حبس - أرشيفية
5 إشكاليات تتصدر مشهد أزمة تنفيذ الأحكام في مصر، هى الأبرز بين العديد من الإشكاليات، تتمثل فى أزمات مدنية وأخرى جنائية بداية من صعوبة الحصول على الصيغة التنفيذية، والهروب من التنفيذ بطرق ملتوية، وطول فترة الدراسة الأمنية، وطول انتظار المدعى عليه، وضع لوحة على باب الشقة وتركها لعدم التنفيذ، حيث تُعد تنفيذ الأحكام واحدة من المشاكل الرئيسة التى تؤرق أصحاب الحقوق، وهو ما تحاول الدولة تفاديه من وقت لآخر.
وهناك آلاف الأحكام التى تصدر بشكل يومى، خاصة بعد أن وصل "رول" محكمة الجنح فى الدائرة الواحدة فى كثير من الأحيان إلى 500 قضية، وأحياناً 700 قضية، ورغم الصعوبة الشديدة والمعاناة التى يعانيها القضاة لإصدار الأحكام من أجل سرعة التقاضى كأمر اجتماعى مهم فى قضية العدالة الاجتماعية، وتحقيق السلم المجتمعى، إلا أن مسألة تنفيذ الأحكام تحتاج نظرة موضوعية كضمانة أكثر لمصير دولاب العدالة فيما يصدر عنه.

أزمة تنفيذ الأحكام.. حين تتعطل العدالة بعد صدورها
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أزمة تنفيذ الأحكام، ما يؤدى لتعطيل العدالة بعد صدورها، حيث تمر سنوات من التقاضى يذوق فيها الناس الويلات من أجل الوصول إلى حقوقهم فى أروقة المحاكم، ويتنفسون الصعداء عندما يحصلون على أحكام قضائية أن كانوا على قيد الحياة، وما أن يشرعوا فى التنفيذ حتى يواجهون بحزمة من الثغرات القانونية والإشكالات التى تجعل الحكم حبراً على ورق وتعيده من جديد إلى ساحة المحاكم – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامح فتح الله.
في البداية - تلعب إشكالات التنفيذ دورا هاما فى عرقلة التنفيذ والحيلولة بين حصول المحكوم له على حقه فور صدور الحكم، وذلك حين يقوم المحكوم ضده بالاستشكال أو تسخير الغير من أقاربه أو أصدقائه لرفعه، وفى كثير من الأحيان قد تنتصر في المحكمة وتخسر على الأرض، حيث تحصل على حكمٍ باسم الشعب، ثم تبدأ رحلة طويلة بحثًا عمّن ينفذه، ما بين نصوص القانون وإجراءات الواقع، تتبدد أحلام العدالة في دهاليز الإدارات – وفقا لـ"فتح الله".

هل تنتهى رحلة التقاضى بمجرد صدور الحكم؟
ويظن البعض أن رحلة التقاضي تنتهي بمجرد صدور الحكم، لكن في الواقع، تلك اللحظة التي يفرح فيها صاحب الحق بنصره القانوني ليست إلا بداية فصل جديد من المعاناة، فالقضية في مصر لا تموت بالهزيمة، ولا تحيا بالحكم، بل تبقى معلقة حتى يُنفذ ما قُضي به، وهنا تتعثر العدالة في أكثر مراحلها حساسية: مرحلة التنفيذ – هكذا يقول الخبير القانونى.
في المكاتب المزدحمة بإدارات التنفيذ، وبين أروقة أقسام الشرطة، تتجسد المعركة الصامتة بين 'الحق القانوني" و'الواقع الإداري"، حيث عشرات الملفات تنتظر توقيعًا أو مأمور ضبط أو قوة مرافقة، وربما حكم نهائي بات، لا يجد طريقه إلى التنفيذ إلا بعد شهور أو سنوات، ومع كل تأخير، تتآكل وتضيع الحقوق في نظر المواطن، الذي يرى أن العدل قد كُتب له على الورق، لكنه لم يصله على الأرض – طبقا لـ"فتح الله".

