السبت، 14 يونيو 2025 05:09 ص

فرنسا ويوم بلا هواتف خطوة جريئة نحو استعادة الإنسان.. الغرض استعادة العلاقات الإنسانية التي بدأنا نخسرها تدريجيًا.. وإعادة الدور المجتمعي للمؤسسات والمقاهي بالتلاقى.. وخبير يوضح تأثيرها السلبى على الصحة العقلية

فرنسا ويوم بلا هواتف خطوة جريئة نحو استعادة الإنسان.. الغرض استعادة العلاقات الإنسانية التي بدأنا نخسرها تدريجيًا.. وإعادة الدور المجتمعي للمؤسسات والمقاهي بالتلاقى.. وخبير يوضح تأثيرها السلبى على الصحة العقلية الهواتف المحمولة - أرشيفية
الجمعة، 13 يونيو 2025 09:00 ص
كتب علاء رضوان

ما زالت فرنسا تعتزم تجربة حظر استخدام الهواتف المحمولة في المدارس للتلاميذ حتى سن 15 عاما، وذلك بهدف منح الأطفال ما أطلقوا عليه فترة توقف رقمية، وإذا ثبت نجاحها يجرى طرحها على مستوى البلاد اعتبارا من يناير المقبل، وتسعى وزيرة الشؤون الرقمية والذكاء الاصطناعي الفرنسي، كلارا شاباز، إلى توحيد أوروبا لإلزام شركات التواصل الاجتماعي بتطبيق علامات التحقق من العمر، مضيفا أن وسائل التواصل الاجتماعي لا ينبغي أن تكون متاحة للأطفال دون سن 15 عاما.

 

واتخذت فرنسا موقفا صارما ضد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وقضاء الأطفال وقتا أمام الشاشات، في العام الماضي، حيث أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه لحظر استخدام الهواتف المحمولة للأطفال دون سن الـ11، وحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن الـ15، ووافقه شاباز الرأي، وفي مقابلة مع صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية، صرحت قائلة: "لا استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي قبل سن الخامسة عشرة"، إلا أن الفكرة تحولت من الأطفال والتلاميذ للكبار أنفسهم للحد من الإفراط في استخدام الهواتف الذكية. 

 

11

 

فرنسا ويوم بلا هواتف خطوة جريئة نحو استعادة الإنسان

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على اعتزام فرنسا تجربة يوم بلا هواتف في المدارس للتلاميذ حتى سن 15 عاما، حيث إن ما يقرب من 200 مدرسة ثانوية تخضع للتجربة التي تتطلب من الشباب تسليم الهواتف عند وصولهم إلى مكتب الاستقبال، والهدف هو منح الشباب استراحة رقمية، وذلك بعدما أعربت لجنة شكلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقها من الإفراط في تعرض الأطفال للشاشات، لما لذلك من تأثير ضار على صحتهم ونموهم، فقد خلص تقرير مكون من 140 صفحة إلى وجود إجماع واضح للغاية بشأن التأثيرات السلبية المباشرة وغير المباشرة للأجهزة الرقمية على النوم، والخمول، والافتقار إلى النشاط البدني، وخطر زيادة الوزن وحتى السمنة، فضلاً عن البصر - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.

 

بادئ ذي بدء - تشهد المجتمعات الحديثة تطورًا غير مسبوق في الوسائل التكنولوجية، وقد فرضت الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية حضورها القوي في كل تفاصيل الحياة اليومية، وبينما أسهمت هذه الوسائل في تسهيل التواصل وتبادل المعرفة، إلا أن الإفراط في استخدامها أفرز مشكلات اجتماعية ونفسية متزايدة، أهمها العزلة، وتراجع مهارات التواصل الواقعي، وفقدان التوازن بين العالم الرقمي والحياة الحقيقية – وفقا لـ"العزاوى". 

 

جد

 

في مواجهة هذا الواقع، برزت في فرنسا مبادرة وطنية مميزة حملت عنوان "يوم إعادة الاتصال" (Reconnexion Day)، تقرر تنفيذها لتكون دعوة جماعية ليوم واحد بلا هواتف ولا شاشات، وسنتناول في هذا المقال تفصيلًا، أصل الفكرة وأهدافها، الدور المجتمعي للمؤسسات والمقاهي، البعد النفسي والاجتماعي، رسالة إلى العالم، وذلك على أربعة مطالب – هكذا يقول "العزاوى".

