لازالت واقعة سائق الملاكى المتهور – على طريق السويس - تسيطر على المشهد العام، خاصة على محرك البحث جوجل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى، فقد ثبت خلال التحقيقات أن السائق – موظف بأحد الجامعات – يتعاطى المواد المخدرة أو شيء مسكر وارتكب الكثير من المخالفات التي تتجاوز الحدود، ما يعرضه لعقوبات رادعة نتيجة القيادة تحت مخدر عقوبتها سنة سجن، كما أن عقوبة إتلاف مال عام حينما وصل لبوابات الرسوم تُعد جريمة اتلاف مال عام عمد عقوبتها من سنة إلى 3 سنوات، عقوبة تعريض حياته للخطر وعليها غرامات تصل لألفين جنيه، وقائد مركبة بدون غلق الباب.
تلك الواقعة صاحبها واقعة أخرى تتمثل في سائق التريلا الذى اصطدم بالسيارة الملاكى في محاولة لإيقافها ورغم استحسان البعض لهذا الأمر إلا أنها تعد جريمة أخرى من الممكن تسبب كوارث، وكذا تعدى المواطنين على سائق الملاكى المتهور فور الإمساك به والقبض عليه، وهو أمر أيضا خارج عن القانون، ولكن بعيدا عن كل هذه الجرائم هناك تساؤلا في منتهى الأهمية يحتاج إلى إجابة ألا وهو مدى جواز اعتراف السكران بالجريمة؟ خاصة وأن بعد القبض على سائق الملاكى المتهور تبين ظهور علامات تناول السائق لمواد كحولية، والعثور على دفترين من أوراق لف سجائر بفرة مع أداة خاصة لتعاطي مخدر الآيس، وعقار طبي مجهول.
عن أبشع الجرائم.. مدى جواز اعتراف السكران بالجريمة
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية اعتراف السكران بالجريمة، وذلك في الوقت الذي تقرر فيه بعض التشريعات مسؤولية السكران باختياره على أساس العمد مثل القانون الألماني والسويسري وهو ما اتجه إليه محكمة النقض الفرنسية، أما المشرع المصري ففي المادة 2/62 عقوبات رفع المسئولية عن السكران إذا ما تناول المخدر أو المسكر قصراً أو قهرا عنه، ولكنه سكت عن حالة ما إذا تناول المسكر باختياره - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
فى البداية - السكر سواء اكان خمور أو عقاقير أو نباتات طامة كبري، إذ من الثابت علمياً أن الإفراط في تناول المواد المخدرة أو المسكرة يفضي إلى خلل في القدرات الذهنية وفي سيطرة الشخص على ما يصدر عنه من أفعال ومقتضى ذلك رفع المسئولية الجنائية العمدية عن السكران فيما يرتكبه من جرائم سواء أكان قد تناول المخدر أو المسكر قهراً عنه أو باختياره مادام أنه لحظة ارتكاب الجريمة كان فاقد الشعور والاختيار بسبب المسكر وهما مناط المسؤولية الجنائية - وفقا لـ"فاروق".
ولقد انتشرت ظاهرة السكر في المجتمع وباتت تهدد بقائه ووجوده ولم يسلم منها أحد، فلقد فشت في النساء، كما تضخمت في الرجال، وبعض أنواع المخدر والمضاف عليه مادة "الاستروكس" تجعل الإنسان في عالم لا يرى فيه سوى نفسه وفي عالم منفصل عن الواقع لا يرى فيه سوى نفسه ولا يتبع سوى نفسه ولا يستمع إلا لنفسه، عالم يجعله لا يشعر بالأخرين من حوله فلا يرى الناس حوله إلا ما يري هو، فكونه يقدم على المسكر هو إنسان مضطرب الشخصية لا يرى سوى نفسه طمست مشاعرة وإحساسيه تجاه من حوله - الكلام لـ"فاروق".
وجمهور الفقه يرى أن نص المادة 62 يدل بمفهوم المخالفة على مسئولية السكران باختياره، ولكن يدق الأمر حين يصدر اعتراف من المتهم وهو تحت تأثير المخدر أو المسكر فهل يبطل الاعتراف أم يصح؟ وتري محكمة النقض مسؤولية السكران باختياره مطلقا سواء كانت الجريمة عمدية أو اهمال، فالأصل لديها أن الغيبوبة المانعة من المسئولية – على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات – هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو بغير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها سواء كانت عمدية أم بإهمال – هكذا يقول "فاروق".
جمهور الفقه يرى بطلان اعتراف السكران
وجمهور الفقه يرى بطلان الاعتراف إذ من شروط صحة الاعتراف الإدراك والاختيار بمعني أن تكون ارادة المتهم واعية كي يدرك ما يقول ويكون مستعدا لتحمل تبعة اعترافه وهو ما لا ينطبق علي حال السكران لعطب شاب ارادته والعمد في ذلك أن يؤدي السكر الي فقدان الشعور والاختيار بغض النظر عما إذا كان تناول المسكر اختيارا أم قهرا لأن ما يصدر عن السكران لا يعد اعتراف بل محض هزيان.
