حرب التصريحات حول تعديلات قانون الإيجار القديم بدأت منذ عدة أيام، وتحديداً منذ عرض مواد مشروعي القانونين المقدّمين من الحكومة إلى مجلس النواب بشأن الإيجارات القديمة، واللذين أحيلا إلى لجنة مشتركة من لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير، ولجنتي الإدارة المحلية والشئون الدستورية والتشريعية، حيث بدأت اللجنة المشتركة مناقشتهما من حيث المبدأ في أولى اجتماعاتها، وذلك في ضوء الحوار المجتمعي الذي يعكف عليه مجلس النواب خلال الفترة الحالية، وسط تأكيدات على أن القانون في صورته النهائية سيكون متوازنًا، دون انحياز لطرف على حساب آخر، وكان أبرز تلك المقترحات الإخلاء والطرد بعد مرور 5 سنوات والتي آثارت جدلاً واسعاً.
وتمثل أزمة الإيجارات القديمة واحدة من أكثر القضايا الشائكة في الساحة القانونية والإجتماعية في مصرمنذ عقود من الزمن، لما تنطوي عليه من تعارض حاد بين حقوق الملاك ومصالح المستأجرين، وقد سعت الحكومة مؤخرًا إلى معالجة هذه الأزمة من خلال مشروع قانون جديد يتعلق فقط بالأماكن المؤجرة لغرض السكنى، والأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعية لغير غرض السكنى كالأنشطة التجارية والإدارية والمهنية، وفقا لأحكام قانونى 49 لسنة 1977، وقانون رقم 136 لسنة 1981 .
تحليل شامل لمشروع قانون بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على محطات فاصلة مرت على قوانين الإيجار القديم، أبرزها حكم الدستورية الصادر نوفمبر سنة 2024، وتحليل قانوني شامل لمشروع قانون بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن، خاصة وأن قانون الإيجار القديم عمره عشرات السنين، وكان معمول في وقت كانت فيه الظروف الاقتصادية والاجتماعية مختلفة تمامًا، واليوم تغير الواقع، فالإيجارات مازالت ثابتة، لكن الأسعار ارتفعت، والنتيجة إن آلاف المُلاك ليسوا قادرين من الإستفادة بملكهم، كما أن آلاف المستأجرين يروا إن القانون الجديد سيطردهم من بيوتهم التي عاشوا فيها عُمرهم منذ الصغر، الأمر الذى يطرح معه ضرورة أن يكون الحل عادل دون أن يكون هناك ظلم جديد يعالج ظلم قديم، حيث أن المالك عنده كل الحق في أن يملك ويتصرف، لكن المستأجر أيضاً لديه الحق في الاستقرار والسكن الآمن – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض عصمت فتحى أبو لبده.
محطات فاصلة هامة مرت على قوانين ايجار الأماكن
في البداية - قوانين إيجار الأماكن فى مصر، وخاصة القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981، مرت بمحطات فاصلة هامة تصدت لها المحكمة الدستورية العليا، وكان لها تأثير كبير على العلاقة بين الملاك والمستأجرين، كان أهمها الحكم في القضية رقم 11 لسنة 23 ق "دستورية"، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر 136 لسنة 1981، فيما تتضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد"، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية "الشركات والجمعيات والنقابات والأندية وغيرها"؛ لاستعمالها في غير الغرض السكني – وفقا لـ"أبو لبده".
المحكمة الدستورية العليا رقم 24 لسنة 20 قضائية
ثم صدر حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 24 لسنة 20 قضائية "دستورية " الصادر نوفمبر سنة 2024 بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين رقم 1و2 من القانون 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنية وحدد موعدا لتنفيذ الحكم في اليوم التالى لإنتهاء دور الإنعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب وهو ما يعنى ضرورة قيام البرلمان وحتى فض دور الإنعقاد بصياغة مشروع قانون بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن القديمة – هكذا يقول "أبو لبده".
وذكرت المحكمة بحيثيات حكمها إن البين من استصفاء الأحكام الأمرة في القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى انطواؤها على خصيصتين رئيسيتين:
أولاهما: الإمتداد القانوني لعقود إيجارهذه الأماكن .
والأخرى: التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلتاهما لا تستعصي على التنظيم التشريعي .
