تهديد الأزواج لبعضهم - أرشيفية
للإنسان الحق في أن يحيا حياته الخاصة بعيدا عن تدخل الغير وبمنأي عن العلانية، ويتعرض هذا الحق للانتهاك متي التقطت صورته أو سجلت لقاءاته فيديو في مكان خاص دون رضاه، ويزداد الأمر خطورة إذا ما هدد الجاني المجني عليه بنشر ما تم تسجيله أو تصويرة لحمله علي القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وكان هذا وذاك يمس الشرف أو يتعلق بأمور جنسية، ذلك أن الجاني لم يكتف بجرم واحد وهو التصوير أو التسجيل، وإنما أضاف إليه جرم آخر وهو الضغط على إرادة المجني عليه وإيذاءه نفسيا لحمله علي القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
ولقد بات ارتكاب تلك الجرائم "شائع" إذ أدي التقدم التقني المذهل في وسائل الإتصال أن انتشرت أجهزة للتنصت علي المحادثات وتسجيل اللقاءات فيديو بطريقة جنونية، وبات اقتناؤها واستعمالها في التجسس والتسجيل سهل المنال، كما ساعدت وسائل التواصل الإجتماعي على نشر تلك الفيديوهات والصور على نطاق واسع بما هدد حرمة الحياة الخاصة للناس، وجعل حياتهم كابوسا لا يطاق.
ظاهرة تصوير اللقاءات الجنسية من طرف أحد الأزواج وتهديد الطرف الآخر بها
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية، إذ باتت تتكرر بشكل غريب، ألا وهى ظاهرة تصوير اللقاءات الجنسية من طرف أحد الأزواج وتهديد الطرف الآخر بها، وأسبابها علاجها، وموقف قضاء النقض منها، فلقد لوحظ مؤخرا تصوير اللقاءات الجنسية خلسة من قبل أحد الزوجين، وتهديد الآخر بها للحصول علي ما يعتقد أنه حق له، وهي ظاهرة يجب التريث عندها ومواجهتها قبل أن تتفاقم فيسقط المجتمع، إذ تنم عن خيانة قذرة أُستخدم فيها شرع الله وما أحله من علاقة حميمة بين الزوجين في التشهير والتنكيل والابتزاز، حال أنها علاقة سامية يأنس فيه الزوج لزوجه، ولا يتوقع خيانته، فيؤخذ من حيث يؤتمن ولأ يتوقع تحت ستار كتاب الله وسنه رسوله – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
تصدي القضاء لظاهرة تصوير اللقاءات الجنسية
في البداية - تعرض القضاء في مصر لتلك الوقائع الماسة بسمعة الناس وشرفهم وحقهم في عدم إطلاع الغير على عوراتهم الجنسية، وأصدر العديد من الأحكام الرادعة، واضعا تعريفا للتهديد بإعتباره من جرائم إيذاء النفس بأنه كل سلوك يهدف من ورائه الجانى إيقاع الرعب فى نفس المجنى عليه أن لم يذعن – مرغماً – إلى إجابة ما طلبه منه الجاني، ولم يستلزم القضاء أن يحقق الجاني مبتغاه بإلقاء الرعب في نفس المجني عليه ولا أن ينفذ الشيء المهدد به، كما أنه لا إلزام على الحكم أن يتحدث استقلالًا عن هذا الأمور بل يكفى أن يكون مفهوماً من عبارات الحكم وصراحة عبارات التهديد وظروف الواقعة، كما أوردها الطعن المقيد برقم 22830 لسنة 88 القضائية – جلسة 11 سبتمبر 2021 – وفقا لـ"فاروق".
كما أوضحت محكمة النقض أن القصد الجنائي فى جريمة التهديد يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن أقواله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج المجني عليه وقد تكرهه فى صورة التهديد المصحوب بطلب أو تكليف بأمر على أداء ما هو مطلوب منه أو فعل ما هو مأمور به بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى معرفة الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه، ولا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه، طبقا للطعن رقم 22113 لسنة 87 قضائية، الكلام لـ"فاروق".
