تشهد قرية الجزيرة الخضراء التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، حالة من الحزن بعد فقدها أحد شبابها فى مياه البحر المتوسط برشيد، والذى راح ضحية الهجرة غير الشرعية، مع 50 آخرين من جنسيات مختلفة.
كريم فهيم على حسان 15 سنة، الذى فضل المغامرة فى رحلة المخاطر، لينقل الأسرة من حالة الفقر التى تعيشه والتى تتكون من والده ووالدته وشقيقين، ويرحم والده المريض من رحلات الصيد التى لا تثمن ولا تغنى من جوع، فكر كريم كثيرًا واتخذ القرار دون علم أسرته، ليضعهم أمام الأمر الواقع لأنه لو خيرهم لرفضوا بشدة.
منزل ضحية الهجرة غير الشرعية مكون من طابق
وفى منزل ضحية الهجرة غير الشرعية بكفر الشيخ، تواجدت "برلمانى"، لنجده مكونًا من طابق واحد ويبدو عليه الفقر والحياة البسيطة التى ترتضيها معظم الأسر المصرية حامدة لله على نصيبها من الدنيا، وجدنا والدة كريم ملقاه على الأرض، ووجهها شاحب لا تنظر لمن حولها إلا قليلًا، وأحيانًا لا تعرف تلك الوجوه التى تعزيها من أهالى القرية التى تعرفهم جيدًا لكن غرق كريم أفقدها الوعى بمن حولها إلا قليلًا، وفى أحد جنبات المنزل يجلس والد كريم حوله مجموعة من أهالى القرية تنتابه نوبات إغماء يفيق بعدها بمساعدة الآخرين مرددا "حسبى الله ونعم الوكيل منهم لله السماسرة ضيعوا ابنى".
آخر كلمات كريم لوالده
وقال والد كريم، الله يسامحك يا كريم لو أخذت رأيى ما تركتك تسافر حتى لو كان آخر يوم فى عمرى، والله ما أخذ رأيى وآخر كلمه سمعتها منه "الحقنى يا بابا أنا بغرق فى مياه البحر، المركب مالت الحقنى"، مؤكدًا أن هذه الكلمات سمعها منه ولن ينساها طوال عمره، وهو قليل الحيلة لا يستطع أن يفعل شيئًا لإنقاذ أحن وأصدق وأحب إنسان لقلبه ثم يقول: ربنا يرحمك يا كريم ويدخلك جنته.
والد كريم: قرر الهجرة دون علمى ولو عرفت لمنعته
وأكد والد كريم أنه لم يعلم بسفره إلا عند اتصاله به لإنقاذه، موضحًا أنه يعلم أن فقره الشديد، ومرضه وقلة حيلته، وقلة الخدمات والحياة البائسة التى يعيشها الآلاف من شباب قرية الجزيرة الخضراء هى سبب تفكير كريم فى الهجرة غير الشرعية.
وكشف والد كريم أن آخر مرة رآه كان مساء أمس الأول، وظن أنه خرج فى رحلة صيد مثل بقية أهالى القرية ولكن فوجئ باتصاله به من المركب، مؤكدًا أنه يطالب بالقصاص لابنه من هؤلاء القتله السماسرة الذين لا يهمهم إلا إغواء الشباب بالهجرة غير الشرعية لجمع الأموال منهم.
كريم اتفق على دفع 25 ألف جنيه نظير هجرته غير الشرعية
وأضاف والد كريم، أنه علم بعد غرق ابنه أثناء البحث عن الضحايا، أن كريم اتفق مع أحد السماسرة وكتب على نفسه إيصال أمانة والمبلغ المتفق عليه 25 ألف جنيه سيسددهم له عند وصوله لإيطاليا للعمل هناك، مطالبًا بمحاكمة السماسرة لأنهم لا يعنيهم حياة الشباب والمهاجرين وشغلهم الشاغل تحميل أكبر عدد من الأشخاص بالمركب، مؤكدًا أن المركب الغارقة كان عليها أكثر من 300 شخص.
ريس أحد المراكب: الشباب يخرجون فى رحلات صيد دون علم أهاليهم
وفى سياق متصل قال يوسف الصباغ (ريس مركب)، إن القرى التابعة للوحدة المحلية للجزيرة الخضراء "السكرى وأبو خشبه وبرج مغيزل، التابعين لمركز مطوبس" كلها قرى منكوبة بسبب الإهمال الشديد الذى يجدوه من المسؤولين، إضافة لعدم معرفة أهالى تلك القرى بالعدد الحقيقى للضحايا، لأن هناك العشرات من الشباب خرجوا ومتغيبين ولا يعلم أهلهم أين ذهبوا، وهل كانوا فى المركب التى غرقت أم خرجوا فى رحلات صيد فى مراكب أخرى؟، لأن معظم الشباب والأطفال يخرجون فى رحلات صيد دون علم أهاليهم، فكل شاب يخرج قبل الفجر لعله يجد مركب يسرح فيها لمدة 15 يومًا، ويجرى اتصالا بأهله بعد يوم أو يومين من سفره ليطمئنهم عليه، لذلك فكثير من أقارب الضحايا لا يعلمون عنهم شيئًا.