رسائل المحكمة الدستورية العليا
وذكر "أبو لبده": أن المحكمة الدستورية أرسلت من خلال حكمها رسائل مهمة واضحة للمشرع للتدخل التشريعى "بقانون ينظم العلاقة بين الملاك والمستأجرين"، حيث أن العدالة الإجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع لأطرافها، وأن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، تقديرًا بأن الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية هو ارتباطها عقلا بأهدافها.
السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يعد سلبا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أواقتلاع المزايا التي تنتجها، أو تهميشها، أو تعطيل بعض جوانبها، وحيث إنه ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها اقتضى أن تكون التشريعات الإستثنائية الصادرة دفعا لها مترامية في زمن تطبيقها، فإنه يتعين النظر إليها دوما بأنها تشريعات طابعها التأقيت مهما استطال أمدهــــا – طبقا للخبير القانونى .
وفيما يلى نتطرق الى مشروع قانون بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن:
مشروع القانون الجديد يستهدف معالجة أوضاع الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، سواء لغرض السكنى أو لغير غرض السكنى، وفقًا لقانونى 49 لسنة 1977، وقانون رقم 136 لسنه 1981.
أولًا: تحليل موضوعي وشرح لمواد مشروع القانون
المادة الأولى:
يُطبق هذا القانون على الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين سواء:
1-غرض السكنى.
2-لغير غرض السكنى .. ( نشاط تجاري – إداري – مهني.. الخ ).
-حددت هذه المادة سريان القانون للأشخاص الطبيعيين، بعد أن تم تطبيقه سابقًا على الأشخاص الإعتباريين فقط (وفقًا للقانون رقم 10 لسنة 2022) .
المادة الثانية:
-حددت القيمة الأيجارية للأماكن المؤجرة لغرض السكنى "بعشرين مثل القيمة الإيجارية القانونية السارية" على ألا تقل عن 1000 جنيه للمدن والأحياء وعن 500 جنيه للوحدات الكائنة بالقرى .
-مثال توضحى: يعنى لو ايجار الشقة السكنية الحالى هو 50 جنيه بعد الزيادة هتبقى "50×20 = 1000 ج".
-طيب لو ايجار الشقة 20 جنيه حاليا (20×20= 400 جنيه) هنا لا تساوى الحد الأدنى وفقا لمشروع القانون فيتم زيادتها الى 1000 جنيه لو الشقة فى المدينة والى 500 لو الشقة فى القرية .
-ميعاد استحقاق الزيادة: اعتبارا من موعد استحقاق الأجرة الشهرية التالية لتاريخ العمل بالقانون.
المادة الثالثة:-
-حددت القيمة الأيجارية للأماكن المؤجرة لغير غرض السكنى (التجارى للشخص الطبيعى) بخمس أمثال القيمة الأيجارية.
-مثال توضيحى: يعنى لو إيجار المحل التجارى 100 جنيه (200×5 = 500 جنيه )
المادة الرابعة:-
-حددت زيادة سنوية بصفة دورية بنسبة 15% ولم تفرق بين التجارى والسكنى.
-تمثل هذه المادة محاولة لتحقيق عدالة تدريجية في مقابل تدني الأجرة الثابتة منذ عقود، لكنها لا تزال تُثير تساؤلات حول مدى توافقها مع القدرة الإقتصادية للمستأجرين، خاصة في الأماكن السكنية، وتثير إشكالية المساواة بين التجارى والسكنى فى نسبة الزيادة على حد السواء.
المادة الخامسة:-
-انتهاء عقود ايجار الأماكن بانتهاء خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون ما لم يتم التراضى على الإنهاء قبل ذلك .
-هذه المادة ضمانًا لعودة المالك إلى الإنتفاع بملكه، لكنها ستُثير حتمًا جدلًا اجتماعيًا واسعًا إذا لم تُرفق بتدابير حماية للفئات غير القادر، كما أنها تثير إشكالية ونقاش حول المدة فالبعض يرى أن مدة الخمس سنوات غير كافية لوجود بديل إلا إذا تدخلت الحكومة بايجاد البدائل المناسبة بما يتوافق مع قدرة الفئات الغير قادرة تحقيقا للبعد الإجتماعى .
المادة السادسة:-
-يلتزم المستأجر أو الممتد له عقد الإيجار بالإخلاء فورًا، بعد مرور خمس سنوات من سريان القانون، ويُحق للمالك اللجوء الى قاضى الأمور الوقتية لاصدار أمر بطرد الممتنع دون الإخلال بالحق فى التعويض، وحددت هذه المادة الاختصاص القضائى لقاضى الأمور الوقتية لاصدار أمر الطرد.
