بعد أن تخرج أحمد شوقي في مدرسة الحقوق والترجمة سنة 1887، لفتت موهبته الشعرية وحسن تعبيره أنظار المسؤولين في القصر، خصوصا علي باشا مبارك الذي كان من كبار رجال الدولة، فاختاره ليعمل في الخاصة الخديوية "ديوان الخديوي"، عمل شوقي موظفًا فيها وهو بعد في مطلع شبابه، كان مقر عمله في قصر الخديوي توفيق، صارت مهمته الأساسية كتابة المدائح والرسائل والخطب التي تنسب للخديوي، وهذه الفترة كما يذكر شوقي ضيف كانت من أشد فترات حياته حساسية، لأنه أصبح تابعًا للخديوي، واستخدمت شاعريته لخدمة البلاط، وفقا لما ذكره كتاب "شوقى شاعر الحديث" للمؤلف شوقى ضيف.
ويسرد الكتاب، لم يمضى عام كامل على شوقي في وظيفته حتى قرر الخديوي توفيق إرساله في بعثة ثقافية إلى فرنسا، وذلك لثقته به، ولحاجته إلى مثقف يجمع بين الأدب والقانون، أهم ما قام به هناك درس القانون في جامعة مونبلييه، وتلقى دروسًا في الأدب والآداب الفرنسية، تعرف على الشعر المسرحي والكلاسيكية الحديثة، أتيح له الاطلاع على الحياة السياسية والفكرية الأوروبية مما وسع أفقه، وظل طوال بعثته موظفًا تابعًا للدولة يتقاضى راتبه من القصر الخديوي.
أهم فصل في حياته الوظيفية:
عاد شوقي إلى مصر بعد وفاة الخديوي توفيق وتولي الخديوي عباس حلمي الثاني الحكم ومع عودته، بدأ أهم فصل في حياته الوظيفية فأصبح رئيس قلم الترجمة، عينه الخديوي عباس حلمي الثاني رئيسًا لقلم الترجمة في القصر، كان هذا المنصب مهمًا، إذ يمر عبره كل ما يترجم من وثائق سياسية وإدارية ترفع للخديوي، ومستشار أدبي وإعلامي للخديوي، وأصبح شوقي أشبه بـ المتحدث غير الرسمي للخديوي، كان يكتب له الخطب والبيانات السياسية، ويكتب القصائد التي تُظهر الخديوي بصورة الحاكم المصلح.
كما منحه الخديوي عباس حلمي الثاني ثقة استثنائية، جعله مقربًا من الدائرة الضيقة للحكم، صار ذا نفوذ واسع داخل القصر، وكلمته مسموعة.
وفى ضوء ذلك نستعرض تفاصيل الوثائق المملوكة لدار الكتب والوثائق، والتي تم منحها لقطاع الفنون التشكيلية، والتي أرخت لتلك الفترة لتكشف ملامح هذا الوجه الخفي لأحمد شوقي…
الوثيقة الأولى: منح أحمد شوقي بدل سفر عن 25 ليلة
تتضمن التالي:
"رأي اللجنة المالية .. بالموافقة على منح أحمد شوقي بك، رئيس قسم الترجمة في الديوان الخديوي، بدل سفر عن مدة خمسة وعشرين ليلة قضاها في مأمورية رسمية بمعية الجناب العالي في أوروبا".

بدل سفر
وتتدل الوثيقة على مكانه أحمد شوقى الوظيفية المرموقة داخل الديوان، وأيضا الثقة التي كانت تمنح له لمرافقة الخديوي، وأيضا تمتعه بالامتيازات المالية الرسمية شأن كبار الموظفين.
تتضمن التالي:
"ورد إلى اللجنة إفادة الديوان الخديوي المؤرخة في شهر أكتوبر، المتضمنة أن سعادة أحمد شوقي بك، رئيس قسم الترجمة بالديوان الخديوي، كان قد صرح له بإجازة اعتيادية خارج القطر لمدة شهرين ونصف، وخلال تلك المدة انتدب في مأمورية رسمية بمعية الجناب العالي، ثم تقدم رئيس الديوان الخديوي بطلب إلى اللجنة لصرف بدل سفر لشوقي بك عن مدة اثنتين وعشرين ليلة قضاها في أداء تلك المأمورية، وقد نظرت اللجنة المالية في هذا الطلب، ورأت أنه يمنح سعادته بدل السفر المستحق عن مدة المأمورية فقط، باعتبار أن بقية المدة كانت ضمن إجازته الاعتيادية، وذلك وفقا لما جرت عليه السوابق الإدارية في مثل هذه الحالات، وبناءً عليه، اقتضي عرض الموضوع على مجلس النظار لاستصدار القرار بالموافقة على ما رأتـه اللجنة المالية".

اجازة اعتيادية
وتظهر الوثيقة أن أحمد شوقي كان يجمع بين صفته شاعرا مقربا من الخديوى وموظفًا رسميًا له حقوق وواجبات، وتوضخ الوثيقة أن مكانته الوظيفية كانت تلزمه باتباع إجراءات إدارية تنظم نفقاته رغم مكانته الأدبية، كما أن هناك رقابة مالية وإدارية على سفر كبار الموظفين.
تتضمن الأتى..
"قدم من اللجنة إلى المجلس بتاريخ 11 نوفمبر سنة 1907.. ورد في إفادة الديوان الخديوي المؤرخة في 19 أكتوبر من العام نفسه، أن أحمد شوقي بك، الذي يعمل رئيسًا لقلم الترجمة بالديوان الخديوي، كان قد صرح له بإجازة اعتيادية خارج القطر لمدة شهرين ونصف، وأثناء وجوده في الخارج، انتدب في مأمورية رسمية بمعية الجناب العالي، وبعد عودته، ورد إلى الديوان الخديوي طلب بصرف بدل سفر له عن مدة اثنتين وعشرين ليلة قضاها في تلك المأمورية الرسمية، وبعد عرض هذا الطلب على اللجنة المالية، ورؤيتها أن سفر المذكور قد بدأ بإجازة اعتيادية ثم تخللتها مأمورية رسمية، فقد رأت اللجنة الموافقة على صرف بدل السفر عن المدة التي قضاها في أداء المأمورية فقط، دون احتساب مدة الإجازة الاعتيادية، وقد اقتضي عرض الأمر على المجلس المالي لإصدار القرار بالاعتماد".
وتظهر الوثيقة الجانب الوظيفي الصارم في حياة أحمد شوقي أنه كان موظفًا حكوميًا يخضع للقواعد واللجان والقرارات، وأن شهرته كشاعر لم تعفه من الإجراءات الإدارية.

اجازة اعتيادية لمدة شهرين
وبعد قراءة الثلاث وثائق النادرة التي تتحدث عن أحمد شوقى، تؤكد لنا أنه سيظل علامة فارقة فى تاريخ المصرى يتمتع بمكانته الفردية في الثقافة المصرية والعربية يمكن تسميته بـ شاعر الدولة أو شاعر النهضة أو ورمزها الخالد بجانب أمير الشعراء.