الجمعة، 03 مايو 2024 06:49 ص

"السكوت هيفيدك".. ماذا قال القانون المصرى والدولى عن حق المتهم فى "الصمت"؟.. الدستور المصرى أجاز للمتهم "السكوت" عكس مقولة الأعمال السينمائية "السكوت مش هيفيدك".. و"الجنائية الدولية" وضعت ضوابط استخدام الحق

"السكوت هيفيدك".. ماذا قال القانون المصرى والدولى عن حق المتهم فى "الصمت"؟.. الدستور المصرى أجاز للمتهم "السكوت" عكس مقولة الأعمال السينمائية "السكوت مش هيفيدك".. و"الجنائية الدولية" وضعت ضوابط استخدام الحق
الإثنين، 10 يوليو 2023 06:00 م
كتب علاء رضوان

الاستجواب، هو طريق من طرق تحقيق الدعوى بل أهمهم، وقد شُرع لأستجلاء بعض عناصر ووقائع المنازعة المرددة في الخصومة، توصلاً إلى معرفة وجه الحق فيها، وفي نفس الوقت وسيلة دفاع تُمكن للمتهم أن ينفي الاتهام عن نفسه بتفنيد الأدلة القائمة ضده، وطالما كان الاستجواب بمثابة توجيه التهمة للمتهم ومواجهته بالدلائل والقرائن ، بمختلف أنواعها القائمة قِبله، ومناقشته تفصيليا وصولا إلى كشف الحقيقة ، سواء بإثبات أركان الجريمة التي ارتكبها، أم تفنيده لما يثار ضده من دلائل وقرائن، ولعل من أبرز ضمانات المحاكمة العادلة هي كفالة حق الدفاع، والتى تمثل ضمانة ثابتة بموجب الاتفاقيات الدولية والتشريعات المصرية.

 

وقد كفل المشرع المصرى الحقوق والضمانات القانونية للمتهم أثناء التحقيق، حيث نصت المادة "55"/ الفقرة الثالثة من الدستور المصرى على أن كل من يُقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز اكراهه، ولا ايذاؤه بدنيا أو معنويا، وللمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم، أو التهديد بشئ منه، يُهدر ولا يعول عليه، كما تضمن قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة أحكامًا احاطة الاستجواب بعدة ضمانات لكفالة عدم المساس بحق الدفاع لدى المتهم، على أن يتم اجراء الاستجواب من قِبل جهة التحقيق المختصة دون تدخل رجال الضبط القضائى وحق المتهم فى تأجيل الاستجواب لمدة 24 ساعة لحين حضور محاميه وعدم اجبار المتهم على الإجابة فى أى مرحلة من مراحل المحاكمة ضمانًا بحق السكوت.  

 

images

 

تحذير ميراندا.. ماذا قال القانون المصري والدولي عن "حق المتهم في الصمت"؟

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مسألة أو مبدأ "حق المتهم في السكوت" حيث أن العديد من المتهمين فى القضايا يمتنعون عن الحديث أو الكلام المباح خلال تحقيقات النيابة العامة حيث يرفضون الإجابة بشكل تام على أسئلة المحقق فى الاتهامات المنسوبة إليهم، رغم ترديد جملة "السكوت مش هيفيدك"، وذلك فى الوقت الذى كفل فيه الدستور هذا الحق لأول مرة، للمتهمين فى كل أو جميع مراحل الدعوى الجنائية واستحدث المادة 55 فقرة 3 بما يسمى "حق المتهم فى الصمت"، فما هو تعريف "حق المتهم في الصمت"، وحدوده والآثار المترتبة على اهداره، وقصة سن هذا القانون فى أوربا والمؤتمرات الدولية – بحسب الخبير القانونى والمحامية شيماء حسنى.

