السبت، 18 أكتوبر 2025 02:34 م

فى حوار شامل بعد فوزه بأرفع منصب ثقافى فى العالم.. خالد العنانى: فخور بدبلوماسية مصر.. والثقافة أداة لبناء السلام.. مدير عام اليونسكو المنتخب: اختيارى تأكيد لإيمان العالم بدور القاهرة

فى حوار شامل بعد فوزه بأرفع منصب ثقافى فى العالم.. خالد العنانى: فخور بدبلوماسية مصر.. والثقافة أداة لبناء السلام.. مدير عام اليونسكو المنتخب: اختيارى تأكيد لإيمان العالم بدور القاهرة الدكتور خالد العناني
الجمعة، 17 أكتوبر 2025 03:00 م
حوار - آمال رسلان
مدير عام اليونسكو المنتخب: اختيارى تأكيد لإيمان العالم بدور القاهرة
 
المرأة ستكون شريكًا فى قيادة اليونسكو.. وعندما نُمكّن المرأة نمنح العالم كله مستقبلًا أفضل
 
واجبى جعل المنظمة أكثر قربًا من الناس وأكثر استجابة لاحتياجاتهم.. وتوسيع فرص مشاركة الشباب فى مواقع صنع القرار الدولى
 
 
فى لحظة فارقة من تاريخ منظمة اليونسكو، حيث تتقاطع التحديات العالمية بين أزمات المناخ، وتراجع التعليم، وصراعات الهوية الثقافية، يتقدّم اسم مصرى ليحمل على عاتقه رسالة الثقافة الإنسانية فى زمن الانقسام.
 
 
إنه الدكتور خالد العنانى، المدير العام الجديد للمنظمة، الذى جاء اختياره – كما يقول – «تأكيدًا على إيمان العالم بدور مصر فى صياغة مستقبل اليونسكو»، وعلى ثقة المجتمع الدولى فى قدرة القاهرة على أن تكون صوت التوازن بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب.
 
منذ اللحظة الأولى لإعلان فوزه بالمنصب، بدا واضحًا أن العنانى لا يتعامل مع اليونسكو كمؤسسة بيروقراطية، بل كـ«منصة للحوار والتفاهم بين الشعوب»، تنفتح على الناس وتلهم مستقبلهم، ففى رؤيته، الثقافة ليست ترفًا فكريًا بل أداة لبناء السلام، وحماية التراث ليست مجرد عمل أثرى، بل فعل إنسانى وأخلاقى يستعيد ذاكرة الشعوب وكرامتها الثقافية.
يؤمن العنانى بأن أفريقيا والعالم العربى يستحقان تمثيلًا أوسع فى خريطة التراث العالمى، «فإنصافهما ليس ترفًا دبلوماسيًا بل ضرورة حضارية»، كما يؤكد أن تمكين الشباب والمرأة ليس بندًا فى جدول التنمية، بل شرط لبناء مستقبل أكثر عدلًا وشمولًا.
 
وفى حواره معه يتحدث المدير العام لليونسكو عن رؤيته لإعادة بناء حضور المنظمة فى عالم مضطرب، وعن الثقافة كقوة سلام، والسياحة الثقافية كرسالة إنسانية قبل أن تكون نشاطًا اقتصاديًا، وعن التزامه بأن يجعل من اليونسكو بيتًا جامعًا للثقافات لا ساحةً للتجاذبات السياسية.
 
 
فى البداية كيف تنظر إلى دلالة توليك المنصب فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنظمة والعالم وما أبرز أولوياتك فى السنوات الأولى من ولايتك؟
مسؤولية كبيرة وشرف عظيم فى الوقت ذاته، فنحن نعيش اليوم فى عالمٍ يشهد تحولات غير مسبوقة: تحديات فى التعليم، وأزمات مناخية متصاعدة، وصراعات تهدد التراث الإنسانى، وانقسامات فكرية وثقافية تتطلب من اليونسكو أن تعود إلى جوهر رسالتها، رسالة بناء السلام فى عقول البشر من خلال التعليم والثقافة والعلوم.
 