رحلة وصراع التنفيذ
المحامون يعرفون هذه المأساة عن قرب، فبعد الجهد في المرافعات والمذكرات، تأتي لحظة مواجهة الواقع البيروقراطي، يُفاجأ صاحب الحكم بموظف لا يجد الملف، أو جهة ترفض التعاون بحجة "عدم الاختصاص"، أو مدين يختبئ خلف ثغرات قانونية - وهكذا يتحول الحكم – وهو المفترض أنه نهاية الصراع – إلى بداية صراع جديد من نوع آخر: صراع التنفيذ.
من الناحية القانونية، منظومة التنفيذ تفتقد إلى 'الذراع الفاعلة"، فالقوانين موجودة، لكن تناثرها بين المحاكم، والشرطة، والبنوك، والإدارات الحكومية، جعلها أقرب إلى آلة ثقيلة بلا تروس متناسقة، والنتيجة: بطء شديد، وتناقض في القرارات، وفسحة واسعة للمماطلة أو التهرب حتى أن التنفيذ الجبري – الذي يُفترض أن يكون أداة ردع – أصبح في بعض الحالات عبئًا على الدائن أكثر من المدين – كما يرى "فتح الله".
.jpg)
مطاردة الحق في دهاليز الإدارة
أما على المستوى الاجتماعي، فإن تعثر تنفيذ الأحكام يُضعف الثقة في سلطة الدولة، ويُشجع البعض على مخالفة القانون بلا خوف من العقوبة، فمن يشعر أن الحكم لا يُنفذ، سيتعامل مع القضاء كإجراء شكلي لا يغير الواقع، وهكذا تتسلل الفوضى في ثوب من النظام، ويصبح المواطن بين خيارين أحلاهما مر: إما الصبر على الظلم، أو مطاردة الحق في دهاليز الإدارة – بحسب "فتح الله".
ورغم وجود محاولات جادة لتطوير المنظومة من خلال التحول الرقمي وربط الجهات القضائية بالداخلية والبنوك، إلا أن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى رؤية شاملة تعيد تعريف مفهوم التنفيذ. فربما آن الأوان لإنشاء جهاز قضائي متخصص أو شرطة تنفيذ تابعة لوزارة العدل، تملك صلاحيات واضحة لتنفيذ الأحكام مباشرة، دون وسطاء أو بيروقراطية معطِّلة.

تنفيذ الأحكام ليس مسألة إجرائية فقط
وفى الأخير يؤكد الخبير القانوني: إن تنفيذ الأحكام ليس مسألة إجرائية فحسب، بل هو معيار لهيبة الدولة نفسها، فالقضاء لا يُقاس بجلال المنصة ولا ببلاغة الأحكام، بل بقدرته على أن يُترجم العدالة إلى واقع، والعدالة التي تُكتب ولا تُنفذ، ليست عدالة كاملة، بل وعد مؤجل ينتظر من يفي به.
إن الإصلاح المنشود يبدأ من الاعتراف بأن التنفيذ هو الحلقة الأضعف في منظومة العدالة، فحين يُمنح القاضي سلطته دون أن تُمنح الدولة أدوات التنفيذ الكافية، يصبح الحكم مجرّد نص بلا أنياب، المطلوب اليوم هو إعادة هندسة منظومة التنفيذ بحيث تُدار بمفهوم حديث، يجمع بين الكفاءة القانونية والقدرة الأمنية، ويضمن سرعة التنفيذ دون الإخلال بحقوق المتقاضين.

كما يجب أن يمتد الإصلاح إلى ثقافة التنفيذ ذاتها، فإحترام الأحكام لا يتحقق فقط بالقوة الجبرية، بل بتعزيز وعي المجتمع بأن تنفيذ الحكم ليس انتقامًا، بل تطبيق لميزان العدالة، حيث إن بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة يبدأ من لحظة احترام الحكم القضائي وتنفيذه، لأن العدالة التي تتحقق ببطء، تُفقد قيمتها مع الزمن.