فى تصعيد دبلوماسى لافت، حذّرت خمس دول أوروبية بارزة فى مجلس الأمن - المملكة المتحدة، فرنسا، الدنمارك، اليونان، وسلوفينيا - إسرائيل من المضى فى خططها لاحتلال قطاع غزة، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولى وتفاقمًا للأزمة الإنسانية المتفاقمة فى القطاع. التحذير جاء وسط تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية، ووسط مشاهد مأساوية من غزة التى ترزح تحت وطأة المجاعة ونقص المساعدات، ما دفع هذه الدول إلى دعوة عاجلة لوقف التصعيد والسماح بوصول الإغاثة، فى وقت تتجه فيه الأوضاع إلى نقطة حرجة تهدد الاستقرار الإقليمي.
وقال صمويل زبوجار، ممثل سلوفينيا فى المجلس: "ندعو إسرائيل بإلحاح إلى التراجع عن هذا القرار وعدم تنفيذه، وأى محاولة لضم أو توسيع الاحتلال تمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي".
على مدار أشهر، التزمت غالبية الدول الأوروبية خطابًا يميل إلى الحذر، جامعًا بين دعم حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس والدعوة لوقف إطلاق النار الإنساني. لكن التصعيد الأخير، وخصوصًا التقارير عن خطة احتلال كامل لقطاع غزة، دفع بعض العواصم الأوروبية إلى تبنى لهجة أكثر حدة، تعكس قلقًا متزايدًا من التبعات الإنسانية والسياسية.
كارثة إنسانية وقيود خانقة على المساعدات
حذر البيان الأوروبى المشترك من أن تنفيذ خطة الاحتلال سيفاقم من المجاعة الحادة ونقص المساعدات فى القطاع، حيث يخاطر المدنيون بحياتهم يوميًا للوصول إلى مواقع توزيع الغذاء. كما طالبت الدول الخمس برفع القيود المفروضة على عمل الأمم المتحدة وشركائها الإنسانيين داخل غزة.
بالتوازى مع التصعيد الدبلوماسى، يشهد الميدان تصعيدًا عسكريًا، حيث وافق المجلس الوزارى الأمنى الإسرائيلى على خطة عسكرية جديدة تشمل هجومًا واسعًا على وسط وجنوب القطاع، بما فى ذلك مخيمات اللاجئين التى تعتبرها إسرائيل آخر معاقل حماس.
كما أدانت إسبانيا قرار الحكومة الإسرائيلية باحتلال غزة، وأكدت مجددا أن الحل الوحيد للسلام فى الشرق الاوسط هو حل الدولتين مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وصرح وزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل ألباريس، على مواقع التواصل الاجتماعى، بأن احتلال مدينة غزة "لن يُسبب سوى المزيد من الدمار والمعاناة"، وأكد ألباريس أن السلام الدائم فى المنطقة لن يتحقق إلا من خلال إقامة حل الدولتين، والذى يشمل دولة فلسطينية واقعية وقابلة للحياة.
واعتبر وزير الخارجية الإسبانى هذا خطوةً نحو الاحتلال العسكرى لغزة، حيث تُعدّ وقف إطلاق نار دائم، ودخول مساعدات إنسانية بكميات كبيرة، وإطلاق سراح جميع أسرى حماس الذين لا يزالون محتجزين لدى الحكومة، أمرًا ملحًا.
من جانبها، طالبت مجموعة سومر - الحليفة للحكومة - بفرض عقوبات وحصار، بالإضافة إلى محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على جرائمه.
بالتزامن مع حزب بوديموس، طالب كلا الحزبين المجتمع الدولى بالتوقف عن تجاهل الأمر و"الرد بقوة لوقف دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية".
أعلن حزب بوديموس على مواقع التواصل الاجتماعى: "حظر شامل على الأسلحة وقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع دولة الإبادة الجماعية إسرائيل".
وفى اليوم السابق، سلطت وزارة الخارجية الضوء على استجابتها المنهجية للمساعدات الإنسانية المقدمة لفلسطين، من خلال الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائى الدولى (Aecid)، حيث بدأت إسبانيا بزيادة مساعداتها فى أكتوبر 2023، وخصصت حتى الآن 20 مليون يورو لفلسطين هذا العام، لدعم أكثر من ثلاثة ملايين شخص فى غزة والضفة الغربية.
