السبت، 27 أبريل 2024 06:53 م

هل التشريعات والجريمة موسمية أحيانا.. كيف تلعب حالة الطقس دورا في انتشار جرائم بعينها؟.. دراسات: فصل الشتاء تزداد فيه جرائم الأموال

هل التشريعات والجريمة موسمية أحيانا.. كيف تلعب حالة الطقس دورا في انتشار جرائم بعينها؟.. دراسات: فصل الشتاء تزداد فيه جرائم الأموال الجريمة الموسمية - أرشيفية
السبت، 22 يناير 2022 03:00 م
كتب علاء رضوان

الواقعة والحقيقة يؤكدان أنه التشريعات والمقترحات والتعديلات القانونية تطفو على السطح أحيانا مع الظرف والواقع المعاش، كما هو الحال مع قانون الأوبئة والجوائح الذي صدر منذ شهرين تقريبا تواكبا مع ظهور فيروس كورونا - كوفيد 19 – ومثلما حدث مع تعديلات عقوبات الغش بسبب انتشار صفحات الغش على مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة بـ"شاومينج" للحد من تلك الظاهرة وغيرها من التشريعات التي صدرت لمواكبة مجريات الأحداث. 

 

وكما أن هناك جريمة تتعلق بالظرف القائم هناك أيضا ما يُطلق عليه الجريمة الموسمية حيث يتسم كل فصل من فصول السنة بطقس مختلف عن الآخر، فكذلك يتسم بنوعية جرائم مختلفة، فإذا كان الشتاء على مستوى العالم - بحسب الدراسات والأبحاث - يعرف بكثرة السرقات فيه، فإن جرائم القتل ترتفع معدلاتها بالصيف عن غيره من الفصول، بينما تتزايد نسبة الجرائم الجنسية في الربيع، هذا ما انتهت إليه دراسة عن الجرائم فى منطقة الشرق الأوسط أجرتها ونشرتها صحيفة "كوريير ديلاسيرا" فى عام 2010 عن مسألة علاقة الجريمة ودوافعها بحالة الطقس.

download

علاقة الجريمة بحالة الطقس

 

تلك الدراسات أكدت أن منطقة الشرق الأوسط ضمن المناطق التي تتأثر فيها الجريمة تأثيراَ مباشراَ بحالة الطقس حيث يُعد شهر ديسمبر من أكثر شهور السنة فى منطقة الشرق الأوسط التي ترتكب فيها جرائم الاعتداء على الملكية، فيما يشهد شهر أغسطس أعلى نسبة للقتل العمد والشروع في القتل والضرب المفضي إلى الموت، بينما ترتفع جرائم الاعتداء الجنسي في شهري مارس وإبريل وتنخفض بشكل كبير في شهور الشتاء. 

 

 

في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية الجريمة ودوافعها والتشريعات المتعلقة بها وعلاقتها بحالة الطقس أو درجة حرارة الجو وأسباب تميز كل من فصل من فصول السنة بارتكاب جرائم عن الآخر، وتباين الجريمة بين شعوب البلاد الحارة عن نظرائهم في البلاد ذات الجو البارد أو المعتدل، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيرات مناخية مطردة وعلى رأسها مصر التي تشهد حالة شتاء قارس – وصفه بعض خبراء الطقس – لم تشهده مصر منذ 100 سنه مضت – بحسب الخبير القانوني والمحامي سامى البوادى.

76608Image1-1180x677_d

ارتباط ظهور الجريمة بقتل قابيل لـ"هابيل"

 

 في البداية – علينا أن نوضح مسألة الجريمة وكيف بدأت فقد ظهرت الجريمة بظهور الإنسان وهي مازالت مستمرة معه، بل هي صفة من صفاته وظلت ملتصقة به منذ أول جريمة وقعت في تاريخ البشرية والتي أشارت إليها كل الأديان السماوية "قابيل وهابيل أبناء آدم عليه السلام"، وظل معها كذلك التفكير في كيفية تفسيرها وكيفية ردعها وما هي الوسائل للقضاء عليها، أو التقليل منها على الأقل، وهو ما يطلق عليه بـ"التشريعات" لمواجهة الجريمة والتصدي لها، فقد عرفت البشرية الجريمة منذ أقدم عصورها وتحولت الجريمة إلى ظاهرة اجتماعية شاذة في حياة التجمعات البشرية منذ القدم – وفقا لـ"البوادى".

 

 

وأصبحت الجريمة تمثل مشكلة على مر الأزمنة وباختلاف المجتمعات الإنسانية حيث ظهرت العديد من الآراء في محاولة لتفسير هذه الظاهرة لبحث دوافعها ولمحاولة السيطرة عليها، فكان لازما على المهتمين والعلماء أن يؤسسوا علم الاجرام: وهو الدراسة العلمية للظاهرة الاجرامية والبحث الذي يهدف إلى تحديد أسباب "الاجرام" حيث يدرس هذا العلم العوامل الإجرامية ذات الطابع الاجتماعي، فيدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ناتجة عن تأثير البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد – الكلام لـ"البوادى".

