محكمة النقض - أرشيفية
أصدرت الدائرة المدنية "ج" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بالحوالات البنكية، رسخت فيه لعدة مبادئ بشأن إثبات المديونيات من خلال الحوالة البنكية، قالت فيه: "الحوالة البنكية دليل ظاهري على المديونية ما لم يثبت المدعى عليه خلاف ذلك"، ويجرى هذا المبدأ على الحوالة البنكية، والحوالة البريدية، وتحويلات انستاباى، وتحويلات فودافون كاش، وغيرها من التحويلات التكنولوجية المتطورة.
المبدأ القضائى
"الحوالات البنكية المقدمة من الدائن إلى المدين تصلح بذاتها سندًا على انشغال ذمة المدين بالمبلغ المحول، وينتقل عبء الإثبات إلى الأخير لبيان سبب مشروع للقبض أو براءة ذمته، وامتناع المحكمة عن الاعتداد بها كدليل للمديونية، ورفض طلب الإحالة للتحقيق دون تسبيب سائغ، يُعد خطأ في تطبيق القانون وقصورًا في التسبيب يوجب النقض".

الخلاصة:
قام الطاعن بتحويل مبالغ مالية للمطعون ضدهم مقابل توريد سيراميك، إلا أنه لم يتم التوريد ولم تُرد الأموال، فأقام دعوى قضائية لاستردادها، إلا أن محكمة أول درجة رفضت الدعوى بحالتها وأيّدتها محكمة الاستئناف، رغم أن الدائن قدم حوالات بنكية كدليل على المديونية، لكن المحكمة رفضت التحقيق في الأمر، فتم الطعن بالنقض أمام محكمة النقض التي قامت بدورها بنقض الحكم لكون رفض التحقيق يُعد إخلالًا بحق الدفاع، وفى النهاية خرجت بمبدأ قضائيا قالت فيه إن الحوالة البنكية تُعتبر دليلًا مبدئيًا على المديونية، ويقع عبء إثبات عكس ذلك على المدعى عليه، كما أقرت بأن رفض المحكمة سماع الشهود للتحقق من سبب التحويل يُعد قصورًا في التسبيب وإخلالًا بحق الدفاع.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 11631 لسنة 91 قضائية، برئاسة المستشار شريف سلام، وعضوية المستشارين حمدي طاهر، وخالد مصطفى، وإيهاب حماد، وعمرو عبد الرحيم القاضي، وبحضور كل من رئيس النيابة بشير أيمن ناصف، وأمانة سر أشرف مصطفى.
الوقائع.. نزاع قضائى على مديونية من خلال "حوال بنكية"
الطاعن أقام دعوى أمام محكمة كلي كفر الشيخ يطالب فيها بإلزام المطعون ضده الأول برد مبالغ بالريال السعودي "مبلغ 360289.60 ريالاً" مع فوائدها، سندها حوالات بنكية موجبًا أنها دفعات نظير توريد سيراميك من شركة يعمل بها المطعون ضده الأول إلى شركة للطاعن بالمملكة العربية السعودية، وبالطريق نفسه أدرج الطاعن في صحيفة إدخال خصوم المطعون ضدهما الثاني والثالث طالبًا إلزام كلٍّ منهما بمبالغ أخرى "202960 و252030 ريالاً" على سند حوالات بنكية مماثلة.
وفى تلك الأثناء - محكمة الموضوع "أول درجة" حكمت برفض الدعوى واعتبرت أن الحوالات البنكية بذاتها لا تكفى لإثبات المديونية، ورفضت طلب الطاعن بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن المبالغ كانت نظير التوريد فعلاً، وتم استئناف الحكم لإلغاءه أمام محكمة ثانى درجة، والتي بدورها أيدت حكم الابتدائية، ثم طعن الطاعن بالنقض.
ومحكمة النقض قبلت نعى الطاعن وأبطلت حكم الاستئناف، وأحالت القضية لمحكمة استئناف طنطا — مأمورية كفر الشيخ — لإعادة الفصل.
المسائل القضائية التي فصلت فيها محكمة النقض
1-قيمة الحوالات البنكية كدليل ظاهر في إثبات القبض واشتغال الذمة: ما وزن الحوالة البنكية من حيث أنها دلَّت على قبض المبلغ وتحويله إلى يد المطعون ضدهم، وهل يكفي هذا الظاهر لإثبات اشتغال ذمتهم بالمال؟
2-عبء الإثبات عند وجود ظواهر قانونية تفيد الحق: من يقع عليه عبء إثبات العكس إذا ادعى الخصم خلاف الظاهر؟ وهل المادة 136 و137 من القانون المدني تقيد قبول الحوالة؟
3-قواعد إثبات الديون التجارية: مدى جواز إثبات الديون التجارية بكافة طرق الإثبات حتى لو خالفت ما هو مذكور كتابيًا، استنادًا إلى أحكام قانون الإثبات وقانون التجارة "المواد المشار إليها: 60 -63 – 69".