 

فى البداية، إذا كنت تتابع فيلمًا أو مسلسلًا أميركيا مليئا بالإثارة فعلى الأغلب ستحدث مطاردة بين الشرطة وإحدى الشخصيات، إن ألقي القبض عليه فتستطيع توقّع ما سيقال له بسهولة، أليس كذلك؟ "لديك الحق لأن تبقى صامتًا، أي شيء تقوله يمكن وسوف يستخدم ضدك في المحكمة، لديك الحقّ في توكيل محامٍ للدفاع عنك، وإن لم تستطع تحمل تكاليف توكيل محامٍ للدفاع فسيوفر لك واحد مجانا، أتفهم الحقوق التي ذكرتها لك؟ أخذًا باعتبار هذه الحقوق، هل تود الحديث معي؟"، وهو ما يعرف في القانون باسم حقوق "ميراندا" أو قواعد "ميراندا" – وفقا لـ"حسنى". 

 

downlo

 

ما "تحذير ميراندا"؟

أي أن تحذير ميراندا هو:- مجموعة من الإجراءات الجنائية التي توجه إلى المشتبه به فور القبض عليه من قبل قوات الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل بدء عملية الاستجواب وتوجيه الأسئلة، وقد تأتي بصيغ مختلفة ومختصرة أحيانا في بعض العروض المتلفزة، ولكن الأساس فيها هو معرفة المتهم بحق الصمت وحق المحاماة واستعمال ما يقوله ضده في المحكمة، فكيف بدأ هذا الحق وصار واجبًا على الشرطة إخبار المتهمين قبل اعتقالهم به؟

 

"ميرندا" لم يعلم بأن لديه الحق بالتزام الصمت

تروى "حسنى" أنه في الثالث عشر من مارس، عام 1963 اعتقلت شرطة أريزونا الأميركية "إرنستو ميرندا"، واعترف بالتهم التي وجهت إليه، وفي اعترافه كتب أعلى التوقيع أن المتهم أدناه عالم بحقوقه القانونية ويعترف بتهمه رغم ذلك، ولكن هذا لم يكن صحيحًا، فميرندا لم يعلم بأن لديه الحق بالتزام الصمت وتوكيل محام وأن ما يقوله سيستعمل ضده في المحكمة.

 

201811300242574257

 

وكّل محام لميرندا، وقدّم المحامي اعتراضًا على عدم معرفة ميراندا بحقوقه القانونية، ولكن المحكمة لم تقتنع بأقوال محامي ميرندا لفين مور، وحين خسر مور استئنافًا قدمه بعد الحكم على ميرندا بالسجن لأكثر من عشرين عامًا راسل ميرندا الاتحاد الأميركي للحقوق الأميركية مناشدًا إياه الاستغاثة لمرض محاميه، وأرسل الاتحاد ثلاثة محامين له عرضوا قضيته بجانب ثلاثة قضايًا مشابهة.

 

حين عرض المحامون واقع أن البند الخامس والسادس انتهكوا من شرطة أريزونا أيد خمسة من هيئة المحكمة الإفراج عن ميرندا وعارضه أربعة، وأفرج عنه في الثالث عشر من يونيو، عام 1966، اعتقل ميرندا مرة أخرى بأدلّة أخرى وحوكم بالسجن إحدى عشر عاما، أطلق بعدها بسراح مشروط والمفارقة أنه قتل في حانةٍ عام 1976، قاتل ميرندا حينها سمع تحذير ميرندا يتلى عليه من الشرطة بينما اعتقل - الكلام لـ"حسنى". 

 

28780-المحامي-علي-محسن-زاده-مكتب-محاماة

 

حق المتهم فى الصمت فى أوربا

والقانون الإنجليزى نص على حق الصمت عام 1912، والذى أوجب أن يخطر المتهم من جهة الاستدلال أو التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى أن يقوله، ولكن كل ما سيقوله سيؤخذ كدليل، والزمت المادة 114 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسى قاضى التحقيق بتنبيه المتهم بأن له الحق فى الصمت، وإن إغفال ذلك يؤدى إلى بطلان الاستجواب والإجراءات اللاحقة عليه، كما أن المؤتمر الدولى الثانى عشر لقانون العقوبات المنعقد فى هامبورج عام 1979 كان من أبرز توصياته أن المتهم له الحق فى أن يظل صامتاً، ويجب تنبيهه إلى هذا الحق-هكذا تقول الخبير القانونى.

