الجمعة، 17 مايو 2024 08:56 ص

حكايات برلمانية مع محمد المصرى.. فصل مكرم عبيد لاتهامه "النحاس" بالفساد واستغلال النفوذ.. النواب يسقطون رئيسهم والوكيلين بمجلس 1971.. وإسقاط عضوية عبد الفتاح حسن والحريرى بجلسة واحدة

أشهر جلسات إسقاط العضوية بالبرلمان

أشهر جلسات إسقاط العضوية بالبرلمان أشهر جلسات إسقاط العضوية بالبرلمان
الأربعاء، 09 مارس 2016 06:50 م
تمثل حالات إسقاط العضوية عن عضو البرلمان أقصى وأقسى الجزاءات التى يمكن أن توقع على العضو.. وقد نصت جميع الدساتير المصرية، منذ أول دستور صدر عام 1923 حتى دستور 2014، على هذه العقوبة، ونظمت جميع اللوائح الداخلية للبرلمانات المصرية منذ أول برلمان مصرى حقيقى عام 1866 حتى برلمان 2016 الإجراءات والقواعد التى يجب اتباعها لمواجهة العضو -رغم ما يتمتع به من حصانة- عندما يخل بواجبات العضوية أو يأتى بأفعال محظور عليه فعلها، وأهمها تهديد رئيس الجمهورية أو رئيس البرلمان أو رئيس الوزراء أو استخدام العنف لتعطيل أعمال المجلس أو لجانه أو مناقشاته.
محمد المصرى

وقد استخدمت جميع البرلمانات المصرية، طوال حياتنا البرلمانية، هذا الحق الدستورى فى إسقاط عضوية مئات النواب، وأخرجتهم من تحت القبة، سواء بالحق أوالباطل لأهواء سياسية.

وأذكر أننى كنت شاهدا على إسقاط عضوية عشرات النواب منذ برلمان 1976 حتى إسقاط عضوية نائب التطبيع السابق توفيق عكاشة فى الجلسات الأخيرة فى برلمان 2016.

والحقيقة أننى فى بعض الأحيان كنت أتعاطف مع بعض النواب، الذين كانوا يتعرضون لهذا الموقف الصعب بسبب معارضتهم للنظام، أو من أجل كلمة حق قالوها لسلطان جائر تحت القبة أوخارجها ويدفعون ثمن ذلك!.. وفى بعض الأحيان كنت أشعر بالقرف والغثيان من بعض النواب فى جلسات إسقاط عضويتهم.. فهم خانوا القسم الذى أقسموه باحترام الدستور والقانون، ولم يرعوا مصالح الناس ولا الوطن.. ولا يستحقون شرف تمثيلهم تحت القبة، وتخفوا وراء الحصانة ليتاجروا فى المخدرات أويبيعوا تأشيرات الحج أو العلاج على نفقة الدولة، أو ينصبوا على الناس أو يزوروا الأحكام القضائية!

وتمثل جلسات إسقاط العضوية عن النواب قمة الإثارة تحت القبة بين المؤيدين لإسقاط العضوية والمعارضين لهذه العقوبة القاسية على النائب ونستمع إلى الرأى والرأى الآخر.

وسوف أتعرض لبعض المواقف، التى عشتها تحت القبة أثناء إسقاط العضوية عن بعض النواب السابقين.. ولكن فى البداية ألقى الضوء على أشهر جلسة لإسقاط عضوية النائب مكرم عبيد، سكرتيرحزب الوفد سابقا، قبل ثورة يوليو 1952، وبالتحديد فى مايو 1943 بعد استجوابه الشهير، الذى تقدم به لرئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، وكانا زميلين فى الجهاد والكفاح ضد الملك والإنجليز.. ولكن للأسف تحولت الصداقة والزمالة والكفاح بينهما إلى عداوة وبغضاء، وانشق عبيد عن الوفد وكون حزب الكتلة.
النحاس ومكرم عبيد

