الأربعاء، 29 أكتوبر 2025 02:25 ص

قبل افتتاح المتحف المصرى الكبير.. مبادرة "صحح مفاهيمك" توضح السلوكيات المرفوضة شرعا فى التعامل مع السائح.. الاستغلال المالى والتضليل محرم شرعا.. التعامل غير اللائق مع السياح يعكس انعدام الوطنية والسائح مستأمن

قبل افتتاح المتحف المصرى الكبير.. مبادرة "صحح مفاهيمك" توضح السلوكيات المرفوضة شرعا فى التعامل مع السائح.. الاستغلال المالى والتضليل محرم شرعا.. التعامل غير اللائق مع السياح يعكس انعدام الوطنية والسائح مستأمن المتحف المصرى الكبير
الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 02:00 م
كتب لؤى على
 
 
يستعد العالم لافتتاح المتحف المصرى الكبير فى الأول من نوفمبر لعام 2025 بحضور ملوك ورؤساء العالم، وفى هذا السياق حدد وزارة الأوقاف موضوع الخطبة الثانية من خطبة الجمعة القادمة بعنوان" التعامل اللائق مع السياح".. وأكدت الوزارة إن الزيارات الخارجية للبلد أو ما يعرف بالسياحة تُعد من القطاعات الحيوية التي تشكِّل دورًا مهمًّا في التنمية الاقتصادية والثقافية لأي مجتمع، ثم إن حسن استقبال السياح والتعامل معهم بما تقتضيه الآداب الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الغير؛ يعكس صورة إيجابية عن البلد ويعزز من جاذبيته السياحية، كما أنه وسيلة مهمة لإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام وما يحمله من آداب عليا في احترام الآخر وحسن وفادته، ووبالمقابل، فإن التعامل غير اللائق مع السياح يمثل ظاهرة سلبية تضر بسمعة المجتمع وتؤدي إلى تراجع السياحة، وتكبّد الاقتصاد خسائر كبيرة.
 
وتهدف مبادرة "صحح مفاهيمك" إلى توعية أفراد المجتمع بضرورة تحسين سلوكيات التعامل مع السياح، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تؤدي إلى ظهور سلوكيات غير حضارية، مع التأكيد على القيم الدينية والأخلاقية التي تحث على حسن الخلق والكرم.
 
مكارم الأخلاق عنوان المسلم:
الأخلاق الحسنة في الإسلام هي أساس التعامل، والمسلم الصادق هو الذي يعامل الناس جميعا معاملة حسنة، مسلمين أو غير مسلمين، كما أمره الله {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، وكما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: التَّقْوَى، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِلَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ؟ قَالَ: الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ، وَالْفَرْجُ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» [رواه أحمد].
 
ولا يخفى أن الأخلاق الحسنة والتعامل الحسن كانت شعار المسلمين السابقين في نشر الإسلام وبيان ما يتضمنه من تعاليم وآداب، وكانت سببا في دخول الناس في دين الله أفواجا.
 
السائح مستأمن:
ولا يعني هذا مجرد توفير الطعام والشراب، بل يتعدى ذلك إلى توفير الأمان الشامل الذي يشمل الأمان النفسي، بحيث يشعر السائح بالاطمئنان والراحة وعدم الخوف من أي مكروه، ويشمل كذلك الأمان الجسدي، بحيث يكون محميًا من أي اعتداء أو إيذاء، وأيضًا الأمان المالي، فلا يجوز استغلاله أو خداعه أو ابتزازه، فالإضرار بالسائح أو انتهاك حرمته يُعدّ خرقًا صريحًا للتعاليم الإسلامية التي تُعلي من شأن الأمان والسلام. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه» [متفق عليه]، وفي رواية «‌مَنْ ‌سَلِمَ ‌النَّاسُ من لِسانِهِ ويَدِه» وهذا المبدأ ينطبق على كل البشر، بمن فيهم الزوار والسياح، فكيف إذا كانوا في ديار المسلمين ومستأمنين؟
 
حسن استقبال السياح من واجبات الضيافة:
حسن استقبال السُّياح مَعْلَمٌ من معالم "إكرام الضيف" المأمور بها شرعًا، أيًّا كانت ديانة هذا السائح، أو جنسيته حتى يُشعر الضيف أنه في موطن يحترمه ويقدِّره، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم قِرى الضيف بالإيمان بالله واليوم الآخر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». [متفق عليه].
 
