الإثنين، 13 مايو 2024 08:58 م
صبرى الديب

صبرى الديب

الحكومة الفاشلة وكارثة قضايا التحكيم الدولى

12/15/2015 2:59:26 PM
يبدو أن هذا هو قدرنا فى كل الحكومات المصرية التى تعاقبت بعد ثورة 25 يناير.. جميعها حكومات فاشلة، لم تستطع أى منها أن تعمل بسياسة الفاعل فيما يخص قضايا الأمن القومى، بل عملت جميعها بسياسة (رد الفعل) انتظارا للكارثة، ثم نبدأ فى البكاء، ثم تتحرك لنتجنب التوابع.. وهذا ما حدث بالتحديد فى كل قضايا التحكيم الدولى التى رفعت ضد مصر بعد يناير 2011، والتى خسرنا بسببها مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، وآخرها الحكم الكارثى الذى صدر فى الأسبوع الماضى لصالح إسرائيل، بالحصول على تعويض 1.67 مليار دولار من مصر بسبب وقف تصدير الغاز عقب ثورة يناير 2011.
رغم مرور كل هذه السنوات على رفع نحو 32 قضية منظورة أمام التحكيم الدولى ضد مصر ـ حسب التقديرات الأولية ـ قررت الحكومة تشكيل لجنة عليا لدراسة تلك القضايا، تحت ضغط من الرئاسة بإعداد ملف كامل عن كل قضايا التحكيم الدولى المرفوعة ضد مصر، بعد صدور الحكم الكارثى لصالح إسرائيل.

ولعل المضحك والمبكى فى الأمر، أن الحكومة قد تفاجأت بالحكم، وارتبكت أمام طلب الرئاسة؛ لأنها لا تمتلك ملفات تحوى تفاصيل وافية عن تلك القضايا، فسارعت وقررت تشكيل مجموعة العمل برئاسة (رئيس الوزراء، وعضوية ووزراء الصناعة، والتجارة، والبترول، والاستثمار، وممثلين عن وزارة الخارجية، وعدد من مستشارى هيئة قضايا الدولة) لعمل حصر كامل لتلك القضايا وتقديم ملف للحكومة، وآخر لرئيس الجمهورية، ثم النظر بعد ذلك فى كيفية التحرك.

وتؤكد المعلومات، أن إهمال هذا الملف الكارثة، الذى كلف وسيكلف الدولة مليارات الدولارات، دفع مؤسسة الرئاسة للتحرك، وطلب معلومات كافية عن تلك القضايا، تمهيدا للاتصال بممثلى الدول التى رفعت قضايا أمام التحكيم الدولى ضد مصر، والتفاوض معهم وحل تلك القضايا بشكل ودى، ولاسيما وأن المعلومات تؤكد أن الشهور المقبلة قد تشهد صدور عدد من الأحكام فى عدد من القضايا الكبرى المرفوعة ضد مصر.

وبدلا من الاعتراف بالخطأ، بادر مجلس الوزراء وأصدر بيانا أكد فيه أن الحكم الذى أصدره مركز التحكيم الدولى بجنيف بخصوص قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، هو حكم خاص بالتحكيم التجارى بين الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية من جهة، وشركة كهرباء إسرائيل وشركة شرق البحر المتوسط للغاز من جهة أخرى.. وفى تضليل للرأى العام أوضح المتحدث باسم مجلس السفراء السفير حسام قاويش (أن الحكومة المصرية ليست طرفا فى النزاع، وأن إجراءات الطعن على الحكم ستقوم بها الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية)، وكانت الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية لاتتبعان للحكومة المصرية.

ولعل الأخطر فى أمر تلك الأحكام التى ستكون ملزمة وواجبة السداد فى حالة صدورها، طبقا لاتفاقية مؤتمر لاهاى للسلام عام 1907، والتى وقعت مصر عليها فى 4 نوفمبر عام 1986، أنه فى حالة امتناع أو عجز الحكومة عن دفع تلك التعويضات، فمن حق تلك الهيئات الحجز على طائرات مصر للطيران حال هبوطها فى مطارات الدول الصادر لحقها تلك الحكم، وأيضًا الحجز على أملاك وأموال الحكومة المصرية فى دولها، دون التعرض للسفارات التى أعفها القانون من هذا الأمر.

ولعل المحزن فى الموضوع، تلك المعلومات التى أكدت أن مصر تحتل المركز الثالث بين الدول النامية المتضررة من التحكيم الدولى بعد كل من الأرجنتين وفنزويلا، وأنها مطالبة نتيجة لتلك القضايا بدفع ما يزيد عن الـ 20 مليار دولار سنويا، كتعويضات لجهات أجنية مختلفة.

ولعل أبرز الأحكام التى صدرت ضد مصر خلال الفترة الماضية، بجانب الحكم الذى صدر فى الأسبوع الماضى لصالح إسرائيل.. كانت قضية رجل الأعمال اللبنائى (وجيه سياج) الذى حكم له بتعويض 300 مليون دولار، دفعتها الحكومة المصرية، تعويضًا له عن قرارها بسحب الأرض التى خصصت له فى طابا عام 1989، بعد أن تبين قيامه ببيع الأرض لمستثمرين إسرائيليين، وهى القضية التى خسرتها مصر نتيجة لإهمال الحكومة فى تلك الفترة.

كما دفعت مصر 530 مليون جنيه تعويضًا لشركة بريطانية، نتيجة صدور حكم من مركز التحكيم الدولى بمدريد لصالح الشركة بعد أن خالف الجانب المصرى العقد الموقع معها لبناء (مطار رأس سدر).. ودفعت مصر 19 مليون جنيه، لتسوية النزاع الذى وقع بين وزارة السياحة المصرية و(شركة جنوب الباسيفك) التى كانت الحكومة قد وقعت عقدًا معها لإنشاء مركزين سياحيين فى (هضبة الأهرام، ورأس الحكمة بمرسى مطروح) ولم تلتزم الحكومة المصرية بالاتفاق بعد الهجوم الشعبى على المشروع.

ولعل السؤال الذى يطرح نفسه الآن.. أليست تلك القضايا تخص وزارات وهيئات تقلدها ويتقلدها شخصيات يتقاضون ملايين الجنيهات شهريا ومن الواجب أن يكون بحوزتهم ملفات تحوى معلومات كاملة عن تلك النزاعات؟.. أم أن تلك النزاعات ظهرت فجأة وتم رفعها فى الخفاء؟.. أليس من المفترض أن تكون تلك الهيئات قد استعدت بملفات تحوى معلومات كافية عن تلك النزاعات مدعومة بمستندات، ويتم إسنادها لفرق قانونية دولية متخصصة لمواجهة تلك القضايا؟.. أم أن أموال الفقراء التى ستتكبدها الدولة (حلال) على الخارج، طالما أنها لن تمس جيوبهم؟.. ألا يستدعى الأمر بعد أن تبين حتى أنه ليس لدى الحكومة حصرا بالقضايا المرفوعة بالخارج، محاكمة كل المسؤولين الذين تقلدوا تلك الوزارات والهيئات، وتحميلهم تلك الأموال بدلا من دفعها من أموال الشعب الذى يعيش أكثر من 50 % منه تحت خط الفقر.

أتمنى أن يتحرك أحد، أو حتى يجيبنى أحد، أو أجد رد فعل من مسؤول.. وإن كنت على ثقة أنه لن يحدث.
ولله الأمر من قبل ومن بعد..

الأكثر قراءة



print