تشهد العلاقات الدولية لإسرائيل توتراً متصاعداً، مع استمرار العمليات العسكرية التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، ورفضها المتكرر لدعوات وقف إطلاق النار، وسط تنديد متزايد من المجتمع الدولي، حتى من أقرب الحلفاء.
وتؤكد تقارير وتحليلات سياسية أن السياسات الإسرائيلية الحالية، بما في ذلك تشديد الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بدأت تدفع العديد من الدول الغربية إلى إعادة تقييم علاقاتها مع تل أبيب، مع تنامي الدعوات لفرض عقوبات عليها.
ووفقاً لما نشره موقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن الحكومة الإسرائيلية توسع الفجوة بينها وبين شركائها الدوليين، بسبب استمرار العمليات العسكرية وتجميد المساعدات، الأمر الذي وصفه التقرير بـ"تسونامي دبلوماسي" يواجه نتنياهو، بعد أن كان يتمتع بدعم دولي واسع عقب هجوم 7 أكتوبر.
وخلال الشهور الماضية، فقدت إسرائيل الدعم العلني من عدة دول حليفة، باستثناء الولايات المتحدة، حيث تصاعدت الانتقادات بعد إنهاء وقف إطلاق النار في مارس الماضي، وتوقف وصول الغذاء والماء والدواء إلى غزة.
ووصلت الضغوط إلى ذروتها هذا الشهر، مع إطلاق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة لإعادة السيطرة على غزة، بدلاً من التفاوض على صفقة للإفراج عن الرهائن وإنهاء القتال، وهو ما أثار غضب عواصم أوروبية عدة.
وفي 19 مايو، أصدر كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء كندا مارك كارني، ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر بياناً مشتركاً قالوا فيه: "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام استمرار هذه الأفعال، وإذا لم ترفع إسرائيل القيود عن المساعدات وتوقف عملياتها العسكرية، فسنضطر لاتخاذ خطوات ملموسة".
رئيس الوزراء الإسرائيلي رد على هذه التصريحات باتهام القادة الغربيين بأنهم "يخدمون مصالح حركة حماس"، مشدداً على أن حكومته لن تسمح بإعادة بناء ما وصفه بـ"جيش حماس"، ومواصلة تنفيذ ما يعتبره "تفويضاً لحماية إسرائيل".
وفي سياق متصل، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" أن الجيش الإسرائيلي استخدم مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية خلال عملياته البرية، في انتهاك محتمل للقانون الدولي.
وفي مؤشر واضح على تغير مواقف الحلفاء، أعلنت المملكة المتحدة الأسبوع الماضي تعليق مفاوضات التجارة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين تورطوا في اعتداءات على الفلسطينيين، كما تعتزم فرنسا استضافة مؤتمر مشترك مع السعودية لبحث سبل إحياء حل الدولتين، وتدرس الاعتراف بدولة فلسطين.
أما إسبانيا، فقد سبقت هذه الخطوة بالفعل، إلى جانب النرويج وإيرلندا، فيما وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ما تقوم به إسرائيل في غزة بأنه "إبادة جماعية"، داعياً إلى منع مشاركتها في مسابقة "يوروفيجن" الغنائية.
من جهته، دعم 17 وزير خارجية من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي مقترحاً تقدمت به هولندا لمراجعة اتفاقية التجارة مع إسرائيل.
ورغم نفي تل أبيب وجود نية لتغيير نهجها، وافقت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً على السماح بدخول جزئي للمساعدات الإنسانية إلى غزة، في ما اعتبره مراقبون تراجعاً تحت ضغط دولي متزايد.
ووفق تسريبات نقلت عن اجتماعات مجلس الأمن الإسرائيلي المصغر، حذر وزير الخارجية جدعون ساعر من أن منع المساعدات لن يضعف حركة حماس، بل سيؤدي إلى "فقدان الدعم الدولي"، وهو ما تحقق فعلياً، بحسب تصريحات لمصدر رسمي.
وبحسب تقرير أكسيوس، لا يزال نتنياهو متمسكاً بخطة "الهجرة الطوعية" لسكان غزة، رغم ما قد تسببه من تداعيات خطيرة على صورة إسرائيل الدولية، وربما تدفع بها إلى مزيد من العزلة، كما أنه أصر في تصريحات أخيرة على أن الحرب "لن تتوقف حتى تنفيذ الخطة".