4-وجوب بيان أسباب الرفض عند مطالبة بالإحالة إلى التحقيق: هل يجوز رفض طلب إحالة إلى التحقيق دون أن تورد محكمة الموضوع أسبابًا تقبلها محكمة النقض؟
المبادئ والقواعد المستخلصة من الحكم
1-أثر الحوالة البنكية: الحوالة البنكية التي تُظهر قبض مبلغ مالي تعد دليلاً ظاهريًا على اشتغال ذمة المستلم بهذا المبلغ، فإذا لم يَثِبت المدعى عليه براءة ذمته يلتزم برده.
2-قواعد الإثبات في القانون المدني: المادة 136 "مذُكورة في الحكم" لا تشترط لقيام الالتزام سببًا كتابيًا؛ والمادة 137 تقرّ قرينة مفادها أن لكل التزام لم يُنكر له سبب في العقد سبب مشروع ما لم يُقم الدليل على غير ذلك.
3-المرونة في إثبات الديون التجارية: النصوص المشار إليها من قانون الإثبات وقانون التجارة "المواد 60 -63 وخصوصاً الفقرة الثانية من المادة 69 لقانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 كما وردت في الحكم" تسمح بإثبات الديون التجارية بكافة طرق الإثبات، ولو أدت إلى تقرير ما يخالف الدليل الكتابي، عدا الحالات التي يُوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة.
4- عبء الإثبات: إذا أقام المدعى ظاهر حقه، فالسند الظاهر يُلزم المدعى عليه بأن يثبِت خلافه؛ إنكار المدعى عليه لظاهر الحق يُلقي عليه عبء إثبات ما يخالف الظاهر.
5-واجب القاضي عند رفض إحالة التحقيق: محكمة الموضوع ليست مُلزَمة دائمًا بالاستجابة لطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، لكنها إذا رفضت هذا الطلب وجب عليها أن تدون في حكمها أسبابًا سائغة تبيّن مبرر الرفض، وإلا كان الحكم ناقص التسبيب فيما يتعلق بهذا الرفض.
تطبيق المحكمة على الوقائع ونقد قضاء محكمة الموضوع
• ثبوت ظاهر الحق لدى الطاعن: الطاعن قدّم حوالات بنكية تثبت تحويل المبالغ إلى المطعون ضدهم؛ هذه الحوالات تشكل دليلًا ظاهريًا على قبض المبالغ وانتقال العبء الإثباتي إلى المدعى عليه ليثبت براءة ذمته أو أن المبالغ لم تكن مقابل توريد. محكمة النقض تؤكد أن هذا هو أثر الحوالات البنكية وفق مبادئ المادة 136 و137 والمدونات التجارية المذكورة.
• خطأ محكمة الموضوع: محكمة الموضوع استبعدت قيمة هذه الحوالات بذريعة أنها "لا تصلح بذاتها للمديونية" دون أن تفصل وتبيّن لماذا لا تَكفي "أو دون أن تستنفد طرق التحقيق العملية لمعرفة صفة تلك الحوالات"، كما أنها رفضت طلب الإحالة إلى التحقيق دون أن تسرد أسبابًا تقنع بالنزاهة مبرّر الرفض، وهذا الإغفال — بحسب محكمة النقض — يُعد قصورًا في التسبيب وخطأ في تطبيق قواعد الإثبات.
• واجب محكمة الموضوع عندما يُدعى المال كدين تجاري: لأن النزاع يتعلق بعلاقة تجارية "توريد بضاعة"، وقُدمت دلائل تستند إلى وسائل إثبات مقبولة في المادة 69 "قانون التجارة"، فكان يجب على المحكمة أن تتعامل مع الحوالات كدليل قابل للتعزيز أو لنفيه عبر التحقيق أو ندب خبير أو استدعاء مستندات إضافية، لا أن ترفضها بالعبارة العامة دون مبرر.

النتيجة والغاية من نقض محكمة النقض
• محكمة النقض رأت أن حكمي الابتدائية والاستئناف شابهما الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، لأنهما:
1-تجاهلا الدلالة الظاهرة للحوالات البنكية على اشتغال ذمة المطعون ضدهم بالمبالغ دون تبرير كافٍ.
2-رفضا طلب الإحالة إلى التحقيق دون ذكر أسباب تقطع بما يبيح ذلك الرفض.
بناءً على ذلك قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف طنطا — مأمورية كفر الشيخ — لكي تبتّ في الموضوع مجدداً مع تمكين الأطراف من إثبات ودحض ما قدموه وفق قواعد الإثبات المنصوص عليها وتطبيق ما تقتضيه مزايا الإجراءات "إحالة تحقيق، طلب أدلة إضافية، إلخ".