غير أن محكمة النقض تري عكس ذلك إذ أقامت تفرقة بين ما إذا كان المتهم المعترف قد تناول المسكر باختياره أم جبرا عنه ولا تقبل الدفع ببطلان الاعتراف إلا إذا كان تناول المسكر جبرا عن ارادة المعترف أما أن تناوله باختياره فإن النقض تشترط لبطلان الاعتراف أن يكون المسكر افقده الشعور والاختيار تماما - وفي ذلك تقول ولئن كان السكُر من العوامل التي تفقد الشعور والإدراك، فيبطل الاعتراف إذا كان السكر نتيجة لتناول المعترف للخمر قهراً عنه، أما إذا كان تناوله باختياره، فلا يبطل الاعتراف، إلا إذا كان السكر قد أفقده الشعور والإدراك تماماً، أما إذا لم يفقده الشعور والإدراك تماماً فيصبح الأخذ به.
رأى محكمة النقض في الأزمة
محكمة النقض سبق التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 26136 لسنة 66 قضائية حيث ذكرت في حيثيات حكمها: "وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يرتب على اعتراف الطاعن وحده الأثر القانونى للاعتراف وإنما أقام قضاءه على ما يعززه من أدلة الدعوى الأخرى وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يدع أنه كان وقت ارتكاب الجريمة متناولاً مادة مسكرة قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بل أطلق القول بأن الطاعن كان في حالة سكر أثناء سؤاله في محضرى الشرطة والنيابة العامة دون أن يبين ماهية هذه الحالة ودرجتها ومبلغ تأثيرها في إدراك الطاعن وشعوره وبغير أن يقدم دليلاً على أنها أفقدته تماماً الإدراك والشعور أثناء اعترافه، فإنه لا يكون للطاعن من بعد النعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض ويضحى نعيه في هذا الخصوص على غير أساس.
التفرقة بين السكران الاضطراري والسكران الاختياري
هذا الحكم – بحسب "فاروق" - محل نظر إذ وضع تفرقة تحكيمية بين السكر الاضطراري والسكر الاختياري، وقرر ضمنا أن اعتراف من تناول المسكر قهرا عنه مبطل للاعتراف سواء افقده المسكر الشعور والإدراك أم لم يفقده بخلاف السكر الاختياري، إذ طبقا للحكم محل النظر لا يبطل الاعتراف إلا إذا افقد المعترف الإدراك والشعور تماما في حين أن مناط صحة الاعتراف أن تكون أرادة المتهم واعيه فإن كانت عاطله لأي سبب كفقد الشعور والإدراك لتناول مسكر سقط الاعتراف سواء عطلت الإرادة تماما أم الم بها عطب أثر فيها وجعلها فاقدة الإدراك والاتزان، إذ في الحالين تكون الإرادة معيبة لا تعبر عن حقيقة، ولا فرق في ذلك بين السكر الاختياري والسكر الاضطراري ولا أهمية لكون المحكمة اعتبرت ما صدر عنه اعتراف كامل أم مجرد قرينه تعزز الأدلة لأن من شروط القرينة أن تكون صحيحة.
يشار إلى أن الأجهزة الامنية تمكنت من القبض على سائق السيارة المتهور في أقل من 24 ساعة، وتم توجيه اتهامات بتعطيل حركة المرور، وتعريض سلامته وسلامة المواطنين الآخرين للخطر، وبعد إلقاء القبض عليه تبين ظهور علامات تناول السائق لمواد كحولية، والعثور على دفترين من أوراق لف سجائر بفرة مع أداة خاصة لتعاطي مخدر الآيس، وعقار طبي مجهول، وتم اتخاذ كل الاجراءات القانونية، وإحالة المتهم إلى النيابة العامة من أجل التحقيق معه.
يُعاقب القانون المتهم الذي يقود سيارة بتهور ورعونه مهددًا حياته وحياة الاخرين للخطر، ومخالقة قواعد المرور بعقوبة الحبس وغرامة تبدأ من 4 آلاف جنية، ولا تزيد عن 8 آلاف جنيه، مع سحب الرخص منه على مدار مدة لا تقل عن شهر وتصل إلى ثلاث سنوات، وتُعاقب المادة 76 من قانون العقوبات للمرور، كل من قاد مركبة وهو تحت تأثير المخدر، وأثبتت التحاليل ذلك تكون مدة الحبس لا تقل عن سنتين وتصل الغرامة إلى 10 آلاف جنيه، أمام إذا نتج عن قيادته تحت تأثير المخدرات إصابة لأي شخص يتم حبسه مدة لا تقل عن سنتين إلى 5 سنوات.