4911-download

تأسيس علم الإجرام

 

ويقوم هذا العلم على أساس أن أسباب الجريمة لا يمكن أن تنحصر في الخصائص العضوية والنفسية للمجرم وأن العوامل الاجتماعية تؤثر تأثير هام على هذه العوامل الداخلية، فتنشطها وتتفاعل معها في إنتاج الجريمة، لذا كانت أهمية دراسات علم الإجرام بالغة من نواحي شتي فعلم الإجرام بدراسته للعوامل المؤدية لارتكاب الجريمة بطريقة علمية يمثل أهمية كبيرة من نواحي متعددة حيث يفيد كل من المشرع والقاضي وسلطة التنفيذ العقابي واختيار أفضل وسائل المعاملة العقابية للمحكوم عليه، وذلك من خلال تصنيف المجرمين من حيث السن والجنس والخطورة الإجرامية – هكذا يقول "البوادى".  

 

 

وفي هذا الإطار - وجدنا أن العلماء قد أقرو أن الجريمة ترتكب نتيجة خلل عضوي ونفسي لدى المجرم، وأن العوامل الخارجية المحيطة بالفرد تلعب دوراً في ذلك فقد اعتبروا الجريمة نتاجاً لعدة عوامل وهي عوامل داخلية مثل السن والجنس والتكوين العقلي والبدني للمجرم، وعوامل اجتماعية كالوسط العائلي والحرفة والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة، وعوامل بيئية طبيعية مثل المناخ.

213358-213358-طقس

لماذا ترتبط الجريمة بحالة الطقس؟

 

أي أن الأحوال الجوية تلعب دورا في تشكيل الظاهرة الإجرامية، وصلة الجو بالإجرام أمر أيدته كذلك ملاحظة الباحثين وشواهد الإحصاءات فأشعة الشمس لا تؤثر على وجه الأرض فحسب بل بدأ أثرها كذلك في وجه التاريخ على انه نود أن نشير إلى أن تأثير المناخ على الظاهرة الإجرامية كقاعدة عامة هو تأثير غير مباشر، أي عن طريق وسيط وهذا الوسيط قد يكون عاملا اجتماعيا أو عضويا أو نفسيا.

 

 

فهناك من يقول بوجود علاقة مباشرة بين الظاهرة الإجرامية من جهة، وبين درجات الحرارة ارتفاعا وانخفاضا وكذلك بين الليل والنهار طولا وقصرا من جهة أخرى، وذهبوا في بيان ذلك مذاهب شتي : فمنهم من يري أن ارتفاع الحرارة يزيد من حيوية الإنسان ونشاطه فيجعله أكثر استعداد للانفعال والإثارة وأشد رغبة في الجنس الآخر، مما يترتب عليه زيادة جرائم العنف وجرائم الآداب في المواسم الحارة والمناطق الحارة، بينما سبب ارتفاع نسبة جرائم على الاعتداء على الأموال في فصل الشتاء يرجع إلي طول ليالي هذا الفصل من السنة ولما كان الظلام من العوامل التي تسهل ارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال كان صحيحا القول بزيادة جرائم الاعتداء على الأموال في فصل الشتاء – هذا ما أكده "البوادي".

31925-رسائل_عن_المطر

الجريمة بين شعوب البلاد الحارة والباردة والمعتدلة

 

وهناك تفسيران، لذلك: الأول التفسير الأحادي للجريمة، والثاني التفسير التكاملي ويقصد الربط بين عدد كبير من العوامل تتساند وتتعاون معًا في حدوث السلوك الإجرامي – بحسب الدراسات والأبحاث - حيث أن شعوب البلاد الحارة هم عادة أقل حيوية ونشاطًا عن نظرائهم في البلاد ذات الجو البارد أو المعتدل، وأن الحرارة الزائدة تؤدي إلى الخمول، وتؤدي إلى الإجهاد، ورغم ذلك فإن الارتفاع في درجة حرارة الجو من شأنه أن ينتج نوعًا معينًا من النشاط، فالحرارة الزائدة من شأنها تحريك العواطف، وتضاعف القابلية للاتصال يدفع إلى ارتكاب أعمال العنف، وهذه الحقيقة تفسر سبب ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص في البلاد ذات الأجواء الحارة عن غيرها في البلاد ذات المناخ البارد، كما تقول الدراسة.

 

الصيف فصل جرائم الاعتداء على الغير

 

في فصل الصيف – الكلام لـ"البوادى" - تزداد نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص، لأن فيه يحصل جانب كبير من الأفراد على إجازاتهم لأن ارتفاع درجة الحرارة يجبر الناس على الخروج من منازلهم إلي الأماكن العامة، فتزداد فرص الاتصال بينهم وما يتبع ذلك من توافر ظروف متزايدة لتضارب المصالح والرغبات ومن ثم الاحتكاك والتشاجر.