وأوضح أنه كان على متن المركب الغارق من أبناء الجزيرة الخضراء ما لا يقل عن 10 أشخاص، وكذلك من قرى أبوخشبه والسكرى، معتبرا أن الشباب يضطر للهجرة غير الشرعية بعد أن ضاقت بهم الدنيا، مشيرا إلى أن ما حدث هو كارثة بكل المقاييس.
والدة كريم: لو عرفت بسفره لمنعته
وقالت والدة كريم بعد إفاقتها من الغيبوبة التى أصابتها، إنها لم تعلم بسفر كريم، ولو علمت ما تركته يسافر، حتى ولو كانوا هيأكلوا العيش حاف، مضيفة لن أنسى كريم وحنيته وحبه، ورجولته برغم أن سنه 15 سنه بس، كان راجل البيت نعتمد عليه فى كل احتياجاتنا، كريم لم يكن إنسان، كان ملاكا يمشى على الأرض.
وأضافت لا أصدق أنى رأيته جثة ملفوفة بقماش ودفنوه ودفنوا قلبى معه، كانت أتمنى أن يدفنوننى معه ولا نعيش بعده لحظة، مؤكدة أنها سامحته لأنه لم يقل لها أنه مسافر سفر مفهوش رجوع، وتابعت: "الله يسامحك يا بنى سافرت من غير ما أشوفك ولا أبوسك ولا أخدك فى حضنى غبت عنى يا حبيبى، أنا فاكره كل كلمة كنت بتقولها، فاكرة قبل سفره بالليل باس إيدى قال لى ادعى لى يا أما، مكنتش عارفة أنه بيودعنى".
وقالت كان كريم متحمل مسؤولية البيت لمرض والده، وكان ينفق علينا وعلى شقيقيه الصغيرين، وتركنا الله يرحمه ويسامحه، ترك التعليم وفضل الخروج فى رحلات صيد برغم صغر سنه بس كان راجل، مؤكدة إنها كانت تتمنى أن ترى أولاده ولكن القدر خطفه منها فى لحظة.
ابن خال كريم: أنقذت 96 شابا من كل الجنسيات بمركبى
وقال محمد عبده الحصرى، ابن خال كريم، إنه علم بغرق المركب فتوجه بمركبه بحثًا عن المركب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ووصل حتى حدود برج البرلس ثم عاد مرة أخرى، وفوجئ بأيادى الضحايا تشير إليه وتستغيث به، وتمكن من إنقاذ 96 شابا من مختلف الجنسيات، كما تمكن من انتشال جثة سيدة سورية وكان مكان الحادث على بعد 12 كيلو مترا فى البحر غرب رشيد.
خميس عرفة: أطالب الرئيس بزيارة القرية والنظر للمطحونين
وقال خميس عرفة، عضو مجلس إدارة مركز برج مغيزل: تم دفن جثمان كريم حسان مساء أمس، وهناك العشرات من أبناء الجزيرة الخضراء والسكرى وأبو خشبة يبحثون عن أبناءهم بالسيارات بين ثلاجات مستشفيات رشيد والمحمودية وإدكو وأبوحمص وكفر الدوار بمحافظة البحيرة للتعرف على جثامينهم.
وأضاف عرفة، أحمل المسؤولين مسؤولية ما نحن فيه وما يعانيه الأهالى، مطالبًا إياهم بالنظر للمطحونين والفقراء والمعدمين من أبناء قرى الوحدة المحلية للجزيرة الخضراء، فالقرى معدومة الخدمات ولا تعيش حياة آدمية، فالمياه ملوثة والقمامة متراكمة، حتى مراكز الشباب التى تقلل من الكبت لدى الشباب مهملة، متسائلا ما الذى فعله المسؤولون فى الدولة لحماية الشباب من الهجرة الغير شرعية؟، وما الذى قدمته الدولة من رعاية لهم؟، شعارات يكررها الكثيرون لكن على أرض الواقع لا نجد إلا الإهمال.
وفى سياق متصل أكد اللواء السيد نصر محافظ كفر الشيخ، أنه أعلن حالة الطوارئ بالمستشفيات بكفر الشيخ، موضحًا جاهزيتها لاستقبال مصابين أو جثث من ضحايا المركب، مضيفًا أن هناك تنسيقا بيننا وبين محافظ البحيرة وننتظر نتيجة التحقيقات لمعرفة كل ملابسات الحادث.
حالة الحزن بقرية الجزيرة الخضراء التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ
