على مر العصور، لم تعرف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حدودًا جغرافية أو عوائق لغوية، بل انطلقت من أرض مصر لتزرع بذور الإيمان والمحبة في أصقاع الأرض واليوم، تتجلى هذه الرسالة العالمية بأبهى صورها في حياة أقباط المهجر، الذين وجدوا في كنائسهم المنتشرة حول العالم ملاذًا روحيًا ومركزًا ثقافيًا يحافظ على هويتهم المصرية الأصيلة ويربطهم بقلب الوطن.
وفى قلب الغربة، ووسط تحديات الاندماج والشتات، ظهرت الكنيسة القبطية كحاضنة إيمانية وثقافية، تربط أبناءها بوطنهم الأم، وتفتح لهم أبواب السماء حيثما كانوا.
وليست الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فقط مؤسسة روحية، بل كيان حضارى وإنسانى يحمل وجه مصر الناصع، ويغرسه فى قلوب الشعوب بإنجيل المحبة والخدمة.
وكانت وما زالت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نموذجًا حيًا لسفارة شعبية مصرية تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، حاملةً رسالة المحبة والإنسانية كما علّم السيد المسيح. ومنذ أن خرج مارمرقس ليبشّر فى الإسكندرية، امتد أثر الكنيسة ليشمل العالم، حيث تسير على خُطاه أجيال متعاقبة من الكهنة والرهبان والأساقفة الذين أصبحوا سفراء للقيم والهوية المصرية.
هوية أصيلة وممتدة
وتتمتع الكنيسة القبطية بقدرة فريدة على الحفاظ على تراثها الكنسى والروحى والاجتماعى، وتحرص على غرس هذه الروح في أبنائها بالخارج، رافضة أن يذوبوا تمامًا فى المجتمعات الغربية الجديدة. بل تعمل على تمكينهم من التفاعل الفعّال مع أوطانهم الجديدة، دون أن ينفصلوا عن مصر، الوطن الأم.
الانتشار العالمى للكنيسة القبطية
وفقا لما أعلنه قداسة البابا تواضروس الثانى خلال تصريحات صحفية، فإن للكنيسة الأرثوذكسية حضورًا راسخًا فى أفريقيا وأوروبا وآسيا، إلى جانب كنيسة فى أورشليم، وانتشار واسع فى أستراليا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك وأمريكا اللاتينية. ويخدم بالخارج فريق كبير يتألف من نحو 600 أسقف وكاهن وراهب، بالإضافة إلى 10 أديرة ناشئة.
دور رعوي وخدمي متكامل
وتقدم الكنيسة القبطية خدمات رعوية واجتماعية متكاملة فى كل مكان تتواجد فيه، وتحرص على إقامة الكنائس التى تعكس نفس الطقوس والأجواء الموجودة فى مصر. وتمتد خدماتها لتشمل التعليم، حيث أسست مدارس فى أستراليا وكندا، ومدرسة تكنولوجيا فى بوروندى، كما تقدم خدمات طبية متميزة مثل "مستشفى الأمل" فى كينيا، وهو من أكبر المراكز لعلاج الإيدز فى أفريقيا.
إنجازات حديثة فى أمريكا
تواصل الكنيسة جهودها لزيادة انتشارها وتلبية احتياجات الأقباط بالخارج. فقد وقع الأنبا يوسف، مطران جنوب الولايات المتحدة، عقدًا لشراء أرض لإقامة كنيسة جديدة فى مدينة ناشفيل بولاية تينيسى. كما شهدت إيبارشية نيويورك ونيو إنجلاند توقيع عقد شراء دير جديد باسم "القديسة مريم والقديس البابا كيرلس السادس"، ليكون مقرًا للرهبان وخدمة شعب الكنيسة.
طقوس التدشين بالخارج
يُعد تدشين الكنائس فى الخارج شهادة حية على الامتداد الروحى للكنيسة القبطية. فى بيت لحم، دشّن الأنبا أنطونيوس كنيسة القديس البابا كيرلس السادس، فى احتفال روحانى مهيب، وسط حضور من مختلف الكنائس. وفى كاليفورنيا، دشّن الأنبا سرابيون كنيسة القديس يوحنا المعمدان، لتكون أول كنيسة تُقام فيها طقوس التدشين منذ تأسيس الإيبارشية عام 1995.
وتعتبر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليست مجرد مؤسسة دينية، بل هي جسر حضارى يربط بين مصر والعالم، وسفير دائم للسلام والروحانية، تُحافظ على الإيمان والهوية، وتخدم أبنائها وتُكرّس وجودها ككيان، مصرى عالمى يُعبّر عن جوهر المحبة والتسامح والتواصل الحضارى.