يشهد المشهد السياسي الأوروبي توترًا متزايدًا على خلفية التصعيد المستمر في غزة، حيث تتسع دائرة الغضب الشعبي والرسمي من السياسات الإسرائيلية، وقد دفعت الأحداث الأخيرة عدداً من الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، وسط مطالبات متنامية بفرض عقوبات وتجميد التعاون مع تل أبيب.
برزت إسبانيا كأكثر الدول الأوروبية جرأة في خطواتها ضد إسرائيل، فقد أعلن رئيس الحكومة الإسباني، بيدرو سانشيز، سلسلة من الإجراءات شملت حظر تصدير الأسلحة والوقود إلى إسرائيل، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأكد سانشيز أن بلاده لن تتسامح مع ما وصفه بـ"الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني"، داعيًا بقية دول الاتحاد إلى أن تحذو حذو مدريد
إلى جانب ذلك، أشاد سانشيز بالمظاهرات الشعبية المؤيدة لفلسطين، والتي رافقت سباق "فويلتا إسبانيا" للدراجات، في العاصمة مدريد، قائلاً إنه "فخور" برؤية آلاف المتظاهرين يرفعون الأعلام الفلسطينية ويطالبون بالعدالة في غزة.
دعوات لتعليق الاتفاقيات الأوروبية مع إسرائيل
في بروكسل، ارتفعت أصوات داخل البرلمان الأوروبي تطالب بمراجعة شاملة لاتفاقيات التعاون الموقعة مع إسرائيل، خاصة في مجالات البحث العلمي والتبادل التجاري. بعض النواب دعوا إلى تعليق العمل باتفاقية الشراكة الأوروبية – الإسرائيلية، كإجراء ضغط سياسي، معتبرين أن استمرار العلاقات الاقتصادية في ظل التصعيد يشكل "تواطؤًا غير مباشر".
كما دعت منظمات حقوقية أوروبية كبرى إلى فرض حظر كامل على استيراد المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل "رسالة واضحة" ضد سياسات الاستيطان.
انقسام داخل الاتحاد الأوروبي
ورغم تصاعد الدعوات للعقوبات، لا يزال الموقف الأوروبي منقسمًا. ففي حين تدفع دول مثل إسبانيا، إيرلندا وبلجيكا نحو خطوات أشد صرامة، تتحفظ دول أخرى بينها ألمانيا والمجر، محذرة من أن الإجراءات العقابية قد تؤثر على "أمن إسرائيل" وتضعف فرص التفاوض.
ويعكس هذا الانقسام التوازن الدقيق بين الضغوط الشعبية المتزايدة، خاصة مع خروج مظاهرات ضخمة في لندن، باريس وبرلين، وبين الحسابات السياسية والعسكرية المرتبطة بالعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
مصادر دبلوماسية أوروبية أكدت أن بروكسل تدرس حزمة جديدة من الإجراءات قد تشمل، فرض قيود على التبادل التكنولوجي والعسكرى، ومراجعة تراخيص الشركات الأوروبية العاملة في إسرائيل، بحث آليات لوقف الدعم المالي أو اللوجستي الذي قد يُستخدم في العمليات العسكرية.
وفي حال الاتفاق عليها، ستكون هذه الحزمة هي الأشد منذ سنوات طويلة، ما قد يفتح مرحلة جديدة من التوتر بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
الشارع الأوروبي يضغط بقوة
من جانب آخر، تشهد القارة الأوروبية موجة احتجاجات غير مسبوقة دعمًا لغزة، ففي فرنسا، خرجت مظاهرات حاشدة أمام مقر البرلمان، فيما شهدت العاصمة البريطانية لندن أكبر تجمع مؤيد لفلسطين منذ عام 2021، هذه الضغوط الشعبية باتت عاملاً رئيسيًا يدفع الحكومات إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه تل أبيب.
التصعيد في غزة لم يعد قضية إقليمية فحسب، بل تحوّل إلى اختبار لوحدة الموقف الأوروبى، فبينما تتحرك إسبانيا وحلفاؤها في اتجاه المواجهة الدبلوماسية والعقوبات، تواصل بعض العواصم الأوروبية الدعوة إلى الحذر والتوازن، ومع استمرار الاحتجاجات الشعبية وتزايد الضغوط الحقوقية، يبدو أن مستقبل العلاقات الأوروبية ـ الإسرائيلية يواجه مرحلة حرجة قد تحددها قرارات الأسابيع المقبلة.
مواقف دول أخرى مؤيدة لفلسطين في أوروبا
لم تكن إسبانيا وحدها في موقفها الصارم تجاه إسرائيل، فقد انضمت إليها عدة دول أوروبية عبر مواقف سياسية وشعبية واضحة، إيرلندا على سبيل المثال، طالبت علنًا بوقف فوري لإطلاق النار، وانتقدت بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، كما دعا برلمانها إلى مراجعة العلاقات التجارية مع تل أبيب.
أما بلجيكا، فقد أبدت تضامنها مع المظاهرات الشعبية، وأعلنت استعدادها لمناقشة فرض قيود على استيراد منتجات المستوطنات، معتبرة أن استمرار التجارة مع هذه المناطق يمثل "انتهاكًا للقانون الدولي".
في فرنسا، خرجت مظاهرات ضخمة في باريس ومدن أخرى دعماً لغزة، ما وضع الحكومة تحت ضغط داخلي متزايد رغم تبنيها خطابًا أكثر حذرًا من مدريد أو دبلن.
كما برزت أصوات داخل البرلمان الأوروبي في بروكسل من كتل يسارية وخضراء تطالب بتجميد اتفاقيات التعاون مع إسرائيل، في حين وجدت هذه الدعوات صدى في دول شمال أوروبا، مثل النرويج (رغم أنها ليست عضوًا في الاتحاد)، حيث لوّح سياسيون هناك بإعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تل أبيب.
هذه المواقف المتباينة تعكس اتساع رقعة الغضب الشعبي في القارة، وتكشف عن انقسام داخل الاتحاد الأوروبي بين دول تدفع باتجاه خطوات عقابية واضحة ضد إسرائيل، وأخرى ما زالت تفضل لغة الدبلوماسية والتوازن في التعامل مع الأزمة.