مع اقتراب الحديث عن إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، يطفو على السطح سؤال معقد: أين يمكن أن يجتمع الزعيمان لإجراء مفاوضات السلام المنتظرة؟ وكيف سيتم الخروج من المأزق القانونى الخاص بمذكرة اعتقال بوتين لارتكابه جرائم حرب؟.
ورغم ارتياح العواصم الأوروبية لنجاح جهودها فى منح زيلينسكى مقعدًا على الطاولة الدولية لمناقشة مستقبل بلاده، فإن الدبلوماسية الأصعب لا تزال بانتظار العالم، إذ يواجه الجميع تحديًا قانونيًا وسياسيًا يتمثل فى مذكرة التوقيف الصادرة بحق بوتين من المحكمة الجنائية الدولية، والمتعلقة بارتكاب جرائم حرب مزعومة، أبرزها نقل أطفال أوكرانيين إلى روسيا.
ويبقى تحديد مكان القمة الروسية الأوكرانية معلقًا بين أوروبا والشرق الأوسط، وسط حسابات معقدة تجمع بين القانون والسياسة والجغرافيا، فسويسرا وفيينا تحاولان تثبيت موقعهما كمراكز دبلوماسية، بينما يطل خيار المجر بجدل سياسى، فى حين تبدو تركيا والسعودية وقطر مرشحة بقوة بعيدًا عن تعقيدات المحكمة الجنائية الدولية.
وحتى تتضح وجهة الزعيمين، يظل العالم يترقب: أين سيجلس بوتين وزيلينسكى أخيرًا إلى طاولة السلام؟
صحيفة دويتش فيله الألمانية، نشرت تقريرًا حول أبرز الدول التى من الممكن استضافة القمة لأسباب مختفلة.
وزير الخارجية الألمانية يستبعد برلين ويشيد بسويسرا
وزير الخارجية الألمانى يوهان فادفول صرح بأن هناك أماكن جيدة فى أوروبا يمكن أن تستضيف المحادثات، لكنه استبعد برلين، مشيرًا إلى أن سويسرا كانت دومًا موقعًا مثاليًا لمثل هذه المفاوضات، غير أن المسألة ليست بهذه السهولة، فوجود مذكرة التوقيف يجعل سفر الرئيس الروسى إلى دول موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية أمرًا بالغ التعقيد، إذ يلزم القانون تلك الدول باعتقاله حال دخوله أراضيها.
سويسرا: مرشحة رغم التعقيدات
سويسرا، صاحبة التاريخ الطويل فى الحياد وموطن الأمم المتحدة، أعلنت استعدادها الكامل لاستضافة القمة، وأكد وزير خارجيتها إجنازيو كاسيس أن بلاده أكثر من مستعدة لاستضافة المفاوضات، فيما أشارت فرنسا تحديدًا إلى مدينة جنيف كخيار مثالي.
ورغم كونها عضوًا فى المحكمة الجنائية الدولية، شددت برن على أن بوتين سيتمتع بالحصانة خلال المفاوضات، لكن خبراء القانون، مثل ماتياس هولفوت من جامعة أمستردام، اعتبروا هذه الحجة "ضعيفة"، مؤكدين أن السلطات القضائية المستقلة لا الحكومات هى من تملك الكلمة فى قرارات الاعتقال.
وسويسرا تتمتع بسجل دبلوماسى حافل، فقد شاركت فى نحو 30 عملية سلام حول العالم، واستضافت عام 2021 قمة بين بوتين والرئيس الأمريكى السابق جو بايدن.
فيينا ملتزمة بالحياد العسكرى منذ الخمسينيات
النمسا أيضًا وضعت نفسها على قائمة الدول المرشحة، إذ عرض مستشارها العاصمة فيينا كمكان محتمل، ورغم أنها عضو فى الاتحاد الأوروبى، فإنها تلتزم الحياد العسكرى منذ خمسينيات القرن الماضى وتبقى خارج حلف الناتو.
فيينا، التى احتضنت مفاوضات تاريخية من الحرب الباردة حتى الملف النووى الإيرانى، تواجه نفس المعضلة القانونية الخاصة بمذكرة التوقيف، لكن خبراء النمسا يؤكدون أن بلادهم "مشهود لها بالتسويات"، ما قد يمنحها فرصة للعب دور الوسيط.
المجر: جدل سياسى وفكرة مشؤومة
الولايات المتحدة لمحت إلى إمكانية طرح المجر، التى انسحبت مؤخرًا من المحكمة الجنائية الدولية عقب اتهامها لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، ومن الناحية القانونية، قد يكون هذا أسهل، لكن سياسيًا يظل خيار بودابست مرفوضًا من كثير من الأوروبيين.
الذكريات التاريخية تلقى بظلالها أيضًا؛ ففى بودابست عام 1994، وقعت أوكرانيا اتفاقية للتخلى عن أسلحتها النووية مقابل ضمانات أمنية، لكن هذه الضمانات لم تصمد أمام الغزو الروسى، لذلك وصف رئيس الوزراء البولندى دونالد توسك العودة إلى بودابست بأنها "فكرة مشؤومة".
تركيا: وسيط بين موسكو وكييف
تركيا، العضو فى الناتو وغير الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، تبدو خيارًا منطقيًا، وفقًا لدويتش فيله، فقد استضافت إسطنبول عدة جولات تفاوضية هذا العام أسفرت عن تبادل للأسرى، فيما يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان لعب دور الوسيط مع كل من بوتين وزيلينسكي.
كما أن موقع تركيا الجغرافى، على البحر الأسود، ومرونتها فى التعامل مع الطرفين، يجعلها دولة مرشحة بقوة لاستضافة لقاء القمة.
الخليج: الرياض والدوحة على الخريطة
خارج أوروبا، يبرز الخليج العربى كخيار مطروح، السعودية وقطر لعبتا أدوارًا مهمة فى الوساطة مؤخرًا، وجدة استضافت محادثات ثلاثية بين مسؤولين أمريكيين وروس وأوكرانيين، فيما توسطت قطر فى اتفاق لإعادة عدد من الأطفال بين موسكو وكييف.
كما أن عدم انضمام البلدين إلى المحكمة الجنائية الدولية يمنحهما ميزة إضافية، إذ يزيل أى تعقيدات قانونية محتملة بشأن مذكرة التوقيف بحق بوتين.