يحتفى المصريون اليوم بالذكرى الـ52 لإنتصارات حرب السادس من أكتوبر 1973، حيث ذاقت مصر كلها طعم الفرحة، بعد سنوات عجاف من النكسة المهينة عام 67، ومنذ ذلك الحين، تركزت "الكاميرات" على وجوه بات الجميع يعرفها، كانت تختصر الحرب في مجموعة ضيقة من المقاتلين، بينما هناك وجوه أخرى منسية دون قصد، وذلك مع مرور الزمان تحتاج لمن يُذكرنا بهم، ومن بين هؤلاء المقاتلين المنسيين الذين شاركوا في حرب أكتوبر المُجند "حسنى محمد مهنى عبدالعال البطران"، السن 74 سنة، من أبناء محافظة أسيوط، مقيم بالجيزة منطقة إمبابة.
حكى "البطران" تفاصيل مشاركته في حرب أكتوبر بعد مرور 52 سنة، والتي سجلتها تجاعيد وجهه، والأحداث التي لا تزال محفورة في ذاكرته وتحتفظ بانفعالاته الحادة، وتراوحت بين الإحساس بالاعتزاز والفخر والعزة، وبين مشاعر الوجع والألم لنسيانه طيلة هذه السنين، يتحدث والدموع مُتحجرة في عينيه – لما لا وهو الصعيدى الذى يعتز بنفسه وكرامته - وهو يحكي لنا ما رأته عيناه من مشاهد وأحداث ووقائع بطولية، وأخرى مفزعة، تشيب لها الرؤوس وتقشعر منها الأبدان.
حكاية المقاتل "حسنى مهنى البطران" عقب نكسة 1967
وبدأت حكاية المقاتل "حسنى مهنى البطران" عقب نكسة 1967، عندما تم تجنيده في فرق القوات المسلحة بسلاح المهندسين، عام 1972 وتم تجنيده في (ق. 53/ لواء 109) طريق عبيد – السويس، والتي كانت مهمتها تتمثل في فرد الكبارى لعبور الدبابات والمعدات الثقيلة عليها، مؤكداً أن قرار الحرب جاء إلينا في تمام الساعة 2 إلا تلت، وكنا وقتها نقف على خط القناة، وقمنا بفرد الكبارى الساعة 2 إلا عشرة دقائق، حيث تمكن الجنود من خلال ضخ المياة بالخراطيم، فتح الساتر الترابى، وتحطيم خط بارليف المنيع، ودخول الدبابات".
ويضيف "البطران": "كانت المشاهد أقرب للحلم ونحن نرى لحظات العبور، وسط التكبير والتهليل، الله أكبر، الله أكبر، وكنا نقاتل بكل ما أوتينا من قوة، لأجل الخلاص وعودة وإسترداد الأرض، وأتذكر القيادة الخاصة بذلك اللواء التي انضممت إليه وهو القائد كمال الدين الشرنوبى، من محافظة المنوفية، وأتذكر جيداً أسم الشاويش المتطوع وهو (أبو العزم)، والباش شاويش عيسى من محافظة المنصورة، وأتمنى أن تصل لى معلومة عن أي شخص فيهم إذا كانوا على قيد الحياة".
"البطران" يسرد تفاصيل أخرى حول "الثغرة"
"البطران" سرد تفاصيل أخرى حول "الثغرة"، حيث أكد أن عملية العبور كانت تسير على قدم وساق حتى يوم 22 أكتوبر، ودخول الدبابات الإسرائيلية منطقة السويس، والاشتباك معاها لتأمين منطقة الثغر، أو ما سُميَّ بتطوير الهجوم، حيث أن الهجوم على أرض سيناء تم تقسيمه إلى دفعات، وذلك ضمن الخطة المُحكمة التي وضعها الجيش المصري لتحقيق النصر، كما شاركنا في حماية مدن القناة وعلى رأسها السويس والإسماعيلية، عندما حاول الجيش الإسرائيلي احتلالها عقب حرب السادس من أكتوبر.
يقول "البطران": عشنا مشاهد صعبة، وكنا نرى أصدقائنا أثناء استشهادهم، خاصة بعد قرار وقف إطلاق النار، حينما عودنا لأماكن القتال وقمنا برفع الخيم الطبية، ورفع أجساد زملائنا المقاتلين، وكذا تطهير الأرض من أجساد العدو، والألغام التي كانت مزروعة، وشهدت استشهاد العديد من أصدقائه خلال الحرب، وأحدهم توفي أثناء الحديث معه، بطلق نارى، عندما كان واقف بجانبه بعد السادس من أكتوبر 1973 عندما كان يحاول العدو مناهضة الانتصار المصري.
لهذه الأسباب عيناه تفيضان حُزناً
ونقل "البطران" صورة القتال والحرب كونه مقاتل شارك في حرب أكتوبر بصورة تبعث في القلب رجفة عزٍ وفخار، بينما كانت عيناه تفيضان بالدمع كلما مرت على ذاكرته تلك اللحظات التي استشهد فيها بعض من رفاقه في الساعات الأولى للعبور، مؤكداً أنه حصل على شهادة تقدير في عهد الرئيس محمد أنور السادات، ولكنها ضاعت منه، كما أن الصورة الوحيدة له وهو يرتدى الزى العسكرى، تلفت مع مرور الزمن، مشيراً إلى أنه من الأمور المهمة التي يجب ذكرها أنه لم يحصل على أي معاش خاص بالمشاركين في حرب أكتوبر حتى كتابة تلك السطور.
وبالعودة للحديث عن الحرب، أكد "البطران" أنه ظل في الجيش من عام 1972 حتى 1 يناير 1976 – أي 5 سنوات – واستقبل الشعب المصرى المجندين استقبال المُنتصرين لرد الإعتبار، وردد قائلاً: "كانوا بيشلونا من على الأرض شيل بعكس ما كان يحدث في النكسة، فكان التهكم والسخرية وحتى نظراتهم، تؤثر على نفسية الجنود"، مضيفاً: "فضلنا حوالى 6 شهور بعد الحرب مش بننزل أجازات، وبدأوا ينزلونا بعدها 48 ساعة لبتوع مصر، و72 ساعة لبتوع الصعيد عشان طول المسافة في السفر".