- الحكم بصحة التوقيع وإثبات صحة التوقيع لا يمنع من الطعن على موضوع العقد بالبطلان
أصدرت الدائرة الأولى مدنى – بمحكمة استئناف طنطا – حكماً فريداً من نوعه، برد وبطلان عقد البيع لمنزل سيدة مُسنة يُقدر قيمته بـ25 مليون جنيه، وذلك بعد شرائه منها عن طريق النصب والغش والتدليس، مؤكدةً في حيثياتها أن "بيعًا لم يتم" بين الأطراف، وأن الحكم بصحة التوقيع وإثبات صحة التوقيع لا يمنع من الطعن على موضوع العقد بالبطلان، وهذه القصة هى شهادة على أن التوقيع على أي ورقة قد يكون مصيرك ضياع الحق.
صدر الحكم في الاستئناف المقيد برقم 2074 لسنة 18 قضائية. مدنى مأمورية استئناف المحلة الكبرى، لصالح المحامى أحمد عز الدين، برئاسة المستشار عصام فوزى الناقورى، وعضوية المستشارين هيثم محمد يحيى، ومحمد عبداللطيف محمد، وأمانة سر رمضان النجار.
الوقائع.. شخص ينتحل صفة موظف ضرائب عقارية ويطلب من سيدة مسنة التوقيع على ورقة
هذه ليست قصة من فيلم بوليسي، بل هى حكاية من قلب الواقع، ففي عالم تزداد فيه حيل الاحتيال، نؤكد لكم أن التوقيع على أي ورقة قد يكلفك أغلى ما تملك، قد تظن البعض أنه مجرد إثبات علم، لكنه قد يكون بوابة لمؤامرة قانونية معقدة قد تسلب منك حقك وتدمر حياتك، هذه القصة ليست من وحي الخيال، بل هي حقيقة مؤلمة تحولت بفضل الله إلى انتصار ساحق.
في عام 2018، تعرضت سيدة مسنة في الخامسة والسبعين من عمرها، لعملية احتيال دنيئة، حيث زارها شخص انتحل صفة موظف في الضرائب العقارية، وأقنعها بتوقيع "للعلم" على أوراق، بحجة أنها تخص ضرائب متأخرة على منزل زوجها الراحل، وبحسن نية كاملة، وقعت السيدة دون أن تدري أنها تضع توقيعها على عقد بيع عقارها بالكامل.
السيدة تستجيب وتوقع على الورقة
فكان رجل يرتدي زي موظف حكومي مهندم مدعياً أنه من الضرائب العقارية، وبكلمات هادئة مزيفة، أقنعها بالتوقيع حتى لا تتأخر في ذلك الإجراء الحكومى مما سيسبب لها مشاكل قانونية بعد ذلك، ولم تدرِ السيدة الطيبة أنها بتوقيعها البريء، كانت توقع على عقد بيع منزلها بالكامل.
في اليوم التالي، ذهبت إلى مكتب الضرائب، لتكتشف الصدمة المدوية أن ذلك الموظف المحتال لا وجود له، وأنها قد وقعت ضحية لعملية احتيال دنيئة، لا تحدث حتى ولا في الأفلام وعلى إثر ذلك قُيّد المحضر بالواقعة عام 2018 – ولكن - بعد ثلاث سنوات من الصمت المريب، جاءها إعلان من المحكمة بدعوى "صحة توقيع" على عقد بيع منزلها، وبعد فترة تفاجأنا بدعوى قضائية ترفعها المحتالة التي طلبت من الشخص هذا الفعل، وكانت الصدمة قاسية.
السيدة المسنة تفاجئ بصحة توقيع لعقد بيع منزلها
وعلي أثر ذلك جاء العمل القانوني الدئوب للمحامى أحمد عزالدين الذى جهز دفوعه ومذكراته ونجح في استرداد الحقوق وإعادتها إلى أصحابها، وبناء على ذلك وبعد بحث عميق وقوي قد أسست قضية رد والبطلان علي [رد وبطلان العقد للغش والتدليس] ونجح فى إثبات الغش والتدليس الذى يُعد من الأمور الصعبة في إثباتها، ولكن بالإيمان بحق المتضررة أو المجنى عليها والإصرار على كشف الحقيقة بدأت المعركة القانونية والقضائية.
لم يكن هدف الدفاع هو إنكار التوقيع، بل إثبات أن هذا التوقيع تم الحصول عليه بالغش والتدليس، فكانت مهمة في غاية الصعوبة، فإثبات نية الاحتيال يتطلب غوصًا عميقًا في التفاصيل القانونية الدقيقة - وعلى مدار 87 جلسة متتالية – دون كلل أو ملل أو يأس تم تقديم الحجة تلو الحجة، والتأكيد على مبدأ قانوني هام وهو أن حكم صحة التوقيع لا يمنع إقامة دعوى بطلان العقد، وكانت المذكرات والدفوع في الاستئناف حجر الزاوية، استناداً إلى مبادئ قانونية راسخة، والتمسك بالتمييز الواضح بين دعوى صحة التوقيع ودعوى بطلان العقد، وهو ما أغفلته الأحكام السابقة.
