يُعد قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020، من أبرز التشريعات الاقتصادية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة، لما يحمله من توجه استراتيجي لدعم الاستثمار وتعزيز الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل ما تشهده الدولة المصرية من توجه نحو تمكين الشباب وتشجيعهم على خوض غمار ريادة الأعمال.
فالقانون لم يقتصر على وضع قواعد عامة تنظم هذه المشروعات، بل جاء في مجمله عبارة عن حوافز وتيسيرات وتسهيلات غير مسبوقة، هدفها الأول فتح المجال أمام الشباب والمستثمرين الصغار للدخول إلى السوق بشكل منظم وقانوني، مع توفير حماية وضمانات تسهل انطلاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها العمود الفقري لأي اقتصاد قوي.
وركز القانون رقم 152 لسنة 2020 بشكل أساسي على منح المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر مظلة واسعة من الحوافز، التي لا تقتصر فقط على التيسير في إجراءات الترخيص والتشغيل، بل تمتد إلى تخصيص الأراضي وتقديم الدعم الفني والتقني، إضافة إلى إتاحة خدمات متكاملة من خلال وحدات تقديم الخدمات التي تم إنشاؤها خصيصًا لتسهيل حياة أصحاب المشروعات.
ووفقا للقانون، هذه الوحدات تختصر الكثير من الجهد والوقت على الشباب، حيث تضم مندوبين عن كافة الجهات المعنية، سواء الوزارات أو شركات المرافق، وتعمل تحت إشراف مباشر من جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، لضمان سرعة إنجاز الطلبات وتذليل العقبات البيروقراطية التي كانت تمثل أحد أكبر التحديات أمام المستثمرين الصغار.
ومن أبرز ما يميز القانون هو آلية الترخيص الجديدة، التي ألغت التعقيدات القديمة، حيث أجاز التشريع لطالب الترخيص أن يعهد بفحص المستندات إلى مكاتب اعتماد مرخصة من الجهاز، وذلك مقابل رسم لا يتجاوز 20 ألف جنيه يتم سداده بوسائل الدفع غير النقدي، ويتم تجديد الترخيص سنويًا وفقًا لأحكام اللائحة التنفيذية، مع إنشاء سجل خاص لدى الجهاز لتقييد هذه المكاتب، ما يضمن الشفافية والتنظيم.
كما ألزم القانون ممثلي الجهات المختلفة داخل وحدات تقديم الخدمات بالرد على طلبات الترخيص خلال خمسة أيام عمل فقط، وإلا اعتُبرت المستندات مستوفاة بحكم القانون، وهو ما يعد نقلة نوعية في مواجهة البيروقراطية التي طالما أعاقت الاستثمار الصغير.
وفي خطوة غير مسبوقة، أجاز القانون منح أصحاب المشروعات ترخيصًا مؤقتًا لمدة سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك خلال 15 يومًا فقط من تقديم المستندات الأساسية التي تثبت سلامة المشروع وصلاحيته للتشغيل، هذا الترخيص المؤقت يتيح لصاحب المشروع بدء نشاطه فورًا دون الحاجة للانتظار الطويل، على أن تستكمل الجهات المختصة إجراءاتها خلال هذه الفترة.
أما إذا لم تلتزم جهات الاختصاص بالرد خلال 30 يومًا من تقديم المستندات، فإن القانون منح الجهاز الحق في إصدار ترخيص نهائي يتمتع بكافة الآثار القانونية ويحل محل تراخيص تلك الجهات. هذه الآلية العملية قلصت بشكل كبير فرص تعطيل المشروعات أو تأجيلها، وهو ما يصب مباشرة في صالح الشباب والمستثمرين الجدد.
وأوجب التشريع تخصيص نسبة لا تقل عن 30% من الأراضي الشاغرة في المناطق الصناعية والسياحية والعمرانية وأراضي الاستصلاح الزراعي لصالح المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا البند يفتح الباب أمام آلاف الفرص الاستثمارية للشباب، خاصة أن هذه الأراضي يتم تجهيزها بالمرافق وتقسيمها وتخطيطها من قبل الجهات صاحبة الولاية، ثم طرحها للراغبين وفق اشتراطات تتناسب مع طبيعة الأنشطة المرخصة داخل تلك المناطق.
كما أجاز القانون إقامة مجمعات صناعية تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني على بعض الأراضي الزراعية، على أن يتم تحديد هذه الأراضي بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الجهاز وبالتنسيق مع الوزارات المعنية.
وتمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 90% من حجم الاقتصاد العالمي في كثير من الدول المتقدمة والنامية على السواء، ومن هنا، جاء القانون متسقًا مع هذه الرؤية العالمية، ليعزز مساهمة هذه المشروعات في الاقتصاد الوطني، ويحولها إلى رافعة حقيقية للنمو وتوفير فرص العمل والابتكار.
فمن خلال تبسيط الإجراءات، وتوفير الأراضي، وإتاحة التمويل، وتقديم الدعم الفني عبر جهاز تنمية المشروعات، بات بإمكان الشباب المصري أن يتحرك في بيئة استثمارية أكثر أمانًا ووضوحًا، بعيدًا عن العشوائية أو العمل غير الرسمي.
ومما سبق، يمكن القول إن القانون 152 لسنة 2020 هو تشريع للشباب في المقام الأول، لأنه يمنحهم فرصة حقيقية لدخول السوق بآليات واضحة وميسرة، فالمشروعات الصغيرة لم تعد محصورة في أنشطة متناهية الصغر، مثل الورش الفردية أو المشروعات المنزلية، بل توسعت لتشمل نطاقًا أوسع من الأنشطة الصناعية والزراعية والخدمية، بما يعكس مفهومًا أشمل لريادة الأعمال في مصر.
ويساهم القانون بشكل مباشر في خلق فرص عمل جديدة، ويعزز روح الابتكار، ويحد من البطالة، فضلًا عن كونه أداة مهمة لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية في قطاع المشروعات الصغيرة، ويمثل حجر الزاوية في بناء اقتصاد وطني قوي قائم على التنوع والابتكار، وجاء ليرسخ أن الدولة وضعت نصب عينيها القضاء على التعقيدات البيروقراطية، وتخصيص مساحات واسعة من الأراضي، ومنح التراخيص المؤقتة والنهائية بشكل سريع، بما يشكل بيئة مواتية للشباب والمستثمرين الصغار.