الأحد، 05 مايو 2024 05:56 ص

"الخبز سلاح الحرب".. اتفاق الحبوب ورقة ضغط بين روسيا وأوكرانيا.. الأمم المتحدة: دول أفريقيا معرضة لمجاعة والفقراء سيدفعون الثمن.. والتجارة العالمية: أسعار القمح بدأت ترتفع ولابد من عودة المفاوضات

"الخبز سلاح الحرب".. اتفاق الحبوب ورقة ضغط بين روسيا وأوكرانيا.. الأمم المتحدة: دول أفريقيا معرضة لمجاعة والفقراء سيدفعون الثمن.. والتجارة العالمية: أسعار القمح بدأت ترتفع ولابد من عودة المفاوضات روسيا تنسحب من اتفاق تصدير القمح
الأربعاء، 19 يوليو 2023 09:00 م
كتبت آمال رسلان

هل يواجه العالم وخاصة دول إفريقيا وآسيا أزمة نقص غذاء فى القريب العاجل؟، هل يهدد شبح الجوع ملايين البشر حول العالم؟، هل يٌصبح القمح عملة نادرة وشحيحة والوصول لها دربا من دروب الخيال؟، أسئلة متلاحقة سيطرت على العالم على مدار الـ24 ساعة الماضية، بعد أن تجاوزت أدوات الحرب بين روسيا وأوكرانيا الذخيرة والقنابل ووصلت إلى حد خبز الفقراء.

 

الأزمة برزت عندما أعلنت موسكو الانسحاب من اتفاق الحبوب الذى يضمن تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة وتركيا، هذا الاتفاق الذى صمد لمدة عام رغم المعارك الضارية بين موسكو وكييف، ولكن ومع انسحاب روسيا الرسمى من الاتفاق أصبح قمح الدول الفقيرة محاصر لحين إشعار آخر.

 

وجاء انسحاب روسيا من الاتفاق الذى يضمن تأمين تصدير الحبوب لدول العالم من البحر الأسود، بعد أن عطلت كييف جسر القرم من خلال مهاجمة الجسر، ما أسفر عن مقتل شخصين، فعطلت موسكو البحر من تحته، وألغت ضمانات سلامة الملاحة عبره.

 

ليس هذا فحسب بل هددت أى تحرك أٌحادى من قبل أوكرانيا والغرب للاستمرار فى تصدير الحبوب من البحر الأسود، وأعلن وزير الخارجية الروسية سيرغى لافروف، الثلاثاء الماضى أن انتهاء العمل باتفاق الحبوب الأوكرانية يؤدى إلى "سحب الضمانات الأمنية" لتصدير الحبوب الأوكرانية فى البحر الأسود، وأضاف :"بشكل ملموس، هذا يعنى سحب ضمانات سلامة الملاحة وإعادة قيام منطقة خطرة بشكل مؤقت فى شمال غرب البحر الأسود".

 

ووجّه الكرملين، تحذيراً مبطّناً لسفن تصدير الحبوب الأوكرانية بقوله إنّها ستواجه "مخاطر أمنية" إذا ما واصلت عبور البحر الأسود من دون موافقته، وقال المتحدّث باسم الرئاسة الروسية ديمترى بيسكوف إنّه "فى غياب ضمانات أمنية مناسبة، تظهر مخاطر معيّنة. إذا تمّ إقرار أى شيء بدون روسيا، فيجب أن تؤخذ هذه المخاطر فى الاعتبار".

 

جاء ذلك بعد استفزازات أوكرانيا بأنها ستبحث عن بدائل، وقال ديمترى سولومشوك عضو البرلمان الأوكرانى، إن أوكرانيا ستكون قادرة على تصدير حوالى 3.7 مليون إلى 3.8 مليون طن من منتجاتها الزراعية، فى ظل غياب اتفاقية الحبوب، وذلك عبر البحر الأسود وعبر طرق أخرى بديلة.

 

ووفقًا لـ"إنترفاكس"، أشار ديمترى خلال تصريحه إلى موانئ نهر الدانوب والتى يتم من خلالها تصدير أكبر قدر ممكن من الحبوب الأوكرانية، والتى بلغت اليوم 3 ملايين طن، بجانب الصادرات التى تمر عبر الحدود الغربية والتى تصل إلى ما يقرب من 300000 طنًا شهريًا.

