مواريث - أرشيفية
العديد من المواطنين يواجهون إشكالية البيع للورثة مع الاحتفاظ بحق الانتفاع، حيث إننا نرى كثيرًا البعض يرغب بشكل كبير في بيع جزء ولو ضئيل من ممتلكاته إلى ورثته، كالأبناء أو الأحفاد بينما يتمسك في مسألة البيع والتصرف من خلال عدم التصرف في المبيع إلا بعد وفاته، ويتمسك بحيازته للعين المباعة أو يشترط في العقد احتفاظه بحق الانتفاع مدى حياته.
وهنا تظهر الإشكالية ما هي الحالات والحلول التي من خلالها تمكن الشخص من الوصول إلى غايته المتمثلة في تحرير عقد ناقل للملكية لأحد ورثته مع تمسكه بحق الانتفاع طيلة حياته؟، أو يكون السؤال بمعنى أدق متى يحق للشخص بيع لورثته جزءًا من ممتلكاته مع احتفاظه بحق الانتفاع مدى حياته دون أن يتحول تصرفه بالبيع إلى وصية لكونه تصرفا مضافا إلى بعد الموت؟

حالات يتحول فيها البيع إلى وصية
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على حزمة من الأسئلة وإجاباتها بشأن حالات يتحول فيها البيع الي وصية لكونه تصرفا مضافا إلى بعد الموت، ومتى يحق للشخص بيع ما يملك مع احتفاظه بحق المنفعة ولا يتحول هذا البيع إلى وصية؟ حيث نجد في كثيراً من الأحيان أن يرغب شخص في بيع شقة أو جزء مما يملك إلى أحد ورثته أو أبنائه مع احتفاظه بحق المنفعة ويتمسك بعدم تصرف المشتري في المبيع إلا بعد وفاته – بحسب الخبير القانوني والمحامي معتز فتحي المهدى.
في البداية - يتمسك البائع بحق انتفاعه بالعين مدي حياته في تلك الحالة كأصل عام يتحول هذا التصرف الي وصية ينفذ في حدود الثلث، وذلك لكون هذا التصرف مضاف الي ما بعد الموت وهو ما جاء في صريح المادة 917 من القانون المدني التي تنص على: "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافا إلى ما بعد الموت وتسرى عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك"، فمن ظاهر نص المادة 917 من القانون المدني نجد أن التصرف المضاف إلى ما بعد الموت ينطبق عليه أحكام الوصية أي أنه ينفذ في حدود الثلث فقط – وفقا لـ"المهدى".
ولكن كيف لنا أن نحل تلك الإشكالية بأن يقوم المتصرف بالبيع أو التصرف مع احتفاظه بحق المنفعة دون أن يتحول هذا التصرف الي وصية؟ أو ما الحالات التي تمكن الشخص من غايته بنقل ملكية العين لأحد ورثته مع احتفاظه بحق الانتفاع دون أن يتحول التصرف إلى وصية؟
هناك عدة حلول لتلك المسألة يتحقق بهم نقل الملكية لأحد الورثة مع الاحتفاظ بالمنفعة دون تحويل هذا التصرف الي وصية ومن تلك الحلول – الكلام لـ"المهدى":-
1- إذا كان الشخص المتصرف إليه - المشتري - هو الوريث الوحيد للمتصرف - البائع.
2- أن يضع المتصرف أو البائع مدة معينة لحق الانتفاع وأن لا تكون عبارة الاحتفاظ بحق المنفعة طيلة حياته بمعني آخر أن يضع تأقيتاً محددا لحق الاحتفاظ بالمنفعة.
3- إذا أجاز أو وافق جميع ورثة المتصرف علي قبول التصرف الصادر منه لأحد الورثة سواء اجازتهم للعقد بالتوقيع عليه كشهود مثلا أو أن وجود بند بالعقد يثبت اجازتهم للتصرف.
4- أن يقوم المتصرف إليه بتحرير عقد مستقل للمتصرف بالإيجار أو المنفعة، ولكن شرط أن يكون محدد المدة له بداية ونهاية.

تطبيقات محكمة النقض
وفى هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض أن تصدت لتلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 14004 لسنة 89 قضائية، الصادر بتاريخ 3 نوفمبر 2020، والذى جاء في حيثياته: "المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادة 917 من القانون المدني أن القرينة التي تضمنتها لا تقوم إلا باجتماع شرطين أولهما: هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها، وثانيهما: احتفاظه بحقه في الانتفاع بها على أن يكون ذلك مدى حياته، وتلك القرينة القانونية متى توافرت عناصرها من شأنها إعفاء من يطعن في التصرف فإنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه، ولمحكمة الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه والتحري عن قصد المُنصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى".
وكذا الطعن المقيد برقم 101 لسنة 82 قضائية، الصادر بتاريخ 27 أغسطس 2020، والذى جاء في حيثياته: "المقرر ــــ في قضاء محكمة النقض ــــ أن النص في المادة 917 من القانون المدني يدل على أن القرينة المنصوص عليها في تلك المادة لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما: احتفـاظ المتصـرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته، إلا أن خلو العقد من النص عليهما لا يمنع محكمة الموضوع إذا تمسك الورثة الذين أضر بهم التصرف بتوافر هذين الشرطين رغم عدم النص عليهما في العقد من التحقق من توافرهما للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها".
وأيضاً الطعن المقيد برقم 1532 لسنة 55 قضائية، الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 1991، والذى جاء في حيثياته: "المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن عدم توافر شروط قرينة المادة 917 من القانون المدني لا يحول دون استنباط قصد الإيذاء وإضافة التصرف إلى ما بعد الموت من قرائن قضائية أخرى، ولإن كان استظهار هذه القرائن المؤدية إلى وصف العقد هو من المسائل التقديرية التي تستقل بها محكمة الموضوع متى كان بيانها سائغا إلا أن وصف العقد ذاته هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض".
