الإثنين، 09 يونيو 2025 03:16 ص

المسؤولية الجنائية الناشئة عن "تهكير الدماغ البشرى".. "فراغ تشريعى" عربى أمام تجريم "قرصنة الدماغ".. 4 عناصر تتصدى للأزمة.. أبرزها "الرؤية الاستشرافية نحو تشريع عقلى حديث".. وخبير يُجيب عن الأسئلة الشائكة

المسؤولية الجنائية الناشئة عن "تهكير الدماغ البشرى".. "فراغ تشريعى" عربى أمام تجريم "قرصنة الدماغ".. 4 عناصر تتصدى للأزمة.. أبرزها "الرؤية الاستشرافية نحو تشريع عقلى حديث".. وخبير يُجيب عن الأسئلة الشائكة قرصنة الدماغ البشرية - أرشيفية
الأحد، 08 يونيو 2025 10:00 م
كتب علاء رضوان

نجح علماء في تحقيق اختراق علمي بالغ الأهمية، حيث تمكنوا من ابتكار تكنولوجيا يُمكنها التحكم بعقل الإنسان عن بُعد، وهو ما يُشكل تطوراً بالغ الأهمية، وقد يؤدي إلى علاج الكثير من الأمراض لكنه في نفس الوقت قد يجعل من السهل التحكم بالبشر والسيطرة عليهم وعلى تصرفاتهم من قبل الآخرين، فإذا كنت تتخوف من الهجمات الإلكترونية على أجهزتك وسرقة بياناتك، فسيكون ذلك أقل ما تخشاه، لأن الهجمات في المستقبل ستكون على الدماغ البشرية وقرصنتها والسيطرة عليها للتلاعب بالذاكرة.

ذلك أن المجرمين الإلكترونيين يعملون على استغلال الأجهزة العصبية التي تُزرع داخل جسم الإنسان بهدف سرقة الذكريات البشرية والتجسس عليها أو تغييرها والتحكم فيها، وسيكون مفهوم الفيروس مبهما للأطباء في المستقبل القريب، حيث يمكن أن يتحول مفهوم الإصابة من الإصابة بفيروس بيولوجي إلى الإصابة بفيروس رقمي، وهذا النوع من الاختراق الرقمي موجود حاليا عند التغلغل في أجهزة تحفيز عميق للدماغ. 

 

11   

 

المسؤولية الجنائية الناشئة عن تهكير الدماغ البشري  

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على المسؤولية الجنائية الناشئة عن تهكير الدماغ البشري وقرصنتها، وذلك في ظل التسارع الكبير في مجالات الذكاء الاصطناعي، والواجهات الدماغية الحاسوبية، وعلوم الأعصاب، أصبح التداخل بين التكنولوجيا والدماغ البشري واقعًا ملموسًا، وقد ظهر في هذا السياق مفهوم "تهكير الدماغ البشري"، وهو مصطلح يشير إلى محاولات التأثير المباشر على أنماط التفكير، والسلوك، واتخاذ القرار عند الإنسان، من خلال أدوات تقنية تتجاوز الاستخدامات الطبية أو العلاجية المشروعة - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.

في البداية - هذا التطور يضع أمام الفقه والقانون تحديًا حقيقيًا، يتمثل في كيفية التكييف القانوني لهذا الفعل، وتحديد المسؤولية الجزائية التي قد تترتب عليه، لا سيما في ظل غياب نصوص قانونية صريحة تُجرم هذا الفعل حتى الآن، وقد قرّرت شركة آبل الأميركية للتكنولوجيا تبني تقنية تتيح للمستخدمين التحكم في أجهزة آيفون عن طريق دماغهم، وعملت مع شركة سينكرون الناشئة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب، والتي تمتلك جهازاً قابلاً للزراعة في الدماغ يترجم موجاته إلى تعليمات للأجهزة، وسوف تُطرَح هذه الطريقة لاحقاً هذا العام لمطورين آخرين، وقد تحسّن وظائف واجهة الدماغ والحاسوب وإمكانية الوصول إليها، مما قد يحدث ثورة في كيفية تفاعل البشر مع أجهزتهم – وفقا لـ"العزاوى".   