دلالة هذا الاختيار، فى رأيي، تتجاوز شخصى، فهى تعبير عن ثقة الدول الأعضاء فى أهمية التنوع الجغرافى والثقافى داخل المنظمة، وعن إيمان العالم بدور مصر ومنطقتنا العربية والأفريقية فى صياغة مستقبل اليونسكو بروح جديدة ومقاربة أكثر شمولًا وإنسانية.
 
 
وماذا عن الأولويات؟
أولوياتى فى السنوات الأولى، تتمحور حول خمس ركائز رئيسية، أولها إعادة تأكيد دور اليونسكو كمنصة للحوار والتفاهم بين الشعوب، لا كمجرد هيئة فنية، وثانياً، إصلاح المنظومة التعليمية عالميًا عبر تعزيز الجودة، وتقليص الفجوة الرقمية، وضمان حق التعليم للجميع دون تمييز، وثالثاً، حماية التراث الثقافى والطبيعى فى مناطق النزاع ومواجهة تحديات التغير المناخى التى تهدد هذا التراث، ورابعاً، تمكين الشباب والمرأة باعتبارهم المحرك الحقيقى للتنمية والاستدامة، وخامساً، تعزيز العمل الميدانى للمنظمة، وخاصة فى أفريقيا والدول النامية، ليصبح وجود اليونسكو أكثر قربًا وفاعلية وتأثيرًا فى حياة الشعوب.
 
إننى أؤمن أن هذه المرحلة تتطلب من اليونسكو روحًا جديدة تجمع ولا تفرق، تبنى ولا تُقصى، وأن واجبى فى هذه المسؤولية هو أن أجعل المنظمة أكثر قربًا من الناس... وأكثر استجابة لاحتياجاتهم... وأكثر إلهامًا لمستقبلهم.
 
 
تم تشكيل فريق الحملة الانتخابية من شباب الدبلوماسيين الذين أداروا ملفات التواصل والإعلام والجولات الدولية.. كيف ترون انعكاس هذه التجربة على مستقبل العمل الدبلوماسى المصرى ؟
كانت تجربة الحملة الانتخابية نموذجًا ملهِمًا فى الاعتماد على الكفاءات الشابة داخل وزارة الخارجية المصرية، وهى تجربة أفتخر بها كثيرًا، فقد كان فريق الحملة مكوَّنًا فى معظمه من شباب من الدبلوماسيين والباحثين أظهروا التزامًا، إبداعًا، وحسًّا وطنيًا عاليًا، واستطاعوا من خلال عملهم الدؤوب والمبتكر أن يقدموا صورة جديدة ومشرّفة للدبلوماسية المصرية الحديثة - دبلوماسية قادرة على التواصل، والاستماع، وبناء جسور الثقة مع مختلف الأطراف حول العالم.
 
بالطبع، هذه التجربة أكدت لى أن الشباب ليسوا فقط مستقبل العمل الدبلوماسى، بل أيضًا حاضره، وأن تمكينهم ليس خيارًا، بل ضرورة، لقد تعلمت من هذه التجربة أن الاستثمار فى الشباب يمنح أى مؤسسة طاقة جديدة ورؤية مختلفة، ويُدخل روح المبادرة فى العمل الجماعى.
 
ومن هذا المنطلق، نعم، سأعمل داخل اليونسكو على توسيع فرص مشاركة الشباب فى مواقع صنع القرار الدولى، سواء من خلال برامج تدريب وتأهيل داخل المنظمة، أو عبر مبادرات تُشرك الشباب فى صياغة السياسات والمشروعات التى تمس مستقبلهم بشكل مباشر.
 
كما أؤمن أن تمكين الشباب يجب أن يكون تمكينًا حقيقيًا وليس رمزيًا، أى أن تُمنح لهم الثقة والمسؤولية والمساحة الكاملة للتأثير. واليونسكو، بما تحمله من رسالة إنسانية وتربوية، هى المنصة المثالية لتحقيق ذلك.
 
إننى مؤمن بأن مستقبل العالم، ومستقبل المنظمة، لن يُبنى إلا بعقول الشباب وأيديهم وإبداعهم.
 
 
بعد تعيينكم راعيًا للتراث الأفريقى كيف ستعملون على تعزيز حضور أفريقيا فى خريطة التراث العالمى؟
سؤال بالغ الأهمية، لأنه يلامس واحدة من القضايا الجوهرية فى منظومة عمل اليونسكو، وهى عدالة التمثيل فى قوائم التراث العالمى.
 