انتشار الظاهرة بين الأزواج وموقف القضاء
ظهر على الساحة سلوك غريب وشاذ وهو انتشار تلك الظاهرة فيما بين الأزواج، إذ كشفت أحكام القضاء عن قيام نفر من الأزواج بتسجيل لقاءاته الجنسية مع زوجة الآخر في غرفة النوم عن طريق زرع كاميرات متناهية الصغر دون علم الزوج الآخر تصور اللقاء الجنسي بينهما ثم تهديده بنشر ما سجل علي وسائل التواصل الإجتماعي، إذ لم يذعن لرغباته أو يتنازل عن حقوقه، وبالفعل فلقد رصدت وزارة الداخلية العديد من المواقع الإباحية تبث فيديوهات لأزواج أثناء ممارسة العلاقة الجنسية سجلت خفيه من أحد الزوجين، وقام بنشرها – هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى.
كما تم ضبط العديد من الأزواج في وقائع مماثلة وحكم عليهم بالسجن 5 سنوات، إذ طبقا للمواد 309 مكررا (أ)/2 تكون عقوبة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص السجن مدة لا تزيد على 5 سنوات، إذ هدد الجاني المجني عليه بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بالتقط أو نقل بجهاز أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
ولقد قضت محكمة النقض بأن الركن المادي في جريمة التهديد بنشر صور وفيديوهات التقطها زوج خلسة لزوجته اثناء مباشرته الجنس معها والمؤثمة بالمادة 309 مكررا (أ)/2 عقوبات تتحقق بالتقاط صور ومقاطع فيديوا خادشة لشرف زوجته في مكان خاص "حجرة النوم"، وتهديدها بنشرها علي مواقع التواصل الإجتماعي لحملها علي التنازل عن حقوقها الشرعية ولا يؤثر في إثبات الجريمة عدم ضبط التسجيلات أو صور المجني عليها ما دامت المحكمة قد اقتنعت من الأدلة التي أوردتها قيام المتهم بتسجيلها وتهديده بإفشاء أمرها، طبقا للطعن المقيد برقم 21788 لسنة 89 قضائية – جلسة 13 مارس 2022.
أسباب الظاهرة وكيفية الحد منها
ومما لاشك فيه أن ظاهرة تصوير أحد الزوجين لقاءاته الجنسية مع الطرف الآخر وتهديده بنشرها مهما كان السبب هي ظاهرة تنم على عدم قيام العلاقة الزوجية على ما أمر الله به من سكنه و مودة ورحمة بل رغبة في التدمير والانتقام والحصول على مكاسب وللأسف أغلبها مادية، وسبب ذلك أن الزواج صار - الآن - قائم على المصلحة المادية البحتة أي المكاسب المادية التي سيجنيها كل طرف في العلاقة، فالزواج صار صفقة مادية، فمثلا الزوجة قد تنظر إلى الزواج على أنه تأمين لحياتها، فتحاول الحصول على أكثر المكاسب المالية عند الزواج بإرغام الزوج على إحضار شبكة باهظة الزمن وكتابة شقة أو سيارة باسمها أو الحصول علي أموال أو شيكات...إلخ والزوج بدوره قد ينظر إلى الزواج على أنه شهوة ولذة جنسية جامحة يريد إطفاءها والعكس صحيح – الكلام لـ"فاروق".
ولما كانت المصلحة متغيرة وغير ثابتة وتنتهي بمجرد الحصول عليها، لذا كان منطقيا تصدع الحياة الزوجية بمجرد حصول كل طرف على مصلحته، إذ يبدأ في بغض وكره الطرف الآخر والسعي نحو رد ما يعتقد أنه حق له في ذمه الآخر فيسلك طريق الجريمة بتسجيل لقاءاته الجنسية معه وتهديده بنشرها لأخذ ما يعتقد أنه قد غبن فيه، وإذا كان القانون يضرب بيد من حديد علي تلك الظاهرة الخبيثة فإن القانون وحده لا يكفي لمواجتها، وإنما يلزم تثقيف الناس وتعليمهم أسس الزواج الناجح، فالزواج ليس امرأة جميلة تنكح ولا رجل غني يضمن المستقبل، وإنما الزواج أخلاق واحترام نابع من السكنة والمودة والرحمة التي يجب أن تسود العلاقة الزوجية والتي نلحظ مؤشرتها في فترة التعارف والخطوبة – بحسب "فاروق".
