القانون الدولى
العالمي للقانون الدولي الإنساني بدأ تدوينه في القرن التاسع عشر استناداً إلى التجارب المريرة التي مر بها العالم من حروب قاسية، فبدأت نشأة القانون الدولي الإنساني بعد معركة "سلفرينو" التي وقعت بمقاطعة لومبارديا بإيطاليا، بين القوات النمساوية من جانب وقوات فرنسا وسردينيا من جانب آخر، والتي خلفت خسائر بشرية هائلة من القتلى والجرحى الذين لقوا حتفهم نتيجة للقصور في الخدمات الطبية، وسطر هذه المعركة المواطن السويسري هنري دونان في كتابه "تذكار سلفرينو" الذي هز وجدان العالم لما جاء فيه من أحداث مروعة، ودعا دونان في نهاية كتابه إلى إعداد فرق إغاثة طبية حيادية وقت السلم، لتقديم الحد الأدنى من الخدمات الطبية وقت الحرب، وانضم إليه أربعة مواطنون من سويسرا ليشكلوا اللجنة الخماسية، والتي عرفت فيما بعد باللجنة الدولية للصليب الأحمر.
واستطاعت هذه اللجنة في عام 1864 حمل الحكومة السويسرية على عقد مؤتمر دولي شاركت فيه 16 دولة، والذي نتج عنه إبرام اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى في الجيوش الميدانية، والتي بمقتضاها تقدم الإسعافات الأولية والرعاية الطبية للمحاربين والجرحى والمرضى دون أي تمييز، ويتم احترام أفراد الخدمات الطبية الذين تميز أفرادها بشارة الصليب الأحمر على أرضية بيضاء، وكانت هذه هي الخطوة الأولى لتدوين القانون الدولي الإنساني والتي تلاها عدة اتفاقيات دولية كان أهمها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبرتوكولان الإضافيان لعام 1977.
وتتمثل الضرورة الحربية في الحالة الآنية الملحة، والتي لا تترك وقتًا كافياً من قبل الأطراف المتحاربة لاختيار الوسائل المستخدمة في أعمالها العسكرية الفورية، والتي تفرض حال قيامها ارتكاب أفعال عسكرية معينة، تتخذ على وجه السرعة بسبب الظروف الاستثنائية الناشئة لحظتها، وليس لأطراف النزاع الحرية المطلقة في استخدام وسائل القتال بحجة الضرورة العسكرية، بل هي مقيدة بعدة شروط تتمثل في:
1- أنها ذات طبيعة مؤقتة غير دائمة، تبدأ ببداية الفعل وتنتهي بنهايته وزواله، وترتبط بلحظة الاشتباك المسلح بين المتحاربين، لذلك لا يمكن الادعاء بتوافر الضرورة الحربية في حالة الهدوء وتوقف القتال.
2- تقيد الأطراف المتنازعة حال قيام الضرورة العسكرية بعدم استخدام وسائل محظورة بموجب أحكام القانون الدولي، كالتذرع باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً أو قصف وإبادة السكان المدنيين أو الثأر والاقتصاص منهم ومن ممتلكاتهم.
3- أن لا يكون هناك مجال أمام القوات المتحاربة لتحديد طبيعة ونوع الوسائل غير التي استخدمت بالفعل حال قيام وتوافر الضرورة الحربية، التي تسمح باستخدام وسائل متفاوتة الضرر كاستخدام وسيلة الاستيلاء والمصادرة للممتلكات كإجراء بديل عن التدمير، وبالتالي ليس للمتحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو.