمالة غير المنتظمة، هذا النوع من العمالة ظل لسنوات يُنظر إليه باعتباره "مؤقتا"، بلا حماية أو تقدير، لكن تكريم "سيد" جاء ليكسر الصورة النمطية ويعكس توجها حقيقيا نحو دمج هذه الفئة ضمن الاقتصاد الرسمي.
تكريم "سيد" لا يُمثل شخصه فقط، بل يُمثل ملايين من المصريين الذين يعملون بلا عقود ثابتة، في الزراعة، والمقاولات، والخدمات، ويحتاجون إلى اعتراف بحجم ما يقدمونه من عرق.
جاءت هذه التكريمات لتؤكد أن مفهوم "العامل" في الجمهورية الجديدة لم يعد محصورا في القطاع الحكومي أو الصناعي، بل اتسع ليشمل كل من يساهم في بناء الوطن، سواء بجهده اليدوي، أو بخبرته الفنية، أو حتى بإصراره على النجاح رغم الإعاقة أو الهشاشة الاجتماعية.
عيد العمال 2025 لم يكن فقط احتفالا تقليديا، بل محطة سياسية وإنسانية تعلن فيها الدولة المصرية أن لكل يد تعمل مكانا على منصة التقدير.