 

رأى المشرع المصرى فى حق المتهم فى الصمت 

أما فى مصر لم ينظم قانون الاجراءات الجنائية المصرى حق المتهم فى الصمت أمام الشرطة أو أمام النيابة العامة فى مرحلة التحقيق الابتدائى، إذ اقتصر الأمر فقط فى المادة 274 من قانون الاجراءات الجنائية على عدم جواز استجواب المتهم أمام المحكمة إلا إذا قبل ذلك، لكن المادة 55 في الدستور المصري نصت على: "كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شئ من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقاً للقانون، وللمتهم حق الصمت وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم، أو التهديد بشئ منه، يهدر ولا يعول عليه - طبقا لـ"حسنى". 

 

203667-مسجون-1

 

نستخلص مما سبق أن كل متهم يحق له الصمت دون أن يعد صمته هذا بأى حال من الأحوال قرينة أو دليلاً ضده، فهذا الحق يبيح للمتهم عند سؤاله أو استجوابه رفض الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة، دون أن يُؤخذ امتناعه هذا على إنه قرينة على ثبوت الاتهام ضده، و يجب أن يثبت بمحضر التحقيق أن المتهم تم إخطاره من جهة التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى ذلك، وأن ما سيقوله سيؤخذ كدليل ضده، ويرتبط الحق فى الصمت بالقاعدة الفقهية الاصولية: "أنه لا ينسب لساكت قول، وبقاعدة أن الأصل فى المتهم البراءة"، حيث يقع عبء الإثبات على النيابة العامة، أي أن المتهم غير ملزم بإثبات براءته بل النيابة ملزمة بتقديم الأدلة التي تدينه.

 

من الضمانات الأساسية

من الضمانات الاساسية للمتهم الحق في الصمت وأن لا يتكلم إن رأى ذلك انفع له،  وقد اوصت المؤتمرات الدولية التي بحثت هذا الحق على ذلك، فقد أوصت لجنة حقوق الانسان بهيئة الأمم المتحدة سنة 1962 على ذلك وقد جاء في توصيتها بأنه: "لا يجبر أحد على الشهادة ضد نفسه ويجب قبل سؤال أو استجواب كل شخص مقبوض عليه أو محبوس أن يحاط علماً بحقه في الصمت"، كما أكدت الحلقة الدراسية التي نظمتها الأمم المتحدة لدراسة حماية حقوق الإنسان أثناء اتخاذ الإجراءات الجنائية والتي انعقدت في فينا 1960 على أن: "للمتهم أن يرفض الإجابة عن أي سؤال يوجه إليه، ولا يؤثر هذا الرفض على قرار الإدانة"، كما أكد المؤتمر الدولي الثاني عشر الذي عقدته الجمعية الدولية لقانون العقوبات المنعقد في مدينة هامبورغ سنة 1979م على: "التزام الصمت حق مقرر لكل متهم في جريمة من المنصوص عليها في قانون العقوبات ويجب اعلام المتهم بهذا الحق". 

 

images (1)

 

4 مبادئ في نظام المحكمة الجنائية الدولية

 كما نصت على هذا الحق المادة "67/1/ ز" من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أنه:  

1- "… المتهم غير مجبر على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بالذنب وأن يلتزم الصمت دون أن يدخل هذا الصمت في الاعتبار لدى تقرير الذنب أو البراءة".

2- والمتهم حر في سلوك الطريق الذي يرسمه لنفسه في الدفاع، لذلك فهو يختار الوقت الذي يتكلم فيه أو لا يتكلم إذا شاء وهو الذي يقرر بماذا يتحدث أو لا يتحدث.

