الجمعة، 10 مايو 2024 10:50 م
محمد محسن أبو النور

محمد محسن أبو النور

قراءة فى فوز الرباعية التونسية بجائزة نوبل للسلام

10/13/2015 11:16:19 AM

فازت الرباعية التونسية للحوار المكونة من الاتحاد العام التونسى للشغل والاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين، بالفعل بجائزة السلام الأرفع عالميا، ومن المقرر أن تبيت فى أحضانها فى غضون شهرين، بعد تكهنات امتدت لأسابيع طويلة ضمت وزيرى خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيرى والجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف، فضلا عن عدد بارز من مشاهير السياسة والسلام حول العالم كان أبرزهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

 

ففى الأشهر القليلة الماضية ومنذ توقيع الاتفاق النووى بين إيران والسداسية الدولية فى صباح الرابع عشر من يوليو 2015 طرح اسم وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف بقوة فى المحافل الدولية كرجل دولى للسلام، وبالتالى ترشيحه لنيل الجائزة على خلفية جهوده فى تغيير الطقس العام داخل حجرات التفاوض بين بلاده والغرب على مدى قرابة 21 شهرا امتدت من تسلمه مسئولية المفاوضات النووية فى خريف 2013 وحتى إنجاز الاتفاق فى صيف 2015.

 

والحق أن جواد ظريف استطاع بالفعل تغيير وجهة نظر المفاوضين الستة، فضلا عن ممثلة الاتحاد الأوروبى، عن السياسات العامة لإيران، ونجح فى استخلاص مواقف وسطية أضيفت لرصيد بلاده، من المفاوضين الذين لا يشق لهم غبار، وإقناع الجميع بصورة "إيران الجديدة" التى أفرزها انتخاب الإصلاحى حسن روحانى رئيسا، وحتى وقت كتابة تلك الأسطر لا يعرف أحد كيف تجاوز ظريف بـ"الدبلوماسية البطولية" المعوقات الجسام التى واجهته داخل الغرف المغلقة، وكيف أضفى كل هذا القدر من الديناميكية المغلفة بالابتسامة على الأجواء.

 

ولكم كان الظرف مواتيا للغاية حتى يحصل ظريف على الجائزة مناصفة مع جون كيرى فى خطوة كان من المفترض أن تعيد إلى الأذهان الصورتين التاريخيتين اللتين التقطتا فى ظروف مشابهة أولهما للرئيس المصرى محمد أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن فى أعقاب التوقيع على اتفاقية السلام فى كامب ديفيد عام 1978، وثانيهما لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات مع رجلى الدولة الإسرائيليين إسحق رابين وشيمون بيريز عام 1994، نتيجة لتوقيع اتفاق أوسلو للسلام الذى لم تلتزم به أبدا دولة الاحتلال، وتحرر منه الشهر الماضى من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن بالرغم من كونه أحد أهم عرابيه!

 

لكن على ما يبدو فقد تخوف المعهد النرويجى المانح للجائزة من إسنادها إلى ظريف وكيرى بطلا الاتفاق لاعتبارات المواءمة السياسية، خاصة مع سمعة المعهد المرتبطة فى أحيان كثيرة بعلاقات معقدة باللوبى الصهيونى النافذ فى الكونجرس الأمريكى وخاصة غرفته الأولى المتمثلة فى مجلس الشيوخ، وتأثير هذا اللوبى ونفوذه فى دوائر صنع القرار فى عدد ليس بالقليل من عواصم العالم المهمة.

 

بخلاف الثنائية السابقة المتحققة بالفعل بين كيرى وظريف اللذين استطاعا أن يبرهنا أن الدبلوماسية يمكنها أن تكون خيارا جيدا بديلا عن السلاح؛ فإن منح الجائزة إلى الرباعية التونسية أعطى انطباعا لا تخطئه عين عن ترتيب جدول المانحين وأولوياته فضلا عن وضع الأزمة الإنسانية الدرامية السورية وأهميتها فيه.

 

فمع انتشار صورة الطفل الغريق إيلان الكردى على شواطئ البحر ونزوح ملايين السوريين ومقتل قرابة 400 ألف على الأقل وتدمير قرابة 90% من البنى التحتية لأقدم دولة ذات عاصمة موحدة فى التاريخ، وسط صراع إقليمى وعالمى صريح على الأراضى السورية، وتدخل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وفتحها حدود بلادها أمام 800 ألف لاجئ؛ كان من المنطقى للغاية أن تحصل على الجائزة تشجيعا للحكومات الأخرى على انتهاج "السلوك الميركلى” ذاته، لكن التقدير الراهن لمسوغات الجائزة ومعطياتها للعام الحالى يشير إلى أن المأساة السورية ليست على رأس أولويات المعهد، وهذا بالطبع لا يقلل هذا من جهود السلام التى بذلتها الرباعية التونسية ونجحت فيها إلى حد غير قريب.

 

تكتسب وجهة النظر السابقة وجاهتها من ضم الصحيفة الروسية المستقلة نوفايا جازيتا إلى قائمة المستبعدين، لاعتبارات الحرب الدولية ـ الإقليمية الكائنة على الأراضى السورية، مع تخوفات من أن يحول منح الجائزة للصحيفة الروسية الليبرالية المناهضة لسياسات الرئيس فلاديمير بوتين والذى فرض عليه الغرب عقوبات دولية، الصراع الدولى من الميدانين الأوكرانى والسورى ويحرفه إلى نزال يمكن من خلاله أن تظهر الجائزة مسيسة على نحو فاضح.

 

الطرف الأخير فى هذه المعادلة كان رجلى الدين البارزين بابا الفاتيكان فرانسيس الأول إلى جانب الكاهن الكاثوليكى الإريترى موسى زراى، لكن الجائزة رأت استبعادهما كذلك؛ تخوفا من أن يؤدى ذلك إلى لصق انطباع فى أذهان البعض حول كهنوتية الجائزة بدلا من مدنيتها.

 

فى الأخير يبقى إبداء ملاحظتين مهمتين حول نوبل للسلام لعام 2015م، الأولى: أن جوائز نوبل للسلام عندما حلت فى المنطقة العربية فى السنوات الأخيرة، ابتعدت عن مصر رائدة العرب وقائدة قاطراتها، وهنا يجب أن يلتفت صفوة رجال القاهرة إلى ضرورة تدارك هذا التراجع. والثانية: أن تونس الملهمة تواصل سبقها فى السنوات الخمس الماضيات؛ فمنها بدأ الربيع، وإليها انتهى تقدير السلام.

 


print