 

وقال ديمترى، إن أوكرانيا تحتاج إلى شحن ما يصل إلى 6 ملايين طن من المنتجات الزراعية إلى الخارج من أجل الحفاظ على استقرار الصادرات، كما يمكن زيادة صادرات الحبوب إلى 4.5 مليون طن هذا العام، من خلال نقل البضائع بواسطة سيارات الحبوب والشاحنات والسفن الصغيرة فى رومانيا.

 

وفى ظل تلك الأجواء المتوترة استمرت روسيا وأوكرانيا فى تبادل الاتهامات فى حين يوجد مئات الملايين فى الجزء الآخر من العالم يخشون قوت يومهم، واتهم الرئيس الاوكرانى فولوديمير زيلينسكى، روسيا "بالاستهداف المتعمد فى ضرباتها لمواقع تستخدم لتصدير الحبوب الأوكرانية"، واشار عبر مواقع التواصل الاجتماعى،الى إن "الارهابيين الروس استهدفوا بشكل متعمد البنى التحتية للاتفاق حول الحبوب" مضيفا انه يريد "تعزيز حماية الاشخاص والبنى التحتية المرفئية" فى البلاد لمواجهة هذه الضربات".

 

وفى المقابل قال رئيس مجلس الدوما فياتشسلاف فولودين، أن استئناف صفقة الحبوب لا يمكن تحقيقه إلا فى حالة الوفاء بالالتزامات تجاه روسيا وعدم استخدام ممر الحبوب لشن هجمات إرهابية.

 

وقال فولودين فى قناته الرسمية على تليجرام إن مجلس الدوما سيطالب برلمانات الدول الأخرى بعدم استخدام ممر الحبوب الإنسانى للتغطية على الهجمات الإرهابية، حيث كتب: "سنطالب برلمانات الدول الأخرى بأن استخدام صفقة الحبوب فى الهجمات الإرهابية غير مسموح به.

 

وسنشير إلى أن زيلينسكى ورعاة نظام كييف مسؤولون عن مقتل المدنيين ونحن ندعم إنهاء صفقة الحبوب فى ظل هذه الشروط وتجديد الصفقة ممكن فقط إذا كانت الالتزامات تجاه روسيا ستنفذ جميعا، وفى حال عدم استخدام ممر الحبوب لشن هجمات إرهابية.

 

وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود التى وقّعتها روسيا وأوكرانيا فى يوليو 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة، للتخفيف من خطر المجاعة فى العالم من خلال ضمان تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية رغم الحرب، وأتاح الاتفاق الذى تمّ تمديده مرتين منذ ذلك الحين، تصدير أكثر من 32 مليار طن من الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية.

 

سبق للرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن لوّح مرارا بالانسحاب من هذا الاتفاق على خلفية عدم الايفاء بالالتزامات المتعلقة بروسيا فيه، وقبل تعليق المشاركة فى الاتفاق اتهمت روسيا أوكرانيا بمهاجمة جسر القرم، مما أسفر عن مقتل شخصين.

 

وترى صحيفة نيويورك تايمز أن القرار الروسى بدا وكأنه أكبر ضربة حتى الآن لاتفاق مضى عليه عام كان مثالًا نادرًا للمحادثات المثمرة بين طرفى الصراع، وساعد فى تخفيف جزء من التداعيات العالمية الناجمة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

 

وأمهلت روسيا الأمانة العامة للأمم المتحدة 90 يومًا لتطبيع الوضع مع الصادرات الزراعية الروسية، وفقًا للمذكرة الموقعة بين موسكو والأمم المتحدة فى إطار "صفقة الحبوب".

 

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن البند السادس من المذكرة الموقعة بين روسيا والأمم المتحدة ضمن اتفاق إسطنبول حول تصدير المنتجات الزراعية عبر البحر الأسود، ينص على أن أى طرف يجب أن يبلغ الطرف الآخر فى غضون 3 أشهر فى حال توقفه عن تطبيق المذكر، وفقًا لموقع قناة "آر تي" الروسية.