عندما تم اختيارى راعياً للتراث الأفريقى من قِبل صندوق التراث العالمى، اعتبرت ذلك تكليفاً ومسؤولية قبل أن يكون شرفاً، لأن القارة الأفريقية، رغم غناها الهائل بالتنوع الثقافى والطبيعى، ما زالت تعانى من ضعف تمثيلها النسبى على خريطة التراث العالمى، مقارنة بالمناطق الأخرى.
 
ورؤيتى فى هذا الإطار تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، حيث سنعمل على دعم بناء القدرات الوطنية والمؤسسية فى الدول الأفريقية، حتى تتمكن من إعداد ملفات ترشيح قوية ومتكاملة للانضمام إلى قوائم التراث العالمى، مع التركيز على نقل المعرفة والخبرة الفنية فى هذا المجال.
 
كذلك سنقوم بتعزيز التعاون الإقليمى والدولى من خلال إنشاء شراكات بين الدول الأفريقية والدول الأعضاء الأخرى، وتفعيل آليات الدعم الفنى والمالى، لأن تسجيل موقع تراثى ليس مجرد اعتراف رمزى، بل يتطلب إمكانات كبيرة لحمايته وصيانته وإدارته بشكل مستدام.
 
بالتوازى مع ذلك سنعمل على تصحيح التوازن الجغرافى فى قوائم التراث من خلال مراجعة المعايير وتوسيع نطاق النظر فى القيمة العالمية الاستثنائية للمواقع، بما يتيح الاعتراف بخصوصية وتنوع التجارب الثقافية الأفريقية.
 
أفريقيا ليست فقط مهد الإنسانية، بل هى ذاكرة العالم الحية، وأؤمن أن تعزيز حضورها فى خريطة التراث العالمى ليس مجرد إنصاف تاريخى، بل ضرورة حضارية تسهم فى بناء فهم أكثر شمولاً للهوية الإنسانية المشتركة.
 
ولذلك، سأعمل من موقعى على أن تكون أفريقيا شريكاً فاعلاً لا متلقياً، وأن يُسمع صوتها بوضوح داخل اليونسكو، بما يليق بتاريخها وإسهامها الحضارى العريق.
 
 
بوصفك أول مسؤول فى تاريخ المنظمة يجمع بين خبرة السياحة والآثار والثقافة كيف تخطط للاستفادة من هذا المزيج لتعزيز مفهوم «السياحة الثقافية المستدامة»؟
هذا ملف بالغ الأهمية لأنه يلقى الضوء على تقاطع ثلاث ركائز أساسية تشكّل جوهر رسالة اليونسكو: الثقافة، والتراث، والتنمية المستدامة، والجمع بين خبرتى الأكاديمية والميدانية فى الآثار والثقافة والسياحة أتاح لى فهماً عميقاً للعلاقة التكاملية بين هذه المجالات، وكيف يمكن تحويلها إلى قوة ناعمة للتنمية وبناء الجسور بين الشعوب.
 
ورؤيتى لتعزيز مفهوم السياحة الثقافية المستدامة ترتكز على الاستفادة من التراث كمورد تنموى مستدام، وليس كمصدر استهلاك اقتصادى مؤقت،  فالمواقع الأثرية والمناطق الثقافية ليست مجرد وجهات سياحية، بل هى فضاءات للتعليم، والتبادل الثقافى، وتعزيز الفخر بالهوية المحلية، كذلك على دمج المجتمعات المحلية فى إدارة المواقع السياحية والثقافية، بما يضمن استفادتهم المباشرة من عوائد التنمية، ويعزز إحساسهم بالمسؤولية تجاه حماية تراثهم، إن إشراك الإنسان فى حماية تراثه هو الضمان الحقيقى لاستدامته.
 
كذلك سأعمل على تعزيز التعاون الدولى وتبادل الخبرات من خلال برامج اليونسكو الخاصة بالتنمية المستدامة والسياحة الثقافية، بحيث نخلق نموذجًا عالميًا يقوم على التوازن بين الحفاظ على التراث وتشجيع الاقتصاد الثقافى المسؤول.
 