 

الشتاء فصل جرائم الأموال

 

أما عن فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة والإحساس بالبرودة يؤدي إلي ازدياد احتياجات الناس في هذا الفصل عن فصل الصيف، وإشباع هذه الحاجات يتطلب وفرة من المال قد لا تكون متحققة لدي بعض الناس، مما قد يدفعهم إلي ارتكاب جرائم الأموال، ويشهد العالم هذه الأيام شتاء قارس بمذاق تغيرات مناخية حادة يجوب دول كثيرة في العالم من بينها مصر، حيث الانخفاض الشديد في درجة الحرارة، انخفاض يعد من خصائص فصل الشتاء، ولكن شتاء هذا العام يعد استثنائيا لكونه محدثا لانخفاض غير مسبوق وسقوط الجليد في العديد من الدول، شتاء قارس نبأ به صيف طويل حار، وتغيرات مناخية شديدة.

 

16183-download-(1)

 

فقد فاجأ الشتاء القارس المصريين بموجة شديدة البرودة وصفه بعض الخبراء بأنه لم تشهد مصر منذ 100 سنه، ومصر ليست الدولة الوحيدة التي تشهد مناخا مضطربا بسبب حدوث تغيرات مناخية في العالم، وإنما هي ظاهرة يعاني منها دول العالم كله، وإذا ما استمرت التغيرات المناخية والبيئية، فإن العالم كله سيشهد مناخا غير مستقرا فصلا بعد آخر، فالتغيرات المناخية مسئولية الجميع، وتغير المناخ هو أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، ويشمل هذا التغير معدلات درجات الحرارة، تساقط الأمطار والثلوج، وحالة الرياح، حيث ظهرت تغيرات حادة نتيجة لتراكم الأسباب التي أدى إليها التوجه العالمي نحو تطوير الصناعة في الأعوام الـ 150 الماضية، والذي تطلب استخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، مولدة غازات تحبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون، السبب الرئيسي في تغير المناخ على المستوى العالمي.

 

وتسبب التغير المناخي في حدوث تغيرات جيولوجية وبيولوجية وبيئية خطيرة وربما تكون دائمة على كوكب الأرض، وغالبية الآثار العكسية للتغير المناخي تعاني منها المجتمعات الفقيرة وذات الدخل المنخفض حول العالم، والتي تتميز بمستويات كبيرة من التعرض للعوامل البيئية المؤثرة المتمثلة في الصحة والثروة والعناصر الأخرى، إضافة إلى مستويات منخفضة من القدرة المتوفرة للتأقلم مع التغير المناخي، حيث أن المناخ ليس فارقا طفيفا في الأنماط المناخية، فدرجات الحرارة المتفاقمة ستؤدي إلى تغير في أنواع الطقس كأنماط الرياح وكمية المتساقطات وأنواعها إضافة إلى أنواع وتواتر عدة أحداث مناخية قصوى محتملة، إن تغير المناخ بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية واسعة التأثير ولا يمكن التنبؤ بها.

168041-4.15369992642118855609

الربيع فصل جرائم الآداب

 

الجرائم الجنسية هذا النوع من الجرائم يكثر ارتكابه في فصل الربيع فلا علاقة له بالحياة المفتحة في الصيف أو المنغلقة في الشتاء فعدد الجرائم الجنسية يتغير بتغير الفصول ويبلغ أقصي مداه في فصل الربيع والسبب في ذلك أن تتابع الفصول يقابله تغييرات دورية في وظائف أعضاء الجسم والنفس وأن الغريزة الجنسية تبلغ ذروتها في فصل الربيع وهذا هو السر في ارتفاع عدد الجرائم الجنسية في فصل الربيع عنه في الفصول الأخرى.

 

الخلاصة:

 

خلاصة القول بحثيا - فلقد أثبت البحوث العلمية وجود علاقة بين المتغيرات المناخية والسلوك الإجرامي، حتى أصبح من المستقر أن لكل فصل من فصول السنة نوع معين من الجرائم تظهر فيه أكثر من ظهورها في الفصول الأخرى، وأشارت إحدى الإحصائيات عام 1964 إلي جرائم الدماء في أشهر الصيف، وتبلغ ذروتها في شهر أغسطس والأموال في أشهر الشتاء، وتبلغ ذروتها في شهر يناير ثم تنخفض هذه الجرائم وترتفع جرائم الجنس في أشهر الربيع خاصة شهر "فبراير".

40887-11111111111111

وهي الفترة المسماة بفصل الإخصاب وإسقاط الحوامل مما حدي بالبعض بأن يوصف جرائم الدماء بالإجرام الصيفي وجرائم الأموال بالإجرام الشتوي، وجرائم الجنس بالإجرام الربيعي، وإن كان ذلك لا يعني انعدام جرائم الأموال في الصيف، أو انعدام جرائم الدماء في الشتاء، أو انعدام الجرائم الجنسية في باقي الفصول أي أن الحرارة لا تشكل سببا وحيدا في حدوث الجريمة بقدر ما هي عامل مساعد فالجريمة بكل أنواعها باقية وموجودة وتنوعه ومتكررة طالما وجد وبقي البشر.    

 

1445104847_hoccigyyze

8-12-2018_13_21_18_GomhuriaOnline_1544268078
الخبير القانونى والمحامى بالنقض سامى البوادى 
 

 


print