ما زال الصدمة والحديث مستمراً بشأن حادث الطريق الإقليمى والشهير بحادث "بنات العنب"، الذى راح ضحيته 19 بنتاً، والذى أثار حالة حزن وغضب واسعة داخل الشارع المصرى، نظراً لكثرة عدد الضحايا، فضلاً عن صغر أعمار الضحايا والملابسات المحيطة بالحادث، حيث وقع حادث تصادم المروع بين سيارة نقل ثقيل وحافلة صغيرة "ميكروباص"، بالطريق الإقليمي بنطاق مركز أشمون في محافظة المنوفية، ما يؤكد معه أن حوادث الطرق تتسبب فى إزهاق أروح المئات سنويا.
وفى الحقيقة تتسبّب حوادث الطرق والمرور في خسائر اقتصادية فادحة للأفراد وأسرهم وللبلدان بأسرها، وتنجم هذه الخسائر عن تكلفة العلاج للمصابين وكذلك فقدان إنتاجية الأشخاص الذين يلقون حتفهم أو يُصابون بالعجز بسبب إصاباتهم، وأفراد الأسرة الذين يضطرون إلى التغيب عن العمل أو المدرسة لرعاية المصابين، وتكلّف حوادث المرور معظم البلدان نسبة قدرها 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
حوادث الطرق بين النظام المصري والفرنسي
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على مسئولية الدولة عن حوادث الطرق بين النظام المصري والفرنسي، فقد أصبحت الحوادث المرورية خطيرة ومرعبة، وذلك لأهميتها وتأثيرها على المجتمع، وأصبحت كمرض خطير ينتشر ويقضي على الناس والممتلكات، لذا يجب التفكير في إيجاد الحلول للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد من انتشارها، والحقيقة فإن حوادث السير تنتج عن السلبيات التي تقع بسبب استخدام السيارات على الطرق السريعة أو داخل المدن، وهذه الحوادث لا تحصل مصادفة وإنما نتيجة لطبيعة الطريق، أو خلل في السيارة، أو سوء تصرف من السائق كالسرعة وقطع الإشارات، أو من مستعملي الطريق من المشاة، أو بالتداخل ما بين هذه العوامل التي تكون سبباً في وقوع الحوادث - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض الدكتور حازم عبدالحاكم العيسوى.
في البداية - تشكل الحوادث المرورية هاجساً وقلقاً لكافة أفراد المجتمع وعقبة في طريق الصحة والتنمية، وتشكل حرباً غير معلنة تزهق أرواحا لأبرياء باطراد، حيث تقف حوادث الطرق وراء مجزرة عالمياً ومحليا تحصد أرواح الملايين سنوياً وتسبب الإعاقات لملايين أخرى عدا عن آثارها الاقتصادية والاجتماعية، حيث تتسبب حوادث الطرق في مقتل حوالي 1.2 مليون شخص في العالم سنوياً وإصابة حوالى 50 مليون شخص آخرين بالإعاقة، وحوادث الطرق هي السبب الرئيسي الثاني للوفاة عالمياً – وفقا لـ"العيسوى".
فقد باتت حوادث الطرق جرحًا مفتوحًا في وعي المجتمع، ليس فقط لكثرتها، بل لما تكشفه من فجوات في البنية القانونية والرقابية، وبينما يتصاعد الجدل حول من يتحمل المسؤولية، يبقى السؤال الجوهري: هل تؤدي الدولة دورها في حماية حق المواطنين في الطرق الآمنة؟ فهنا نعرض مقارنة قانونية بين التشريعين المصري والفرنسي، بهدف استجلاء أوجه القصور واستكشاف نماذج أكثر فاعلية في ضمان السلامة العامة – هكذا يقول "العيسوى".
أولا: المسؤولية في النظام المصري:
يعتمد القانون المصري في مساءلة الدولة على قاعدة المسؤولية التقصيرية، التي تتطلب إثبات خطأ جسيم من جهة الإدارة، وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا أن إهمال صيانة الطرق أو غياب الإشارات التحذيرية يرقى إلى هذا المستوى، كما في حكمها بالطعن رقم 26387 لسنة 58 ق - لكن تبقى الصعوبة في أن عبء الإثبات يقع على كاهل المتضرر، مما يعقّد إمكانية التعويض في كثير من الحالات، لا سيما في ظل ضعف تقارير التحقيقات والعبء الملقى على عاتق القضاء من كثرة المنازعات – طبقا للخبير القانونى.
ثانيا: المسئولية في النظام الفرنسي.
يتبنى النظام الفرنسي مقاربة أشمل، تقوم على مبدأ "المسؤولية بدون خطأ" في حال تعلق الضرر بمرفق عام خطِر، مثل الطرق السريعة والأنفاق، فوفقًا لحكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية Dalleau عام 1973، تكون الدولة مسؤولة عن الأضرار حتى دون وجود خطأ ثابت، إذا كان الطريق بطبيعته ينطوي على خطر غير اعتيادي لم تُتخذ حياله التدابير الوقائية الكافية، ويهدف هذا التوسّع إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتخفيف العبء عن كاهل الضحية – الكلام لـ"العيسوى".
ثالثا: التحديات العملية في مصر
رغم وضوح المبادئ القانونية، تواجه الدولة صعوبات مزمنة في التطبيق، منها ضعف الموارد المخصصة لصيانة الطرق، ونقص الكوادر الفنية، وتعقيدات إثبات المسؤولية أمام القضاء، كما أن الرقابة على السائقين متقطعة، وآليات كشف تعاطي المخدرات غير مفعّلة بانتظام، ما يجعل النظام الوقائي هشًّا وغير رادع – بحسب "العيسوى".
الخلاصة:
يظهر بجلاء أن المسئولية القانونية للدولة عن حوادث الطرق في مصر لا تزال مرتبطة بإثبات الخطأ، خلافًا لما يمنحه النظام الفرنسي من حماية أوسع عبر نظرية الخطر الاجتماعي – ولذا - فإن إصلاح الواقع يقتضي مراجعة شاملة للبنية التشريعية، وتوسيع نطاق المسؤولية ليشمل حالات الخطر الجسيم دون اشتراط التقصير، مع تفعيل دور الرقابة الوقائية بشكل حازم، فحق المواطن في الحياة لا يحتمل التسويف، والطريق الآمن ليس ترفًا بل التزام على دولة.