ومن خلال هذا المنظور، أرى أن السياحة الثقافية المستدامة يمكن أن تكون أداة فعالة ليس فقط لتحقيق أهداف التنمية، بل أيضًا لبناء الحوار والتفاهم بين الشعوب، لأن كل زيارة لموقع تراثى هى فى جوهرها رحلة نحو معرفة الآخر واحترام تاريخه وإنسانيته.
 
لذلك، أتعهد بأن تعمل اليونسكو فى عهدى على ترسيخ هذا المفهوم عالميًا، حتى تصبح السياحة الثقافية رسالة سلام قبل أن تكون نشاطاً اقتصادياً.
 
 
تواجه المنظمة تحديات مالية وهيكلية منذ سنوات، فهل لديكم رؤية محددة لإعادة تموضع اليونسكو كمؤسسة دولية مؤثرة فى عالم متعدد الأقطاب؟
بالفعل، اليونسكو تمر منذ سنوات بتحديات مالية وهيكلية معقدة، تعود فى جزء منها إلى التحولات الجيوسياسية العالمية، وتراجع الثقة فى العمل متعدد الأطراف أحياناً، إضافة إلى الضغوط على ميزانيات الدول الأعضاء. ومع ذلك، أؤمن بأن هذه التحديات لا تمثل أزمة بقدر ما تمثل فرصة لإعادة التموضع والتجديد.
 
وسأعمل على تعزيز الكفاءة والحوكمة داخل المنظمة، فمن الضرورى إعادة النظر فى آليات العمل الإدارى والمالى لتصبح أكثر مرونة وشفافية، مع تطوير نظم المراقبة والمساءلة، فاليونسكو بحاجة إلى أن تعمل بطريقة تعكس الثقة التى يوليها لها المجتمع الدولى، وأن تُظهر أن كل دولار يُستثمر فيها يعود بقيمة مضافة ملموسة للدول الأعضاء.
 
كما سنقوم بتنويع مصادر التمويل والشراكات، من خلال بناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية الدولية والجامعات ومراكز الأبحاث، بما يحافظ على استقلالية المنظمة، ويضمن فى الوقت نفسه تدفقاً مستداماً للموارد، كما سنفعّل آليات التمويل المبتكر لدعم المشروعات الكبرى فى مجالات التعليم والثقافة وحماية التراث.
 
وسنقوم بإعادة تموضع اليونسكو سياسيًا ومعنويًا فى عالم متعدد الأقطاب، وأن تكون اليونسكو منصة للحوار بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وبيتًا جامعًا للثقافات، وليست ساحةً للتجاذبات السياسية، سنعمل على أن تستعيد المنظمة دورها كمحرك فكرى وإنسانى عالمى، يقود النقاشات الكبرى حول مستقبل التعليم، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعى، والتنوع الثقافى، وحماية البيئة.
 
باختصار، رؤيتى هى أن تعود اليونسكو لتكون ضمير العالم فى زمن تتزايد فيه الحاجة إلى الحوار، وأن نبرهن أن القوة الحقيقية للمنظمة لا تُقاس بحجم ميزانيتها، بل بعمق أثرها الإنسانى والمعرفى.
 
 
كيف يمكن لليونسكو أن تعزز آلياتها لحماية المواقع التراثية فى مناطق النزاع مثل غزة أو السودان أو أوكرانيا؟
 
 
هذا الملف يلامس جوهر رسالة اليونسكو الإنسانية فى أصعب ظروفها - حماية التراث عندما يصبح فى قلب الخطر.
لقد تعلمت من تجربتى فى وزارة السياحة والآثار أن حماية التراث ليست مجرد عمل هندسى أو أثرى، بل هى عمل إنسانى وسياسى وأخلاقى فى المقام الأول، فالمواقع الأثرية ليست حجارة، بل ذاكرة الشعوب وهويتها وكرامتها الثقافية.
 
ولتعزيز دور اليونسكو فى مناطق النزاع، سنعمل على مقاربة شاملة تجمع بين الوقاية، والاستجابة، وإعادة الإعمار، من خلال أولاً: تعزيز نظام الإنذار المبكر والوقاية، عبر تطوير آليات الرصد الميدانى بالتعاون مع مكاتب المنظمة الإقليمية والمنظمات الشريكة، لا سيما فى أفريقيا والشرق الأوسط، الهدف هو التدخل المبكر لحماية المواقع المهددة قبل أن تتعرض للدمار، من خلال دعم التوثيق الرقمى ثلاثى الأبعاد، وإنشاء قواعد بيانات متكاملة للتراث المعرّض للخطر.
 