3- ولا يجوز للمحكمة أو لقاضي التحقيق أن يستخلص من صمت المتهم قرينة ضده.

4- وهو ما نص عليه المشرع المصري في المادة (274) من قانون الاجراءات الجنائية حيث نصت على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك".

 

633ee9a24c59b757e4544a3a

 

القاعدة الفقهية الاصولية "لا ينسب لساكت قول"

وتستطرد "حسنى" أنه يقصد بالحق فى الصمت، حق المتهم فى أن يظل صامتا لا يتكلم، لا بالسلب ولا بالإيجاب، سواء كان ذلك فى مرحلة جمع الاستدلالات أمام الشرطة أو فى مرحلة التحقيق الابتدائى أمام النيابة أو قاضى التحقيق، دون أن يعد صمته هذا بأى حال من الأحوال قرينة أو دليلاً ضده، فهذا الحق يبيح للمتهم عند سؤاله أو استجوابه رفض الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة، دون أن يُؤخذ امتناعه هذا على إنه قرينة على ثبوت الاتهام ضده، ويجب أن يثبت بمحضر التحقيق أن المتهم اخطر من جهة التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى ذلك، وأن ما سيقوله سيؤخذ كدليل ضده.

 

ويرتبط الحق فى الصمت - بحسب "حسنى" - بالقاعدة الفقهية الاصولية أنه لا ينسب لساكت قول، وبقاعدة أن الاصل فى المتهم البراءة، بحسبان إن المتهم لا يقع عليه عبء إثبات الاتهام، وبالتالى فلن تكون هناك حاجة إلى مطالبته بتقديم دليل براءته، وإنما فقط وحسبما يشاء من تلقاء نفسه فإن له أن يدحض إدانته بكل الطرق التى يراها ملائمة، وقد يكون من بينها ممارسة حقه فى الصمت، بالاضافة إلى ارتباط هذا الحق بحق الفرد فى حرمة حياته الخاصة، ومقتضاه أن من حق الشخص ألا يقتحم أحد ذلك النطاق من الخصوصية الذى يُحيط به نفسه، ومن ثم يجب منح الأفراد حق الاحتفاظ بسرية ما يريدون كتمانه عن الغير، وحق المتهم فى الصمت معمول به فى القوانين المقارنة.

 

ظ

 

رأى القانون الفرنسى والأمريكى حول "حق المتهم في الصمت"

وكما تحدثنا من قبل ففى القانون الأمريكى يعرف هذا الحق بقانون ميراندا، وذلك نسبة إلى المدعى عليه فى الدعوى التى رفعها ضد ولاية أريزونا، والتى استندت فيها المحكمة إلى التعديل الدستورى الأمريكى الخامس، والذى يتضمن الحماية ضد قيام الشخص بادانة نفسه، ولذلك قضت المحكمة بأن الشخص المحتجز يجب أن يعلم من قبل جهة الاحتجاز بهذا الامتياز، الذى يتضمن أن له الحق فى أن يظل صامتاً لا يتكلم وأن كل ما يتفوه به يمكن استخدامه كدليل ضده .

 

والقانون الإنجليزى نص على حق الصمت عام 1912، والذى أوجب أن يخطر المتهم من جهة الاستدلال أو التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى أن يقوله ولكن كل ما سيقوله سيؤخذ كدليل، والزمت المادة 114 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسى قاضى التحقيق بتنبيه المتهم بأن له الحق فى الصمت، وأن إغفال ذلك يؤدى إلى بطلان الاستجواب و الإجراءات اللاحقة عليه، كما أن المؤتمر الدولى الثانى عشر لقانون العقوبات المنعقد فى هامبورج عام 1979 كان من أبرز توصياته أن المتهم له الحق فى أن يظل صامتاً، ويجب تنبيهه إلى هذا الحق.

 

ز
 

 

شيماء
 
الخبير القانونى والمحامية شيماء حسنى

print