وحسن الضيافة من عادة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فأول من ضيَّف الضيوف هو سيد إبراهيم عليه السلام قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: ٢٤].
 
قال الإمام الفخر الرازي: "فَإِنْ قِيلَ: بِمَاذَا أَكْرَمَهُمْ؟ قُلْنَا: بِبَشَاشَةِ الْوَجْهِ أَوَّلًا، وَبِالْإِجْلَاسِ فِي أَحْسَنِ الْمَوَاضِعِ وَأَلْطَفِهَا ثَانِيًا، وَتَعْجِيلِ الْقِرَى ثَالِثًا، وَبَعْدُ التَّكْلِيفُ لِلضَّيْفِ بِالْأَكْلِ وَالْجُلُوسِ". أ.ه. [مفاتيح الغيب، ٢٨/ ١٧٤].
 
والضيافة تشمل المؤمن وغيره، ولنا الأسوة الحسنة في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع "الوفود" التي وفدت إليها من غير المسلمين حيث تميزت بحسن الضيافة، والحكمة، والحصافة، والحِلم، والأناة، والصدق والأمانة مع تعدد مشاربهم، وتباين عقائدهم.
 
من هنا نفهم أن الضيافة لا تقتصر على إعداد الطعام والشراب فحسب، بل تشمل كذلك طلاقة الوجه، وإظهار الفرح بقدومه، وقد يحتاج السياح إلى مساعدة في العثور على مواقع سياحية أو الحصول على معلومة حول مكان ما، فكن متعاونًا قدر الإمكان، ولا تقدم لهم معلومات مُضلِّلة، واحترم ثقافتهم وعاداتهم، ولا تتخذ منهم مثاراً للضحك والسخرية.
 
التسامح مع السائح من أخلاقيات الإسلام:
حث الشارع الحكيم على "المسامحة" مع غير المسلم؛ فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» [رواه أحمد].
 
لهذا يجب علينا أن نتسامح في معاملاتنا مع زائري بلادنا خاصة عند "البيع والشراء"؛ لأن هذا ما حثنا عليه الإسلام؛ فعَنْ جَابِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» [رواه البخاري].
 
قال الإمام ابن حجر: "قوله: "سَمْحَاً": أي: سهلاً وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت؛ فلذلك كرر أحوال البيع والشراء، والتقاضي، والسَّمْح: الجواد يقال: سمح بكذا إذا جاد، والمراد هنا المساهلة...، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم".  [فتح الباري].
 
قال الطاهر بن عاشور عن السماحة إنها "أول أوصاف الشريعة، وأكبر مقاصدها...، وللسماحة أثر في سرعة انتشار الشريعة، وطول دوامها؛ إذ أرانا التاريخ أن سرعة امتثال الأمم للشرائع، ودوامَهم على اتباعها كان على مقدار اقتراب الأديان من السماحة، فإذا بلغ بعض الأديان من الشدة حداً متجاوزاً لأصل السماحة لحِق أتباعَه العنتُ، ولم يلبثوا أن ينصرفوا عنه أو يفرطوا في معظمه" [مقاصد الشريعة الإسلامية].
 
السياحة والتقارب الرشيد:
ما أحوجنا الآن إلى ترسيخ "ثقافة الضيافة الراشدة"، لا جعلها مجاملة اجتماعية فحسب؛ لأن السائح الذي يشعر بحسن معاملته يعود إلى دولته ناقلًا صورة مشرفة عن أهل البلد التي قَطَن فيها، وهو ما يُسهم في تعزيز التقارب الثقافي بين الشعوب والدول، ورد المغالطات الفكرية التي تثار عن أصحاب هذا البلد أو عن دينهم.
 