ثانيًا، سنعزز آلية «الاستجابة الطارئة للتراث» التى أطلقتها المنظمة فى السنوات الماضية، لتصبح أكثر سرعة وفاعلية، مع تعبئة فرق دولية متخصصة فى الإنقاذ والتقييم الميدانى، كما سنعمل مع الدول الأعضاء لتأمين الممرات الإنسانية للتراث الثقافى، وضمان احترام الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة.
 
ثالثًا وخلال مرحلة ما بعد الصراع و«إعادة الإعمار الثقافى»، اليونسكو ستكون شريكًا أساسيًا فى إعادة بناء المجتمعات من خلال ترميم تراثها المادى واللامادى، كما فعلنا سابقاً فى العراق وسوريا ومالى، فإعادة بناء موقع أثرى ليست مجرد عملية هندسية، بل هى إعادة بناء للثقة والانتماء والهوية الوطنية.
 
وفيما يخص غزة والسودان وأوكرانيا، نتابع عن كثب أوضاع المواقع التراثية هناك، وسنواصل حشد الدعم الدولى لحمايتها، بالتعاون مع الدول المجاورة والمؤسسات الدولية، هذه المواقع ليست ملكاً لأممها فقط، بل ملكٌ للإنسانية جمعاء، وحمايتها مسؤولية أخلاقية تقع على عاتقنا جميعًا.
 
 
فى ظل التحول الرقمى الهائل، ما الدور الذى يجب أن تلعبه اليونسكو لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعى أداة لتوسيع فرص التعليم لا لتكريس الفجوة بين الشمال والجنوب؟
سؤال جوهرى لأنه يمس أحد أهم تحديات عصرنا، وهى كيف نحول الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعى إلى قوة للتمكين.
 
وفى رأيى، الدور المحورى لليونسكو فى هذا السياق هو ضمان العدالة الرقمية، أى أن تكون التقنيات الحديثة وسيلة لتمكين الإنسان، لا لاستبعاده أو تعميق الفجوات بين الدول.
 
فيجب أن تكون الإنسانية فى قلب الذكاء الاصطناعى، واليونسكو كانت أول منظمة أممية تعتمد إطارًا عالميًا لأخلاقيات الذكاء الاصطناعى، وهو إنجاز كبير يجب البناء عليه، لكن التطبيق هو التحدى الحقيقى. سأعمل على دعم الدول النامية، خصوصًا فى أفريقيا والعالم العربى، لبناء قدراتها التقنية والمؤسسية، حتى لا تكون مجرد مستخدم للتقنيات، بل شريكًا فى إنتاجها وتطويرها.
 
أما فى مجال التعليم، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعى أداة لتوسيع فرص التعلم وليس بديلاً عن المعلم أو المدرسة، ولذلك سنعمل على إطلاق مبادرات تربط الابتكار الرقمى باحتياجات المجتمعات المحلية، وتوفر محتوى تعليمياً رقمياً بلغات متعددة، بما فى ذلك اللغات الأفريقية والعربية، لضمان شمول الجميع، كما يجب تطوير مهارات التفكير النقدى والإبداعى لدى الطلاب ليصبحوا قادرين على استخدام الذكاء الاصطناعى بوعى ومسؤولية.
كذلك سنعمل على بناء الجسور الرقمية بين الشمال والجنوب، من خلال معالجة الفجوة التكنولوجية عبر شراكات استراتيجية بين الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية لتوسيع البنية التحتية الرقمية، وخاصة فى المناطق الريفية والأقل نمواً.
 
 
تؤمن اليونسكو بأن الثقافة جسر للتفاهم بين الشعوب كيف يمكن تفعيل هذه الفكرة عمليًا فى عالم يشهد تصاعدًا للانقسامات والصراعات الثقافية؟
كانت قناعتى من البداية، ولا تزال، أن الثقافة ليست رفاهية ولا ترفًا فكريًا، بل هى أداة جوهرية لبناء السلام، فحين تتراجع السياسة، يمكن للثقافة أن تفتح الأبواب المغلقة وتعيد الثقة بين الشعوب.
 
