يمثل مشروع قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذي ننفرد بنشره ويجرى مناقشته أمام لجنة الشؤون المالية والاستثمار بمجلس الشيوخ برئاسة النائب أحمد أبو هشيمة، خطوة تشريعية محورية ضمن جهود الدولة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري و قدرته على جذب الاستثمارات وبناء أسواق تنافسية عادلة.
ويأتي هذا المشروع استكمالا لمسار إصلاحات تستهدف تحسين بيئة الأعمال، عبر ضمان الحياد التنافسي، ومنع أي ممارسات من شأنها الإضرار بالمنافسة أو تعطيل دخول مستثمرين جدد.
ومن هذا المنطلق، فإن الجهاز يُعد أداة تنفيذية مركزية لتحقيق هذه السياسات على أرض الواقع.
ويأتي هذا المشروع تطويرًا للقانون رقم (3) لسنة 2005 بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، في ضوء ما كشف عنه التطبيق العملي من الحاجة إلى تعزيز صلاحيات جهاز حماية المنافسة وتحديث أدوات إنفاذ القانون بما يتسق مع الممارسات الدولية، ويكفل تحقيق التوازن بين حرية ممارسة النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وواجب الدولة في منع الممارسات الاحتكارية وصون آليات السوق من التشويه أو الانحراف.
ومن أبرز ما جاء به المشروع أنه نص لأول مرة على منح جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية سلطة توقيع جزاءات مالية إدارية على الأشخاص الاعتبارية المخالفة، عملا بما استقر في بعض الأنظمة المقارنة المتطورة، وبما يحقق الردع العام والخاص دون المساس بضمانات التقاضي، ويعزز من سرعة وكفاءة الاستجابة للانحرافات في السوق، مع فصل نظام الجزاءات المالية الإدارية عن العقوبات الجنائية بالنسبة للجرائم الضارة بالمنافسة.
كما حرص المشروع على تنظيم اختصاصات جهاز حماية المنافسة ونظام عمله وشئون أعضائه (شاغلي الوظائف الرقابية)، على نحو يكفل لهم الحيدة والاستقلال، تنفيذا لحكم المادة (216) من الدستور.
وانطلاقًا من الأهداف المتعلقة بتعزيز التنافسية، أكد مشروع القانون استقلال جهاز حماية المنافسة فنيا وإداريا وماليا، مع تبعيته لرئيس الجمهورية بما يضمن له القوة اللازمة في مواجهة أي ممارسات أو كيانات تُخل بقواعد السوق.
ويساند هذا الاستقلال قدرة الجهاز على القيام بدوره الرقابي دون تأثير خارجي، كما يسمح له بإنشاء فروع على مستوى الجمهورية لتوسيع نطاق عمله.
ويمهد هذا الإطار المؤسسي للانتقال إلى جانب جوهري يتعلق باختصاصات الجهاز وآليات تنفيذه لمهامه.
وبناءً على هذا الأساس التنظيمي المستقل، حدد المشروع دور الجهاز في حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية عبر مجموعة اختصاصات مترابطة تُشكل منظومة رقابية متكاملة.
وتشمل تلك الاختصاصات إجراء الفحص والتقصي حول الاتفاقات والممارسات الضارة بالمنافسة، سواء بشكل استباقي من تلقاء نفسه أو بناءً على شكاوى وبلاغات.
كما ترتبط تلك المهام بضرورة بناء قاعدة معلومات اقتصادية شاملة تُسهم في فهم هيكل السوق ورصد أي انحرافات تنافسية. ولتعزيز الوعي العام، يلزم القانون الجهاز بتنظيم برامج تدريبية وإصدار نشرات دورية، بما يضمن نشر ثقافة المنافسة ودعم بيئة استثمارية قائمة على الشفافية.
وانطلاقا من الحاجة لهيكل إداري قوي، جاء المشروع ليعزز حوكمة الجهاز عبر تشكيل مجلس إدارة متنوع يضم رئيسا متفرغا وخبراء من الاقتصاد والقانون ونائبًا من مجلس الدولة، بما يضمن توازن الخبرات واستقلال القرارات. وقد وُضعت شروط دقيقة لاختيار الرئيس والأعضاء لضمان النزاهة ومنع تضارب المصالح.
ويُعتبر مجلس الإدارة السلطة العليا التي ترسم سياسات الجهاز وتقرر الجزاءات وتعتمد اللوائح الداخلية، بينما يتولى رئيس الجهاز التنفيذ اليومي لتلك السياسات، ومتابعة الخطط، والتنسيق مع الجهات الرقابية محليًا ودوليًا.
ولتحقيق أعلى درجات الشفافية، وضع المشروع أحكاما صارمة للسرية، حيث حظر على العاملين بالجهاز إفشاء أي معلومات أو وثائق تتعلق بقضايا الفحص، كما منع استخدام هذه البيانات خارج سياقها القانوني. ويمتد هذا الالتزام حتى بعد انتهاء خدمة العاملين، مع حظر تعاملهم أو عملهم لدى الجهات الخاضعة للفحص لفترة زمنية محددة، بما يكفل حماية العملية الرقابية من أي تأثير أو تضارب مصالح.
ويتكامل هذا الجانب مع منح مأموري الجهاز صفة الضبطية القضائية، الأمر الذي يعزز قدرة الجهاز على جمع الأدلة والاطلاع على السجلات لدى الجهات المختلفة دون قيود.
وفي سياق استكمال الإطار المؤسسي لحماية المنافسة، أنشأ المشروع لجنة عليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء لدعم سياسات المنافسة والحياد التنافسي. ويمثل هذا التحرك توسعًا مهمًا في الرقابة على السياسات الحكومية نفسها، حيث تختص اللجنة بمراجعة التشريعات واللوائح لضمان توافقها مع قواعد المنافسة، وتصحيح التشوهات في الأسواق، وإلغاء الامتيازات غير المبررة لأي جهة اقتصادية تابعة للدولة.
ويرتبط دور هذه اللجنة ارتباطا مباشرا بجذب المستثمرين، إذ يضمن لهم أن الدولة نفسها ملتزمة بتطبيق معايير الحياد التنافسي على مؤسساتها قبل القطاع الخاص.