وقال ألباريس: "إسبانيا هى الدولة الأكثر دعمًا لفلسطين فى العالم، لأننا لا نستطيع أن نسمح باستمرار انتهاك القانون الإنسانى الدولى بشكل منهجى، مع التهجير القسرى للسكان والوفيات الجماعية فى طوابير الجوع".
خبراء فرنسيون: خطة نتنياهو لاحتلال غزة كارثة حقيقية
انتقد خبراء فرنسيون يوم الجمعة قرار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إعادة احتلال قطاع غزة، وهو أرض فلسطينية دمرها 22 شهرًا من العدوان وخضعت لحصار فاقمت الأزمة الإنسانية هناك.
وحذرت أنييس ليفالوا، نائبة رئيس معهد أبحاث الشرق الأوسط ودراسات البحر الأبيض المتوسط (iReMMO)، قائلةً: "إن إضافة هجوم برى إلى ما تبقى من غزة كارثة حقيقية، تتجاوز كل الوصف"، حسبما نقلت وكالة أوروبا بريس.
ووفقًا للخبيرة، فإن إعادة احتلال القطاع، وهو جيب يشكل مع الضفة الغربية المحتلة دولة فلسطينية معترف بها من قبل أكثر من 150 دولة، يستجيب لأجندة نتنياهو السياسية، فى ظلّ ضغوط داخلية عليه بسبب قضايا رشوة واحتيال وخيانة الأمانة.
يُعزى مقتل أكثر من 61 ألف شخص، وفقًا لمصادر محلية، إلى العدوان والحصار الإسرائيليين، وإلى أزمة إنسانية تُنذر بانتشار المجاعة وسوء التغذية.
من جانبه، رأى الأستاذ الجامعى فريدريك إنسيل، أن إسرائيل تسعى إلى تهميش السلطة الوطنية الفلسطينية، وهى منظمة يقبلها المجتمع الدولى كممثل للشعب الفلسطينى والقوة الحاكمة لدولة فلسطينية محتملة، والتى يتزايد الطلب على الاعتراف بها هذه الأيام.
وردًا على خطة احتلال مدينة غزة، أعلنت ألمانيا وقف صادراتها العسكرية إلى إسرائيل، وأعلن المستشار الألمانى فريدريش ميرز أن الحكومة لن توافق على تصدير أى معدات عسكرية إلى إسرائيل.
أصدرت محكمة بلجيكية حكمًا تاريخيًا يلزم الحكومة الإقليمية الفلمنكية بوقف جميع شحنات المعدات العسكرية إلى إسرائيل، بعد ضبط شحنة مشبوهة فى ميناء أنتويرب مطلع العام الجارى، جاء القرار استجابة لدعوى قضائية رفعتها أربع منظمات فلمنكية فى يونيو، طالبت بإنهاء أى دعم عسكرى لتل أبيب فى ظل الجرائم المرتكبة بحق المدنيين فى غزة.
وأمرت المحكمة السلطات الإقليمية بحجز الشحنة ومنع مغادرتها المستودع، وفرضت غرامة قدرها 50 ألف يورو عن كل عملية تصدير مستقبلية يتم خرق الحظر بشأنها. وكشف منسق حركة "فريديساكتي" أن الشحنة كانت تحتوى على منصات تحميل مخروطية ومكونات أساسية لصناعة الدبابات والمركبات المدرعة، متجهة إلى شركة "أشوت أسكالون" الإسرائيلية، المورّد الوحيد لدبابات "ميركافا" التى شاركت فى مجزرة غزة، وفقا لصحيفة الإكونوميستا الإسبانية.
ورغم أن بلجيكا تحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل منذ 2009، إلا أن التنفيذ الفعلى كان بيد الحكومات الإقليمية التى لم تتحرك إلا عند طلب تصاريح التصدير، ما أتاح للمقاولين العسكريين استغلال الثغرات القانونية.
ويُعد هذا الحكم سابقة قضائية بارزة، ويعزز دور المجتمع المدنى فى مراقبة تجارة السلاح وضمان التزامها بالقانون الدولى الإنساني.