وتفعيل هذا الإيمان عمليًا يبدأ من تحويل الثقافة من خطاب إلى ممارسة، أول خطوة هى أن نجعل العمل الثقافى فى اليونسكو أكثر حضورًا على الأرض، عبر دعم المبادرات المحلية التى تخلق مساحات للحوار والتبادل، لا سيّما فى مناطق التوتر والصراع، فعوضًا عن أن تكون الثقافة شأنًا نخبوياً، يجب أن تصبح لغة الناس اليومية - فى المدارس، فى الإعلام، وفى الفضاءات الرقمية.
 
كما أنى أرى أن التراث الثقافي، المادى وغير المادى، هو جسر التواصل الأكثر صدقًا بين الأمم، سنعمل على برامج تُبرز ما يجمع بين الشعوب، لا ما يفرّقها - فالموسيقى، والحرف التقليدية، والقصص الشعبية، كلها عناصر توحد وجدان الإنسان أينما كان.
 
وفى ظل تصاعد الانقسامات الثقافية، على اليونسكو أن تلعب دور «الوسيط الثقافى العالمى»، عبر تعزيز الحوار بين الحضارات والأديان، وإطلاق مبادرات مشتركة بين الشباب من مناطق وثقافات مختلفة، لترسيخ قيم التسامح والتفاهم.
وأخيرًا، تحت شعار حملتى «اليونسكو من أجل الشعوب»، أؤمن أن الثقافة ليست مجرد ذاكرة الماضى، بل وسيلة لصياغة مستقبل مشترك. حين نحترم تنوعنا، نكتشف أننا أكثر تشابهًا مما نظن، وأن الإنسانية هى القاسم الأعظم بيننا جميعًا.
 
 
ما الدور الذى تلعبه المرأة فى رؤية اليونسكو الجديدة، وهل هناك برامج محددة لتمكين النساء فى مجالات التعليم والعلوم والتراث؟
تمكين المرأة ليس محورًا من محاور عمل اليونسكو فحسب، بل هو مبدأ مؤسس وجوهر كل تنمية مستدامة حقيقية.
من وجهة نظرى، لا يمكن تحقيق السلام أو الازدهار أو الابتكار دون مشاركة فاعلة ومتساوية للمرأة فى صياغة المستقبل.
 
فى الرؤية الجديدة لليونسكو، ستكون المرأة شريكًا فى القيادة وصاحبة صوت فى القرار، لا مجرد مستفيدة من البرامج.
وسأعمل على تعزيز ثلاثة مسارات، أولًا، فى التعليم، سنعمل على ضمان حصول الفتيات على فرص تعليمية عادلة منذ المراحل الأولى وحتى التعليم العالي، مع التركيز على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) للفتيات، لأن التمكين المعرفى هو الأساس لأى تمكين اقتصادى أو اجتماعى لاحق.
 
ثانيًا، فى العلوم والثقافة، سنوسع برامج اليونسكو التى تدعم النساء الباحثات والعالمات، خاصة فى أفريقيا والعالم العربى، عبر منح وفرص تدريب وشبكات تواصل مهنية تُبرز إسهامات النساء فى مجالات البحث العلمى وحماية التراث، كما سنعزز حضور المرأة فى إدارة المواقع التراثية والبرامج الثقافية.
 
ثالثًا، فى التراث غير المادى وريادة الأعمال الثقافية، سنعمل على دعم النساء الحرفيات والفنانات اللواتى يحملن تقاليد ثقافية أصيلة، لمساعدتهن فى تحويل مهاراتهن إلى مشاريع مستدامة تعزز الاقتصاد المحلى وتحافظ على الهوية الثقافية فى آنٍ واحد.
 
باختصار، تمكين المرأة فى رؤية اليونسكو الجديدة ليس بندًا فى جدول الأعمال، بل هو عدسة ننظر من خلالها إلى كل برامجنا وسياساتنا، فعندما نُمكّن المرأة، نحن لا نمنح نصف العالم فرصة، بل نمنح العالم كله مستقبلًا أفضل.
 

الأكثر قراءة



print