السيدة تقيم دعوى بالبطلان.. ومحكمة أول درجة ترفض الدعوى
وفي النهاية، تم إنصاف السيدة صاحبت الحق، أصدرت المحكمة حكمًا تاريخيًا برد وبطلان عقد البيع، مؤكدةً في حيثياتها أن "بيعًا لم يتم" بين الأطراف، وهذا الحكم لم يُعيد للسيدة المسنة منزلها الذي تبلغ قيمته 25 مليون جنيه فحسب، بل أعاد لها إيمانها بالعدالة، وهذه القصة هي شهادة على أن التوقيع على أي ورقة قد يكون مصيرك، وأن الحق لا يضيع ما دام هناك محامٍ يؤمن بقضيته ويحارب من أجلها.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إنه عن موضوع الاستئناف وكانت المستأنفة قد أقامت دعواها بطلب الحكم برد وبطلان عقد البيع سند الدعوى المؤرخ 4 مارس 2021 لتحصل المستأنف ضدها على توقيعها على العقد بطريقة الغش والتدليس وأن الحكم المستأنف قد قضى بعدم قبول الدعوى السابقة صدور حكم بصحة توقيع المستأنفة على العقد حائز للحجية وكان قضاء النقض قد استقر على أن دعوى صحة التوقيع ليست سوى دعوى تحفظية يمتنع على القاضي فيها أن يتعرض للتصرف المدون في العقد من جهة صحته وبطلانه ووجوده أو انعدامه أو زواله أو نفاذه أو توقفه وتقرير الحقوق المترتبة عليه تفتقر حجية الحكم الصادر فيها على صحة التوقيع الموقع به على الورقة ولا يتعدى آثره إلى صحة التزامات الطرفين الناشئة عن العقد، وبالتالي فإن بحث أمر تزوير صلب السند يخرج عن نطاق الدعوى بطلب صحة التوقيع ولا يعد وسيلة دفاع فيها ولا يمنع المحكمة عليه بالورقة بعد الحكم فيها بعد من إقامة دعوى أصلية بطلب رد وبطلان المحرر لتزوير صلبه بما لا يكون الحكم الصادر في دعوى صحة التوقيع ثمة حجية مانعة من الفصل في تزوير بيانات صلب المحرر.
السيدة تستأنف الحكم لإلغائه
وبحسب "المحكمة": وكان من المقرر أن الحصول على توقيع شخص على محرر مثبت للتصرف لم تنصرف إرادته أصلا إلى إبرامه بعد تزوير العدم معه هذه الإرادة وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاؤه بتأييد الحكم المستأنف بعدم قبول الدعوى على سند من سبق الاحتجاج بهذا المحرر فيه دعوى صحة التوقيع والقضاء بصحة التوقيع عليه وكان دفاع الطاعن في الدعوى قد قام على أن البيع لم يصدر أصلا وأن تزوير ينصب على صلب المحرر فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون بما يوجب نقضه، طبقا للطعن رقم 5267 لسنة 90 قضائية، الصادر بجلسة 18 يناير 2025.
وهديا بما تقدم - وكان البين للمحكمة من مطالعة الأوراق الدعوى المنضمة الخاصة بصحة التوقيع أنها تضمنين صورة طبق الأصل من أوراق المحضر رقم 7736 لسنة 2018 اداري ثاني المحلة الكبرى والمحرر بمعرفة المستأنفة بتاريخ 9 ديسمبر 2018 أنها قد قررت فيه بحضور أحد الاشخاص إلى منزلها في اليوم السابق، وادعائه لها بأنه من العاملين بالضرائب العقارية وأنها مدينة للمصلحة بمبالغ عليها سدادها، وطلب منها التوقيع على أوراق تفيد العلم بذلك فوقعت له وعند ذهابها اليوم لمصلحة الضرائب للاستعلام عن المبالغ المدينة لها أخبروها أنها غير مدينة لهم بأية مبالغ وأن الورقة التي تركها لها هذا الشخص لا تخصهم، وأنها قد تمسكت بتلك الأقوال وعند سؤالها بتحقيقات النيابة العامة بعد استخراجه من الحفظ بناء على تظلمها، كما أن محكمة أول درجة قد أحالت الدعوى للتحقيق أو استمعت الشاهدي المستأنفة "هشام. س" و"محمد. س" والذين شهدا شهادة حاصلها أنهما قد شاهدا هذا الشخص المجهول يقف مع المستأنفة في يوم الواقعة ومعه شنطة وأوراق، وأنها قد أخبرتهما أنه من مصلحة الضرائب العقارية وأخذ توقيعها على بعض الأوراق.
محكمة الاستئناف تنصف السيدة وتقضى ببطلان ورد عقد البيع
وتضيف "المحكمة": وأن الشاهد الأول ذهب معها ثاني يوم الواقعة إلى مصلحة الضرائب، حيث أخبروهم بأنهم لم يرسلوا أية موظفين، وأنها غير مدينة بأية ضرائب، كما تبين للمحكمة أن عقد البيع المدعي هو عقد بيع مطبوع ملأت بياناته عن عقار خمسة أدوار وثمنه اثنين مليون جنيه وعليه توقيع شاهدين لم تحضرهما المستأنف ضدها والتي تتخلف دائما عن الحضور أمام محكمة أول درجة وعند حجزها للحكم تتقدم بطلب لإعادة الدعوى للمرافعة، وهو الأمر الذي يستبين معه جميعه أن بيعا لم يتم بين المستأنفة والمستأنف ضدها، وأن الأخيرة قد تحصلت على توقيع المستأنفة بطريقه الغش والتدليس وهو ما يعد تزويرا تنعدم معه إرادة المستأنفة، مما يصيب العقد بل بالبطلان، ومن ثم يكون طلب المستأنفة برد وبطلان هذا العقد قد جاء على سند صحيح تقضي به المحكمة وكان الحكم المستانف قد خالف هذا القضاء الأمر الذي تقضي معه المحكمة بإلغائه والقضاء برد وبطلان عقد البيع سند الدعوى المؤرخ 4 مارس 2021 وذلك على النحو الوارد بالمنطوق.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة:
أولا: بقبول الاستئناف شكلا.
ثانيا: وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء برد وبطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ 4 مارس 2021 وألزمت المستأنف ضدها بالمصاريف عن درجتي التقاضي ومبلغ 175 جنيها مقابل أتعاب المحاماة.