وعلى المرء أن يحترم النفس الإنسانية دون النظر للعقيدة أو الشكل أو الجنس أو العِرق؛ لأن الله أوجد البشرية، وجعل "التعارف" بينهم مقصداً أساسياً؛ لتسقيم الحياة على الأرض قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].
 
سلوكيات مرفوضة شرعا في التعامل مع السائح:
إذا كانت المعاملة الحسنة تعكس صورة حقيقية عن تعاليم الإسلام السمحة، والإنسان سفير لدينه ووطنه، وتصرفاته تُعبِّر عنه، وعن بيئته، ويحرص كل فرد في المجتمع على تقديم صورة إيجابية ابتداء من هيئته، وحديثه، وانتهاءً بتصرفاته اليومية؛ فإن المعاملة السيئة لا محالة تعكس صورة سيئة عن الإسلام وتعاليمه، ومن جملة هذه السلوكيات المرفوضة:
 
الاستغلال المالي، ربما يزين الشيطان للإنسان أن يحتال على السائح، أو يستغله بسبب عدم معرفته باللغة وبالأسعار، وهو محرم شرعًا.
الغش والخداع، وهو خلق مذموم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «مَن غَشَّ فلَيسَ مِنِّى» [رواه البيهقي]
الإساءة اللفظية، وهو أمر يتنافى مع ما دعا إليه الإسلام في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، وليحذر المسيء للسياح أن النبي صلى الله عليه وسلم خصيمه يوم القيامة؛ فعن صَفْوَان بن سُلَيْمٍ عن عِدَّةٍ، مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه أبو داود].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» [رواه النسائي، وأحمد].
 
قال العلامة علي القاري: "مِنْ لِسَانِهِ": أي: بالشتم، واللعن، والغيبة، والبهتان، والنميمة، والسعي إلى السلطان، وغير ذلك، حتى قيل: أول بدعة ظهرت قول الناس الطريق الطريق. "وَيَدِهِ": بالضرب، والقتل، والهدم، والدفع، والكتابة بالباطل، ونحوها، وخصا؛ لأن أكثر الأذى بهما، أو أريد بهما مثلاً، وقدم اللسان؛ لأن الإيذاء به أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية كما قال: وعبر به دون القول؛ ليشمل إخراجه استهزاء بغيره ...، فهي استصلاح، وطلب للسلامة". [مرقاة المفاتيح].
 
التضليل عند طلب المساعدة، الإرشاد إلى الأماكن أمر حث عليه الإسلام ورتب على ذلك أجرا، وعده من أبواب الصدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوَلَيْسَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التكبير،.. وتدلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا» فالواجب علينا أن نتعامل بأمانة في توجيه السياح خاصة في اختيار الأماكن الأنسب لهم وإرشادهم إلى الطرق الموصلة لها.
 
التعامل غير اللائق مع السياح دليل على انعدام الوطنية الحقيقية:
الانتماء للوطن لا يكون بالشعارات الرنانة، ولا العبارات الفضفاضة الجوفاء، ولكن بالعمل والبناء، والدفاع عنه، وبذل الغالي والنفيس حتى تظل رايته عالية خفَّاقة، ولا خلاف أن التعامل غير اللائق مع السائح يعطي انطباعاً سيئاً عن أهل هذه البلد، ويقلل من جاذبيتها السياحية، وبالتالي يتكبَّد الاقتصاد المحلي خسائر فادحة، ومن ثم يؤثر على التنمية والتقدم بشكل عام.
 
كما أنها تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الدخل القومي، وزعزعة الاستقرار والثقة في التعامل مع أهل هذه البلاد، وتجعل السياح حذرين متوجسين حين التجوال والتنقل، فتنعدم قيم الصدق والأمانة، والعدل، والاحترام المتبادل، والمحبة والألفة، وتسود صور الاستغلال والجشع، والكذب والخيانة، وهذا ما يتعارض مع جماليات الإسلام، وأعراف وتقاليد هذا الوطن.

 


الأكثر قراءة



print