 

44

 

المطلب الأول: ماهية تهكير الدماغ البشري

أولاً- المفهوم العام: تهكير الدماغ هو عملية اختراق أو تلاعب خارجي بالدماغ البشري، من خلال وسائل تكنولوجية متقدمة، تهدف إلى التأثير على الوعي أو السلوك دون إذن أو علم صاحب الدماغ، وقد يتم ذلك عبر زرع شرائح دقيقة، أو استخدام تقنيات التحفيز العصبي، أو التحكم الكهرومغناطيسي، أو من خلال برامج تحليل الموجات الدماغية وربطها بقرارات آلية – الكلام لـ"العزاوى".

ثانياً- الأهداف المحتملة: تتراوح أهداف هذه العمليات بين التجسس العقلي، أو التلاعب بالقرارات (الانتخابية، التجارية، أو الاجتماعية)، أو زرع ذكريات أو مشاعر معينة، أو إضعاف مقاومة الضحية لإجباره على فعل شيء معين،  يعد ذلك مساسًا خطيرًا بحرية الإرادة وحرمة العقل.  

 

499397351_1651286962187019_3942329351648951710_n

 

المطلب الثاني: التكييف القانوني لتهكير الدماغ البشري

تهكير الدماغ البشري هو نمط جديد من السلوكيات الإجرامية، لم تتعامل معه التشريعات الوضعية بشكل صريح بعد، ولكن بالإمكان تكييفه قانونيًا وفق المبادئ العامة لقانون العقوبات.

أولاً- التعدي على سلامة الجسد والعقل: من الممكن إدخال تهكير الدماغ ضمن الجرائم الواقعة على الأشخاص، تحديدًا تلك التي تمس السلامة الجسدية والعقلية، إذ أن التأثير على الدماغ يفضي إلى تغيير إدراك الإنسان وسلوكه، ما يشكل ضررًا معنوياً قد يفوق الضرر الجسدي.

ففي القانون المصري: فقد اقتصر على الإيذاء الجسدي (م 240–243 من قانون العقوبات)، دون تناول التأثيرات العصبية أو الذهنية الناجمة عن التكنولوجيات الحديثة.

أما القانون العراقي: تناولت المواد (م410–417) من قانون العقوبات العراقي حماية السلامة البدنية، غير أنها لم تتوسع لتشمل الاعتداء العقلي الناتج عن تكنولوجيا التحكم الذهني.

بينما سمح القانون الإماراتي: (المادة 103 من قانون العقوبات) بتفسير موسع للضرر ليشمل الجوانب النفسية، لكنه لا يتضمن نصوصًا صريحة بشأن التحكم في الدماغ. 

 

66

 

ملحوظة: ومن وجهة نظرنا، فإنه لا تزال التشريعات تعاني قصورًا في معالجة الاعتداء غير المادي على العقل، رغم ما يشكله من خطر يتجاوز أحيانًا الأذى البدني.

ثانياً- انتهاك الخصوصية الفكرية: يتقاطع تهكير الدماغ مع الجرائم المعلوماتية، حيث أن الوعي والذاكرة والمشاعر تُصبح "مادة" للقرصنة، مثلها مثل البيانات والمعلومات الإلكترونية، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للخصوصية وحرية الفكر.

وفي السياق ذاته - فلا يُنظم القانون العراقي هذه المسائل حاليًا، إلا أن مشروع قانون جرائم المعلوماتية أشار إلى حماية خصوصية البيانات، دون التطرق للخصوصية العقلية أو الشعورية.

أما في القانون المصري: يقر قانون مكافحة تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 بجرم اختراق البيانات الخاصة، لكنه لا يشمل صراحة اختراق الوعي أو الأفكار.

بينما يُعد القانون الإماراتي أكثر تطورًا، إذ ينص القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 على تجريم اختراق الأنظمة وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لأغراض ضارة، مما قد يُفهم ضمنًا أنه يشمل التلاعب بالعقل. 

 

22

 

ومن هذا الجانب يتبين لنا بأن هناك حاجة ملحة إلى تحديث التشريعات بشكل صريح لحماية "الخصوصية العقلية" بوصفها نوعًا من البيانات الحساسة.

ثالثاً- الإكراه التقني: إذا تم التأثير على إرادة الشخص بطريقة تؤدي إلى صدور أفعال إجرامية عنه (كالقتل أو السرقة)، فإننا نكون أمام صورة جديدة من الإكراه، تُسمى "الإكراه التكنولوجي"، وهو ما يستدعي مراجعة مفهوم الركن المعنوي في الجريمة.