المادة السابعة:
-يمنح المستأجرين أو من امتدت اليهم عقود الايجار الذين تنتهى عقود ايجارهم أولوية فى الحصول على وحدات سكنية وغير سكنية إيجار أو تملك، من الوحدات المتاحة لدى الدولة بناء على عرض الوزير المختص بالإسكان خلال شهر من تاريخ العمل بهذا القانون مع مراعاة الفئات الأكثر احتياجا منهم.
-اتاحة الدولة "الأولويــــة" وحدات سكنية وغير سكنية ايجار أو تملك لمن انتهت عقود ايجارهم مع مراعاة الفئات الأكثر احتياجا دون تحدد من هم الفئات، وذلك من خلال انشاء بوابة الكترونية تتلقى طلبات المستأجرين وانشاء قاعدة بيانات.
نقاط القوة والضعف في المشروع:-
يتضمن مشروع القانون تصحيح تدريجي لإختلال العلاقة التعاقدية
ذكر المحامى والخبير القانونى عصمت أبو لبده: أنه يحسب للحكومة الحالية والبرلمان التصدى لهذه الأزمة التاريخية بمشروع قانون يتضمن تصحيح تدريجي لإختلال العلاقة التعاقدية بين الملاك والمستأجرين التى أشارت اليها المحكمة الدستورية حيث أن العدالة الإجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع لأطرافها.
وحيث أن المشرع بما له من سلطة تقديرية تحقيقا للمصلحة العامة للجميع في موضوع تنظيم الحقوق لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها، فالبرغم من ان مشروع القانون المعروض يمثل نقلة تشريعية حاسمة في ملف الإيجارات القديمة، حيث أنه يهدف إلى إنهاء تدريجي للامتداد القانوني الجبري، والذي طال لعدة عقود، ورغم كونه يعيد بعضًا من حقوق الملكية المهدرة إلا انه لا يخلو من مخاوف بشأن تطبيقه – الحديث لـ"أبو لبده".
مخاوف اجتماعية حقيقية بسبب بعض المواد:
النقطة الأولى: بعض مواد مشروع القانون تثير مخاوف اجتماعية حقيقية بشأن تطبيق القانون وهى محل نقاشات أهمها زيادة القيمة الإيجارية الى "عشرين مثل" للأماكن المؤجرة لغرض السكنى بحد أدنى 1000 جنيه للمدن والأحياء و500 جنيه للوحدات الكائنة بالقرى بالاضافة الى الزيادة السنوية الدوية وقدرها 15 % سنويا قد تمثل عبئا على الفئات الأكثر احيتاجا فى ظل غياب قاعدة بيانات أو احصائيات بمدى دخول المستأجرين، ونتوقع وضع أليات ضمان اجتماعى من الدولة لحل هذه الإشكاليـة تكون أكثر وضوحا بشأن التطبيق .
والنقطة الثانية: هى مدة الخمس سنوات لإنهاء العقود محل خلاف وقد تكون غير كافية للإخلاء حتى يتم توفيق الأوضاع وايجاد البدائل من الدولة، وهذا يرجع الى قدرة الدولة فى وضع البدائل وتنفيذها قبل نهاية المدة المحددة.
التوصيات القانونيـــة:
وفقا للمحامى والخبير القانونى عصمت أبو لبده: هذا المشروع، وإن كان يعكس رغبة الدولة في تصحيح تشوه تشريعي قديم، وهو اتجاه محمود من الدوله ويحسب للحكومة والبرلمان الحاليين التصدى لهذه الأزمة التاريخية إلا أن تطبيقه دون معالجة شاملة للجوانب الإجتماعية والإقتصادية قد يُحوّل الأزمة من "اختــــــلال عقاري أو أزمة سكن لغير القادرين " وبالتالي، فإن الموازنة بين الحق في الملكية والحق في السكن تظل حجر الأساس، لأي قانون ناجح في هذا الشأن ينظم تلك العلاقة بين الملاك والمستأجرين، وبالتالى على الحكومة ضرورة تخصيص برامج سكن بديل للفئات غير القادرة والأكثر احتياجا.
-إمكانية مد الفترة الانتقالية لأكثر من 5 سنوات لبعض الحالات
-عدم التعميم في المعاملة القانونية بين "السكني" و"غير السكـني".