 

وأضافت أنه بالتالى لا يزال لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة 90 يومًا لإتمام العمل على تنفيذ أحد شروط الصفقة، وهو إعادة دمج البنى التابعة للمصرف الزراعى الروسى "روس سيلخوز بنك" بنظام "سويفت" للتعاملات المصرفية.

 

وعن شروط روسيا للعودة للاتفاق، أكدت الخارجية الروسية أنه لا يوجد أى بديل لإعادة دمج "روس سيلخوز بنك" بنظام "سويفت" بشكل مباشر، وأن الصيغ الأخرى لإقامة قنوات لدفع ثمن الصادرات الزراعية الروسية غير واقعية.

 

وسيؤثر تجميد الاتفاق على مصير الدول الأكثر فقرا فى العالم وتلك التى تعانى من موجات تضخمية عالية خاصة فى أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن "مئات الملايين يعانون الجوع وسيدفعون الثمن"، محذرا من أن بعض دول الشرق الأوسط وأفريقيا ستكون معرضة لخطر المجاعة إذا لم تتمكن كييف من تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

 

وأكدت نجوزى أوكونجو إيويالا المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، أن الإنهاء المفاجئ لتنفيذ مبادرة حبوب البحر الأسود هو مصدر قلق بالغ، قائلة: "لا ينبغى أن يصبح الأمن الغذائى العالمى ضحية للحرب، لا سيما أن أوكرانيا والاتحاد الروسى موردان مهمان للأغذية والأعلاف والأسمدة للأسواق الدولية".

 

وأشارت بحسب بيان للمدير العام على الموقع الرسمى للمنظمة، إلى أنه سيكون الناس فى البلدان الفقيرة التى تكافح مع تضخم أسعار الغذاء والطاقة أكثر المتضررين من إنهاء المبادرة، حيث إن أسعار تسليم القمح والذرة فى المستقبل آخذة فى الارتفاع بالفعل. لذلك حثت نجوزى أوكونجو إيويالا المدير العام لمنظمة التجارة العالمية wto، جميع الأطراف على بذل كل جهد ممكن للعودة إلى طاولة المفاوضات".

 

وأوضحت إنه من خلال صدمات جائحة COVID-19 والحرب فى أوكرانيا، كانت الأسواق الدولية المفتوحة والتى يمكن التنبؤ بها للحبوب الأساسية مصدرًا لا غنى عنه للمرونة والأمن الغذائى بين الأعضاء على جميع مستويات الدخل. فى منظمة التجارة العالمية (WTO)، سنواصل حث الأعضاء على تفكيك قيود التصدير وتسهيل تدفق الغذاء من البلدان ذات الفائض إلى البلدان التى تواجه عجزًا".

 

وصدرت ردود فعل عديدة من الغرب تدين الموقف الروسى حيث اعتبر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، أن بوتين ارتكب "خطأ فادحاً" بإنهاء مشاركة موسكو فى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية.

 

وقال ماكرون "لقد قرر استخدام الغذاء سلاحاً أعتقد أنه خطأ فادح"، وأضاف: "سنرى بوضوح أن روسيا قررت تجويع دول تواجه أصلاً صعوبات"، وتابع الرئيس الفرنسى: "الطرق البرية التى تمكنَّا من تأمينها نحن الأوروبيين منذ بداية الأزمة، والتى تمثل 60% من نقل الحبوب مهمة، وسنواصل جهودنا".

 

ويبقى الوضع معلقا بين محاولات تركيا اقناع روسيا بالعدول عن قراراها، وبين تبادل الاتهامات بين موسكو وأوكرانيا، فى حين أقتربت أسعار القمح عالميا إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة أشهر، وقالت وزارة الخارجية الروسية، إنه حال لم تنفذ الأمم المتحدة بنود المذكرة المتعلقة بالصادرات الزراعية الروسية فى غضون 3 أشهر، فإن موسكو لن تستأنف المحادثات حول اتفاق الحبوب الدولى، مما يطرح تساؤل حول "هل يراجع الغرب قراراته فى الأيام القادمة؟".


print