الجريمة في حقيقة الأمر خطرا يهدد المجتمع، إذ أنها تمس كيانه وتعرقل تقدمه، ونجد أن معظم التشريعات سكتت عن تحديد مفهوم الفاعل الأصلي والشريك، ولكن نجد أن الفقه الجنائي أوضح أن الفاعل الأصلي الذي يكون سلوكه الركن المادي للجريمة، وهذا السلوك مجرم قانونا ومعاقب عليه في جميع الأحوال حيث أنه يشكل جريمة وفق نص التجريم، بينما نشاط المساهم التبعى أو الشريك هو بحسب الأصل غير مجرم قانونا وغير معاقب عليه في القدم، ولكن أصبح مجرما بعد ذلك.
وكان تطبيق القواعد العامة يقتضى أن يفلت هذا النشاط من العقاب إلا أنه صار مجرما لصلته بنشاط الفاعل ومساهمته معه في إحداث النتيجة الإجرامية، وقد يكون الاشتراك بعدة صور إما بالتحريض أو بالاتفاق أو بالمساعدة، ويكون الاشتراك بالتحريض عندما يتجه المحرض إلى التأثير على نفسية الفاعل، فيدفعه إلى ارتكاب الجريمة أي أنه يخلف الفكرة الإجرامية لدى الفاعل ويقنعه بها حتى ينفذها، أما الاشتراك بالاتفاق فهو يقتضى تفاعل إرادتي الشريك والفاعل واتفاق هاتين الإرادتين على أركان الجريمة.
عشان نفهم.. مدي العقاب علي الاشتراك في الاشتراك بإرتكاب الجريمة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مدي العقاب علي الإشتراك في الاشتراك بإرتكاب الجريمة، خاصة وأن العديد من أحكام محكمة النقض أقرت بأنه لا يشترط لتحقق الإشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك إتفاق سابق بين الفاعل و الشريك على إرتكاب الجريمة بل يكفى أن يكون الشريك عالماً بإرتكاب الفاعل الجريمة وأن يساعده فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لإرتكابها – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
قانون العقوبات حدد 3 حالات للإشتراك
في البداية - بين المشرع في المادة (40) من قانون العقوبات أحوال الاشتراك في الجريمة بقوله يعد شريكا التالى – وفقا لـ"فاروق":
أولا: كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.
ثانيا: من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة، فوقعت بنــاء على هذا الاتفاق.
ثالثاً: من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكاب الجريمة.
وتبيانت الأراء الفقهيه حول "شريك الشريك"
ومناط تحقق الاشتراك فى الجريمة أن يثبت اقتراف الفاعل الجريمة بناء علي نشاط الشريك من تحريض أو اتفاق أو مساعدة بمعني أن تقع الجريمة ثمرة لهذا النشاط، أو بالأحري أن تتوافر علاقة سببية بين نشاط الشريك والجريمة بحيث لولا هذا النشاط لما استطاع الفاعل ارتكاب الجريمة، ويدق الأمر حين يتفق شخص مع غيره علي أن يساعد آخر علي ارتكاب الجريمة، فتقع الجريمة كأن يتفق (زيد) مع (بكر ) علي مساعدة (أحمد) في تزوير محررات فيرتكب (أحمد) التزوير فهل يعد (زيد) شريك في التزوير؟ - طبقا لـ"فاروق".
ووجه الدقة أن العلاقة بين الشريك (زيد) والفاعل (أحمد) علاقة غير مباشرة، بينما العلاقة بين الشريك (بكر) والفاعل (أحمد) مباشرة بما قد يسوغ القول معه بقصر العقاب علي الشريك المباشر (بكر) دون الشريك غير المباشر (زيد) لاسيما وأن ظاهر نص المادة (40) عقوبات يؤكد لزوم وجود علاقة مباشرة بين الشريك والفاعل، فهي تعتبر الشخص شريك متي حرض غيره أواتفق مع غيره أو ساعد الفعله، فوقعت الجريمة بناء علي هذا التحريض أو الإتفاق أو المساعدة بما يدل بمفهوم المخالفة علي أن الشريك غير المباشر أو بالأحري شريك الشريك لا عقاب عليه، وهذا بالفعل ما ذهب إليه رأي في الفقه والقضاء الفرنسي قبل صدور قانون العقوبات الجديد لعام 1994 – هكذا يقول "فاروق".
ولكن اعترض جانب آخر بسند أن الشريك هو شريك في الجريمة وليس شريك مع فاعلها، فلا يلزم وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الفاعل والشريك لأن الأخير يستمد إجرامه من الجريمة التي ساهم فيها بنشاطة وليس من فاعلها – الكلام لأستاذ القانون الجنائى.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 10664 لسنة 79 قضائية، والذى جاء في حيثياته: ولقد أخذت محكمة النقض المصرية بالرأي الأخير إذ جري قضاؤها منذ زمن وحتي الآن علي أن المادة (40) من قانون العقوبات لا تشترط في الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة، ومن ثم يكفي لتحقيق اشتراكه في الجريمة بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة أن تكون الجريمة قد وقعت فعلا بناء على صورة أو أكثر من صور الاشتراك فى الجريمة سالفة البيان، إذ الشريك إنما هو في الواقع شريك في الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك فى الجريمة الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه.
ويضيف: ولا شك أن ما اتجهت إليه محكمة النقض يخالف ظاهر نص المادة (40) عقوبات حسبما أوضحنا سلفا، أما قالت النقض أن الشريك يستمد اجرامه من الجريمة التي ساهم فيها وليس من فاعلها فهو شريك في الجريمة وليس مع فاعلها، فقول "فيه نظر"، لأنه لولا ارتكاب الفاعل للجريمة ما كان هناك محل للحديث عن الشريك أو الاشتراك أصلا، إذ لا يتحقق الاشتراك بنشاط الشريك وحده، وإنما بنشاط الفاعل أيضا وهذا هو المهم.