الجمعة، 19 ديسمبر 2025 06:02 م

القارة العجوز بلا أطفال.. مليارات الحوافز تفشل فى وقف انهيار الخصوبة.. أوروبا تدق أجراس إنذار ديموجرافى منذ الطاعون الأسود.. وتكشف أزمة السكان وانخفاض المواليد وارتفاع الشيخوخة والضغوط الاقتصادية أبرز التهديدات

القارة العجوز بلا أطفال.. مليارات الحوافز تفشل فى وقف انهيار الخصوبة.. أوروبا تدق أجراس إنذار ديموجرافى منذ الطاعون الأسود.. وتكشف أزمة السكان وانخفاض المواليد وارتفاع الشيخوخة والضغوط الاقتصادية أبرز التهديدات الاتحاد الأوروبى
الجمعة، 19 ديسمبر 2025 11:00 ص
فاطمة شوقى
تقرع أوروبا اليوم أجراس إنذار غير مسبوقة، مع اقترابها من مرحلة تاريخية من الانكماش السكانى قد تعيد تشكيل اقتصادها ومجتمعاتها ونموذج حياتها بالكامل، ويقف الاتحاد الأوروبى على أعتاب أول تراجع سكانى تشهده القارة منذ القرن الرابع عشر، حيث اجتاحها الطاعون الأسود، إذ يتوقع أن يبلغ عدد السكان ذروته خلال العام المقبل قبل أن يبدأ مسار الانحدار طويل الأمد، وذلك بسبب تراجع نسبة الخصوبة الذى يؤثر على المواليد.
 
مخاوف عميقة مع تداعيات انهيار الخصوبة
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة لابانجورديا الإسبانية، فإن هذا التحول الديموجرافي لا يقتصر على الأرقام، بل يثير مخاوف عميقة بشأن تقلص القوى العاملة، وارتفاع أعباء الشيخوخة، وزيادة الضغط على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية، واحتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي.
 
وأشارت الصحيفة، إلى أن أمام هذا المشهد القاتم، دخلت الحكومات الأوروبية فى سباق محموم لتجربة كل ما هو ممكن: حوافز مالية، إعفاءات ضريبية، إجازات مدفوعة، وقروض سكنية، فى محاولة لإقناع الأسر بإنجاب المزيد من الأطفال،  لكن النتائج، حتى الآن، جاءت محدودة ومخيبة للآمال.
 
سباق حكومي.. ونتائج خجولة
من دول اسكندنافيا ذات أنظمة الرفاه الاجتماعي القوية، إلى فرنسا وإيطاليا وبولندا، تتكاثر السياسات الداعمة للأسرة بوتيرة غير مسبوقة،  ففى فرنسا، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ما وصفه بـ«إعادة تسليح ديموجرافي»، بعد أن تراجعت معدلات الخصوبة بنحو 18% خلال عقد واحد فقط، أما في إيطاليا، فقد أُقرت مكافآت مالية للأمهات العاملات اللاتي لديهن طفلان أو أكثر، بينما رفعت بولندا قيمة المساعدات الشهرية للأطفال ووسعت الإعفاءات الضريبية للأسر الكبيرة.
 
ورغم هذا الزخم، تشير التجربة الأوروبية إلى أن هذه الإجراءات لم تنجح سوى في إبطاء التراجع، دون أن تعكس اتجاهه،  فقد شكّلت دول اسكندنافيا لجانًا خاصة لمراجعة أسباب فشل نماذجها الاجتماعية المتقدمة في وقف الانهيار الحاد في معدلات الخصوبة، بعدما كانت تُعد لسنوات النموذج الأكثر نجاحًا في التوفيق بين العمل والأسرة.
 
المجر.. المثال الأوضح على حدود الحوافز
تقدم المجر نموذجًا صارخًا لطموحات السياسات السكانية وحدودها فى آن واحد، فبعد سنوات من التوسع الكبير فى دعم الأسرة، باتت تنفق نحو 5% من ناتجها المحلى الإجمالى على هذه السياسات، وهى نسبة تفوق ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع. وتشمل الحزمة إجازات مدفوعة للأجداد، وقروضًا سكنية ميسّرة، وقروضًا تصل إلى 30 ألف دولار تُعفى من السداد فى حال إنجاب ثلاثة أطفال، إضافة إلى إعفاءات ضريبية مدى الحياة للأمهات.
 
فى البداية، بدت النتائج مشجعة، إذ ارتفعت الخصوبة من 1.25 إلى 1.61 بين عامى 2015 و2021، قبل أن تعود للتراجع مجددًا إلى 1.39 بحلول عام 2024، أى قريبًا من متوسط الاتحاد الأوروبي. ويرى خبراء أن هذه السياسات شجعت من كانوا يخططون أصلًا للإنجاب على تسريع قراراتهم، لكنها فشلت فى تغيير قناعات من لا يرغبون فى إنجاب الأطفال من الأساس.
 
لماذا لا تنجح الحوافز؟
وأشارت الصحيفة إلى أن قرارات الإنجاب تبقى شديدة الخصوصية، وغالبًا ما تتجاوز قدرة السياسات العامة على التأثير. فارتفاع تكاليف السكن والمعيشة، وعدم الاستقرار الوظيفى، وتأخر سن الزواج، كلها عوامل تضغط بقوة على خيارات الشباب. كما أن تراجع الخصوبة يعكس تحولات اجتماعية إيجابية لا ترغب المجتمعات فى التراجع عنها، مثل توسع تعليم النساء، وتقدم مساراتهن المهنية، وتراجع حمل المراهقات، وتوفر وسائل منع الحمل.
 
وتشير البيانات، إلى أن متوسط الخصوبة فى الاتحاد الأوروبى بلغ مستوى قياسيًا منخفضًا عند 1.38 طفل لكل امرأة، دون أن تسجل أى دولة معدل الإحلال السكانى البالغ 2.1. كما يؤجل الأوروبيون الإنجاب إلى أعمار متقدمة أكثر من أى وقت مضى، فى ظل تغير أنماط العلاقات، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعى، وانتشار أنماط حياة فردانية.
 
أزمة أعمق من أن تُحل بالمال
فى المحصلة، تكشف الأزمة الديموجرافية الأوروبية عن تحولات اقتصادية وثقافية واجتماعية عميقة، تجعل من الصعب على الحوافز المالية وحدها تغيير المسار. فالقضية لم تعد مجرد دعم مادى، بل تتعلق بإعادة التفكير فى نماذج العمل والسكن، والتوازن بين الحياة المهنية والأسرية، ومستقبل الدولة الاجتماعية نفسها.
 
القارة الشائخة
تؤكد الأزمة أن الأموال وحدها لا تكفى، فالمطلوب إعادة التفكير فى نماذج العمل والسكن، والتوازن بين الحياة المهنية والأسرية، ومستقبل الدولة الاجتماعية. وبينما تتحضر أوروبا لمواجهة واقع «القارة الشائخة»، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومات فى إقناع الأجيال الجديدة بالإنجاب، أم أن أوروبا تدخل عصرًا تقل فيه أعداد السكان وتتغير معه ملامح القارة إلى الأبد.

print