عندما انعقدت قمة شرم الشيخ للسلام يوم الاثنين الماضى، استطاعت جيورجيا ميلونى، رئيسة وزراء إيطاليا أن تلفت الأنظار، وتخطف الكاميرا أحيانا من كبار زعماء العالم الحاضرين لمنتجع البحر الأحمر لتوقيع اتفاق غزة التاريخى الذى أنهى عامين من الحرب.
ما بين نصيحة الرئيس التركى أردوغان لها بضرورة الإقلاع عن التدخين، ووصف ترامب لها بالسيدة الجميلة، هيمنت ميلونى على تعليقات مستخدمى مواقع التواصل فى جميع أنحاء العالم، التى تناولت بالرصد والتعليق والسخرية المواقف التى حدثت مع المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال من قادة العالم أثناء اجتماعهم على أرض مصر.
لم تكن هذه المرة الأولى التى تكون فيها ميلونى محط اهتمام، فأينما ذهبت تتابعها الكاميرات، وترصد تعبيرات وجهها القوية والصادمة أحيانا، ليتساءل كثيرون عن هذه السيدة التى جاءت من عالم الصحافة والإعلام إلى عالم السياسة لتكون خلال سنوات قليلة أحد أبرز قادة أوروبا.
من قلب اليمين إلى زعامة أوروبا
فى الوقت الذى كان فيه صعود حزب التجمع الوطنى بقيادة مارين لوبان فى فرنسا يثير المخاوف فى أنحاء القارة العجوز بشأن المكاسب السياسية التى يمكن أن يحققها اليمين المتطرف على المدى البعيد، جاء صعود ميلونى فى إيطاليا ليعزز تلك المخاوف، فحذر المحللون من الخطر الذى يداهم إيطاليا وأوروبا لو نجحت زعيم حزب لإخوة إيطاليا فى الإمساك بزمام الحكم.
تعبر ميلونى، أول سيدة تتولى منصب رئيسة الحكومة فى تاريخ إيطاليا، عن مزيج نادر بين اليمينية القومية الشعبوية والبراجماتية السياسية، ما أكسبتها إعجاب كثيرين حتى ممن يتبنون نهجًا مغايرًا لأيديولوجيتها السياسة.
بدأت ميلونى، مسيرتها السياسية فى سن مبكر، عندما انضمت لحركة الشباب التابعة للحزب الاجتماعى الإيطالى، الذى له جذور فاشية، مما جعل كثيرون يتهمونها بتمجيد الفاشية ورمزها الأبرز موسولينى، الذى اتهمها البعض بتمجيده، لكنها نفت ذلك.
أصبحت جيورجيا عضو فى مجلس النواب منذ عام 2006، ثم وزيرة للشباب فى حكومة بيرلسكونى من عام 2008 إلى 2011، وكانت أغير من تقلد الوزارة.
فى عام 2012، أسست ميلونى حزب أخوة إيطاليا وأصبحت رئيسة له فى عام 2014، وشاركت فى الانتخابات الأوروبية فى نفس العالم. ظل الحزب فى صفوف المعارضة حتى الانتخابات العامة الإيطالية لعام 2022 التى فاز فيها بأغلبية الأصوات لتشكل ميلونى الحكومة فى 22 أكتوبر 2022 وحتى الآن.
تصف ميلونى نفسها بأنها مسيحية محافظة، وتقول إنها تدافع عن "الله والوطن والأسرة"، وتعارض الإجهاض والموت الرحيم وزواج المثلييين، وتؤكد أن الأسرة الأولية تتكون من زوجين ذكر وأنثى.. وتعرف بعدائها الشديد للمهاجرين، وتؤمن بضرورة غلق الحدود الأوروبية أمام قوارب المهاجرين القادمة من أفريقيا.
بعد توليها الحكم، بذلت ميلونى جهدًا كبيرًا لتحقيق الاحترام الذى استعصى على أحزاب يمينية أخرى، مثل حزب لوبان. وقد استقبلها الرئيس لأمريكى السابق جو بايدن فى البيت الأبيض، ثم سلفه ترامب. وحظيت بقبول أحزاب الوسط فى الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر مثير للدهشة بالنظر إلى أصولها الفاشية المعلنة فى مسيرتها المهنية، بحسب ما قالت صحيفة الجارديان البريطانية فى تقرير لها العام الماضى، وأشارت إلى أن ميلونى فى غضون عامين فقط من توليها الحكم، فاجأت الكثيرين ببراجمايتها السياسية وذكائها.
فرغم ترأسها لحزب معروف بعدائه للاتحاد الأوروبى، عملت ميلونى عن كثب مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وقدمت تنازلات ضرورية للحصول على تمويل أوروبى لأجندتها الداخلية، كما أنها تعد من أقوى أنصار أوكرانيا، وهو ما أثار دهشة أيضا نظرًا لدفاع اليمين فى أوروبا عادة عن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. كل هذه السياسات جعلت ميلونى تبرز فى وقت قصير كأحد قادة أوروبا، مزاحمة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى سعى بقوة إلى إثبات نفسه فى قيادة القارة العجوز فى وقت تواجه فيها تحديات هائلة من الشرق والغرب.
لم يكن التوازن الدولى الذى تبنته ميلونى وحده سببًا فى الشعبية التى حققتها والاستقرار الذى أرسته لإيطاليا. فقد لعب أدائها الاقتصادى أيضا دورًا كبيرًا فى هذه الشعبية. فبعد ثلاثة أعوام من توليها الحكم، حقق اقتصاد إيطاليا معدلات نمو، وتحسنت الأرقام بشكل لاقى استحسانًا من المحللين، الذين رأوا انها ادارت هذا الملف باحترافية بعيدة عن سياسات أقصى اليمين.