يظل الإنسان المصرى هو جوهر عملية التنمية وغايتها الأولى، ومحورها الذى تدور حوله السياسات والاستراتيجيات الوطنية فى شتى المجالات، وفى ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، لم يعد الاستثمار فى البنية التحتية وحده كافيا، بل بات الاستثمار فى العقول والقدرات هو الرهان الحقيقى نحو مستقبل أكثر تقدما واستدامة.
ومن هذا المنطلق، يأتى قطاع التعليم العالى كأحد المفاتيح الأساسية لبناء الإنسان المصرى المؤهل والمبدع، القادر على التفاعل مع متغيرات العصر، والمساهمة الفاعلة فى التنمية الشاملة.
وفى إطار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2026/2025، التى قدمتها وزيرة التخطيط رانيا المشاط إلى البرلمان بغرفتيه (النواب، الشيوخ) تضع الدولة تطوير التعليم العالى على رأس أولوياتها، من خلال تنفيذ مشروعات استراتيجية تستهدف تعزيز البنية التحتية، وتوسيع الطاقة الاستيعابية، وتكريس التحول الرقمي، ودعم التخصصات الحديثة، إلى جانب الارتقاء بالخدمات الصحية الجامعية وربط البحث العلمى باحتياجات المجتمع.
وتنطلق الخطة، من محور التحول الرقمى باعتباره أداة محورية لتطوير التعليم والحوكمة، حيث تستكمل الجامعات الحكومية تنفيذ منظومة الاختبارات المميكنة بما يعزز من جودة التقييم الأكاديمى ويدعم معايير العدالة والشفافية، فضلا عن شمول التحول الرقمى ميكنة المستشفيات الجامعية، وهو ما يسهم فى رفع كفاءة تشغيل هذه المنشآت، وتقديم خدمات طبية أكثر فاعلية للطلاب والمواطنين، ويشكل ركيزة لدمج التكنولوجيا فى الإدارة الصحية الجامعية.
وانطلاقا من التكامل بين التعليم والقطاع الصحي، تستهدف الخطة تنفيذ عدد من مشروعات إنشاء وتطوير المستشفيات الجامعية، لدعم التعليم الطبى وتوسيع مظلة الخدمات العلاجية فى مختلف الأقاليم.
ويأتى على رأس هذه المشروعات إنشاء مستشفيات جامعية جديدة فى بورسعيد والسويس ودمياط وكفر الشيخ والإسماعيلية، بالإضافة إلى مستشفيات متخصصة مثل مستشفى الطوارئ، ومستشفى الأطفال الجامعي، ومراكز الأورام والجراحات الدقيقة، إلى جانب تطوير مستشفيات قائمة فى الزقازيق، بنها، بنى سويف، الأقصر، والقاهرة.
ويمثل هذا التوسع خطوة استراتيجية لرفع كفاءة التعليم الطبي، وتوفير بيئة تدريب عملية متكاملة، فضلا عن دوره الخدمى فى تحسين جودة الحياة فى المناطق المحيطة بهذه الجامعات.
ويأتى أيضا الاهتمام بالبنية الصحية، حيث تمضى الدولة قدما فى توسيع نطاق التعليم التكنولوجى والفني، من خلال استكمال 26 مشروعا للجامعات التكنولوجية على مستوى الجمهورية، والتى تعد جزءا من رؤية أوسع لربط التعليم باحتياجات التنمية الاقتصادية وتخريج كوادر فنية متخصصة، قادرة على قيادة النمو فى القطاعات الإنتاجية.
كما يشمل التوسع إنشاء مؤسسات تعليمية متقدمة، من بينها الجامعة الفرنسية، وجامعة سنجور، وكلية الذكاء الاصطناعي، والتى تجسد توجه الدولة نحو إدماج التخصصات الحديثة فى منظومة التعليم العالي، إلى جانب إنشاء كليات نوعية جديدة فى بنها وسوهاج، بما يعزز التوازن الجغرافى فى فرص التعليم.
وفى ضوء أهمية تطوير البنية التحتية التعليمية، تستكمل الخطة العديد من المشروعات الإنشائية والبحثية التى تُسهم فى تحسين البيئة الأكاديمية وتوسيع الطاقة الاستيعابية للجامعات، لاسيما فى المناطق النائية والصعيد.
ومن أبرز هذه المشروعات مبنى صحة المرأة بجامعة جنوب الوادي، والمجمع الطبى الجديد، ومعهد الأورام بالشيخ زايد، ومجمع المعامل المركزية بدمياط، إلى جانب استكمال كليات جديدة فى المنيا، دمنهور، بورسعيد، الوادى الجديد، والغردقة، ما يعكس سعى الدولة إلى تحقيق عدالة التوزيع الجغرافى للخدمات التعليمية وتوفير تعليم جامعى متميز لكافة المحافظات.
كما لا تغفل الخطة جانب تطوير التجهيزات الطبية التعليمية، حيث يشمل أحد مشروعاتها تحديث بنك الدم بجامعة عين شمس، وهو ما يدعم منظومة التعليم الطبى من ناحية، ويخدم البعد الإنسانى والصحى من ناحية أخرى.
وتتكامل جهود وزارة التعليم العالى والبحث العلمى ضمن خطة 2026 /2025 فى إطار رؤية تنموية شاملة، تستند إلى الربط بين التخصصات الحديثة، والبنية التحتية المتطورة، والتحول الرقمي، والخدمات المجتمعية. ويمثل هذا التوجه خطوة محورية نحو تعزيز تنافسية منظومة التعليم العالى فى مصر، وإعداد أجيال قادرة على المساهمة الفاعلة فى الاقتصاد الوطني، وقيادة التنمية المستدامة فى مختلف المجالات.