كتب ـ هشام عبد الجليل
في إطار ترسيخ دولة المؤسسات وتدعيم الممارسة الديمقراطية، جاءت اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ لتشكل خريطة تفصيلية لضبط الأداء البرلماني داخل المجلس، سواء من حيث التنظيم الحزبي للهيئات البرلمانية أو من حيث جودة الصياغة التشريعية واستمرارية العمل داخل اللجان النوعية من دور انعقاد إلى آخر.
فقد نصت المادة (104) من اللائحة على أن كل حزب سياسي له أكثر من عضوين بالمجلس يخطر رئيس المجلس كتابة بأسماء ممثليه ونائبه وأعضائه في بداية كل دور انعقاد، بما يضمن وضوح الانتماءات الحزبية وتنظيم العمل داخل الكتل البرلمانية، مع إلزام الحزب بإبلاغ رئيس المجلس بأي تغيير خلال سبعة أيام من حدوثه، حفاظًا على الدقة والانضباط.
وتكمل المادة (105) هذا الإطار بتأكيد أن ممثل الهيئة البرلمانية هو المتحدث باسمها والمعبر عن توجهاتها داخل الجلسات العامة واللجان، وله الأولوية في الكلمة على أعضاء حزبه، بما يضمن وحدة الموقف الحزبي داخل المجلس ويعزز الانضباط السياسي المؤسسي.
أما المادة (106) فقد منحت للأحزاب المعارضة حق اختيار ممثل لها بالإجماع للتعبير عن رؤيتها في القضايا العامة والسياسات القومية، على أن يخطر رئيس المجلس باسمه كتابة. كما منحت هذا الممثل أولوية الحديث في المناقشات الخاصة بالبيانات العامة والخطة القومية للدولة، وهو ما يؤكد أن اللائحة لم تُغفل صوت المعارضة، بل وفرت له مسارًا مؤسسيًا منظمًا داخل الحياة البرلمانية.
وفي المجال التشريعي، أكدت المادة (152) أن المجلس، قبل التصويت النهائي على أي مشروع قانون أُدخلت عليه تعديلات، يحيله إلى اللجنة المختصة بالاشتراك مع لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعادة الصياغة وتنسيق النصوص، لضمان دقة التشريعات وتكاملها مع أحكام الدستور والقانون. ولا تُفتح المناقشة بعدها إلا في الصياغة، بما يعكس حرص المجلس على جودة النصوص القانونية.
كما وضعت المادة (153) مبدأ الاستمرارية في العمل البرلماني، حيث تستأنف اللجان النوعية في بداية كل دور انعقاد دراسة المشروعات والموضوعات التي لم تكتمل مناقشتها في الدور السابق دون حاجة لأي إجراء جديد، وهو ما يمنع تعطيل التشريعات ويؤكد تراكم الخبرات داخل اللجان.
وفي الإطار العام، حدد قانون مجلس الشيوخ اختصاصات المجلس طبقًا للدستور ليكون بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان وداعمًا رئيسيًا للمسار الديمقراطي، حيث يختص بدراسة واقتراح ما يعزز دعائم الديمقراطية والسلام الاجتماعي، ودعم الحقوق والحريات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته.
كما يؤخذ رأي المجلس في عدد من القضايا الجوهرية، منها: مشروعات القوانين المكملة للدستور، ومعاهدات الصلح والتحالف، ومشروعات تعديل الدستور، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى ما يحيله إليه رئيس الجمهورية من موضوعات تتعلق بالسياسة العامة أو الشئون الخارجية والعربية.
وبذلك، تتكامل اللائحة الداخلية مع القانون في بناء نظام برلماني منضبط، يوازن بين حرية الرأي والمسؤولية الحزبية، ويعزز من كفاءة الأداء التشريعي، ويكرس مفهوم العمل المؤسسي الذي يضمن الاستمرارية وجودة الصياغة التشريعية، ويجعل من مجلس الشيوخ شريكًا فاعلًا في صنع القرار الوطني وصياغة مستقبل الدولة المصرية الحديثة.