في الحقيقة ان القوانين الجنائية في العراق ومصر والإمارات تعتمد على مفهومي الإكراه المادي والمعنوي التقليديين "مثلاً: المادة 60 من القانون العراقي، المادة 62 من القانون المصري"، لذلك لا تُقر أي من هذه القوانين بالإكراه الناتج عن تدخل تقني في الدماغ، رغم ما يترتب عليه من غياب الإرادة الحقيقية لدى الجاني، وبدورنا نرى أن الأمر يقتضي إعادة النظر في شروط المسؤولية الجنائية لتشمل حالات الإكراه الناتجة عن التكنولوجيا، حمايةً للعدالة الجنائية ومبادئها – هكذا يقول "العزاوى". 

 

طج

 

المطلب الثالث: المسؤولية الجزائية في ضوء القانونين الحالي.

أولاً- غياب النصوص الخاصة: لا توجد في أغلب التشريعات الجنائية نصوص صريحة تُجرم تهكير الدماغ، وبالتالي، يعتمد القاضي على القياس أو الاجتهاد، وقد يواجه صعوبة في إثبات عناصر الجريمة التقليدية، مثل الركن المادي والمعنوي.

ثانياً- صعوبة الإثبات: يعد إثبات عملية تهكير الدماغ أمرًا معقدًا للغاية، إذ قد لا تترك آثارًا جسدية مباشرة، بل تكون التأثيرات نفسية أو عقلية بحتة، مما يتطلب أدوات فنية متطورة لفحص الموجات العصبية أو تحليل البيانات البيومترية للدماغ.

ثالثاً- مسؤولية المطورين والتقنيين: في حال كانت البرمجيات أو الأنظمة المستخدمة في التهكير تعمل بصورة شبه مستقلة (كالذكاء الاصطناعي التوليدي أو الأنظمة ذاتية التعلم)، فإن السؤال يُطرح حول ما إذا كانت المسؤولية تقع على المطور، أم المستخدم، أم الشركة المنتجة. 

 

دطي

 

المطلب الرابع: الرؤية الاستشرافية نحو تشريع عقلي حديث

أمام هذا التهديد الصاعد، يُصبح من الضروري تطوير منظومة قانونية تستجيب لهذا التحدي، من خلال العناصر التالية – طبقا لـ"العزاوى":

أولاً- الاعتراف بحق الإنسان في سلامة عقله: ينبغي الاعتراف بحق الإنسان في حماية دماغه من التدخل الخارجي، تمامًا كما تُحمى خصوصية جسده أو بياناته الشخصية. وهذا يتطلب إدراج مفهوم "حرمة العقل" ضمن المواثيق الحقوقية الوطنية والدولية.

ثانياً- تجريم تهكير الدماغ بشكل صريح: ينبغي أن تتضمن التشريعات الجنائية نصوصًا واضحة تُجرم التلاعب بالدماغ البشري أو التأثير على قراراته بواسطة الوسائل التقنية، سواء كان التأثير مباشراً أو غير مباشر.

ثالثاً- تشديد العقوبات: نظرًا لجسامة الفعل وخطورته على المجتمع، يجب أن تكون العقوبات صارمة، وتُصنف جريمة تهكير الدماغ ضمن الجرائم الكبرى "كالإرهاب أو التجسس"، لما لها من تأثير في زعزعة السلم الاجتماعي.

رابعاً- إنشاء هيئة مختصة بالجرائم العقلية: من الضروري إنشاء جهاز متخصص لمراقبة استخدام تقنيات التحكم العصبي، يرصد الاستخدامات غير المشروعة، ويمنع تسربها إلى الأيدي الخطأ، سواء عبر السوق السوداء أو عبر برامج مفتوحة المصدر. 

وفي ضوء ذلك يطرح الأستاذ الدكتور سيبو دانيال، تسأولاً مهماً وهو هل يمكن ان تنتقل فيروسات الكمبيوتر إلى جسم الإنسان بعد زراعة الشرائح الإلكترونية في الدماغ. 

 

33

 

خلاصة القول:

وفى الأخير يقول "العزاوى": إن تهكير الدماغ البشري يمثل تحديًا قانونيًا وأخلاقيًا حقيقيًا في عصر ما بعد الحداثة، ويستدعي وقفة جادة من الفقهاء والمشرعين، قبل أن يتحول العقل البشري إلى منطقة غير آمنة، فحماية الدماغ هي حماية لجوهر الكرامة الإنسانية، ولا يمكن لأي تطور تكنولوجي أن يُبرر المساس بها المستقبل يبدأ الآن، والتشريع يجب أن يواكبه، لا أن يلهث خلفه.   

 

587628-طططس

أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي
 

print