 

المطلب الأول: أصل الفكرة وأهدافها

 

انطلقت المبادرة من مبدأ بسيط وعميق: نحن بحاجة إلى التوقف المؤقت عن التفاعل الرقمي، لنستعيد العلاقات الإنسانية التي بدأنا نخسرها تدريجيًا، والمبادرة لا تفرض الحظر الإجباري على استخدام الهواتف، لكنها تدعو الناس إلى تخصيص هذا اليوم للابتعاد طوعًا عن هواتفهم الذكية، والذهاب إلى الحدائق العامة، أو المقاهي، أو التجمعات المفتوحة، والتفاعل وجهًا لوجه مع الآخرين، بدون وسائط إلكترونية، والهدف من هذا اليوم هو إعادة الاعتبار للتواصل الإنساني الحقيقي، وتعزيز فكرة التلاقي المباشر، وبناء الروابط الاجتماعية بعيدًا عن الفلاتر والإشعارات والشاشات، المبادرة تسعى كذلك إلى نشر ثقافة الوعي الرقمي، وتوجيه المجتمع نحو الاستخدام المتوازن للتكنولوجيا، بحيث تكون وسيلة لا غاية، وأداة للتواصل لا بديلاً عنه – الكلام لـ"العزاوى". 

 

22

 

المطلب الثاني: الدور المجتمعي للمؤسسات والمقاهي

 

تشارك في هذه المبادرة العديد من المقاهي والمطاعم التي قررت أن تكون جزءًا من الحدث بطريقتها الخاصة، حيث أعلنت بعض المؤسسات أنها لن توفر الإنترنت لزبائنها في ذلك اليوم، وسترفع لافتات توعوية كتب عليها: "لا يوجد نت، تحاور مع صديقك"، وهذا الإجراء الرمزي يهدف إلى خلق بيئة تشجع التفاعل الإنساني بعيدًا عن الانشغال بالهواتف، ويعيد إلى المقاهي دورها القديم كمراكز للقاء والتحاور وتبادل الأفكار.

 

المطلب الثالث: البعد النفسي والاجتماعي

 

تشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية له تأثيرات سلبية على الصحة العقلية، منها القلق، التشتت، اضطرابات النوم، وتراجع مستوى الانتباه والتركيز، كما أن التواصل عبر الرسائل والتطبيقات لا يرقى إلى جودة التواصل المباشر من حيث التأثير العاطفي، ونقل المشاعر، وفهم لغة الجسد، ومن هنا، تأتي أهمية "يوم إعادة الاتصال" كفرصة لإعادة اكتشاف معنى اللقاءات الحقيقية، والحديث الهادئ مع الأصدقاء أو أفراد العائلة، دون أن تقاطعه رنات الهاتف أو إشعارات التطبيقات. 

 

499998013_1652899138692468_833843465011398644_n

 

المطلب الرابع: رسالة إلى العالم

 

ما يميز هذه المبادرة ليس فقط محتواها، بل توقيتها ورسالتها العالمية، فهي تذكّر المجتمعات الأخرى بأن هناك ضرورة لإعادة التفكير في الطريقة التي نعيش بها يومياتنا، وأن التكنولوجيا رغم فوائدها لا يمكن أن تكون بديلًا عن الوجود الإنساني الحقيقي، بل إن هذه الدعوة قد تشكل نموذجًا يمكن أن تحتذي به دول أخرى، في سعيها نحو معالجة آثار العزلة الرقمية والانفصال العاطفي الذي تسببه الأجهزة الذكية.  

 

خلاصة القول:

 

في نهاية المطاف يوم بلا هواتف ليس يومًا ضد التكنولوجيا، بل هو يوم من أجل الإنسان، إنه دعوة للعودة إلى الذات، إلى اللحظات التي لا تحتاج إلى توثيق أو مشاركة، وإنما إلى أن تُعاش بعمق، فرنسا من خلال هذه المبادرة ترسل رسالة مفادها أن التواصل البشري هو جوهر الحياة، وأن أعين الأصدقاء أغنى من كل الشاشات، إن نجاح هذه التجربة قد يفتح الباب لمزيد من المبادرات التي توازن بين التقدم الرقمي والحفاظ على القيم الإنسانية، وتُعيد للإنسان مكانته وسط عالم تهيمن عليه الآلات.  

 

ججسسس
 
800064-800064-مم
 
أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي

print