وناقش المجلس استجواب مكرم عبيد، الذى كال فيه على مدى 3 أيام الاتهامات لرئيس الوزراء باستغلال النفوذ للثراء، والانتفاع الشخصى من ممتلكات الدولة، والتستر على التهم المنسوبة لبعض الأصهار والأنصار، وأن الحاكم العسكرى يستغل نفوذه بمنعه من الإدلاء برأيه فى الصحف والمجلات والإذاعة، والتلاعب فى رخص التصدير وصفقات التموين، وتدخل السيدة زوجته "زينب الوكيل" فى شئون الحكم والاتجار بقوت الشعب هى وأقاربها (عندما تزوجها النحاس باشا كان يكبرها بـ33 سنة)، وقام رئيس الوزراء بالرد على استجواب عبيد، وفند كل ما قاله فى استجوابه الذى كان قد نشره فى الكتاب الأسود.

وأكد النحاس باشا على نزاهة الحكم الوفدى، واستنكر المجلس المسلك الشائن الذى سلكه مكرم باشا، ووصفه بأنه أسوأ مثل للنائب منذ أن قامت فى البلاد الحياة النيابية سنة 1942، مستهجنا هذه التهم الطائشة غير الصحيحة.

وقرر المجلس فصل سعادة مكرم عبيد باشا من عضوية المجلس، بأغلبية 208 أصوات ضد 17 صوتا.. وبما أن العدد الواجب توافره هو ثلاثة أرباع المجلس، أى 198صوتا، وقد زادت عن هذا العدد، فقد قرر فصل حضرة نائب قنا مكرم عبيد باشا، وأعلن خلو الدائرة.

وتم اعتقاله فى السر، بالقرب من المنصورة، ولحقته زوجته بعد ذلك.. والعجيب أنه بعد نجاح القصر فى إقالة النحاس باشا عام 1944، تولى مكرم عبيد رئاسة الوزراء بعد 8 أشهر من فصله من مجلس النواب.

جلسة طارئة


أما اشهر مواقف إسقاط العضوية بعد ثورة يوليو فكان فى مجلس الأمة فى عام 1971، وبالتحديد فيما حدث فى ليلة 14 مايو 1971، حيث شهد هذا المجلس حدثا مهما فى تاريخنا البرلمانى.. ويعتبر سابقة برلمانية لم تحدث من قبل فى تاريخ البرلمانات المصرية.

ففى هذه الليلة، وبالتحديد فى الساعة الثامنة مساء والدقيقة 40، اجتمع 263 عضوا من أعضاء مجلس الأمة فى القاعة الرئيسية، ووقعوا على طلب بإسقاط رئيس مجلس الأمة د. محمد لبيب شقير، والوكيلين كمال الدين الحناوى وأحمد فهيم، و15 عضوا آخرين بالمجلس، وإعلان التأييد المطلق للرئيس محمد أنور السادات فى تصديه لمراكز القوى، فيما سمى وقتها بــ"ثورة التصحيح" لأنهم انزلقوا فى عملية خسيسة هدفها كما جاء فى الطلب الذى وقع عليه الأعضاء طعن الوحدة الوطنية، وهدم الصمود الشعبى من أجل القفز على المراكز والاستئثار بالسلطة والاحتفاظ بمركز القوى والاستغلال.

وبعد هذه الجلسة الطارئة التى عقدها الأعضاء برئاسة د. إسماعيل على عتوق، أكبر الأعضاء سنا، تم انتخاب النائب حافظ بدوى رئيسا للمجلس، ومصطفى كامل مراد وحسن طلبة مرزوق وكيلين.. واستمر هذا المجلس حتى 25 يوليو 1971، عندما اصدر الرئيس أنور السادات قرارا جمهوريا بفض دور الانعقاد الثالث.. بل إنه قام بحل المجلس كله.

وكان من أبرزالنواب الذين وقعوا على طلب إسقاط عضوية رئيس المجلس والذين معه:
عثمان أحمد عثمان، وكمال الشاذلى، ونوال عامر، ومحمد فؤاد أبو هميلة، وعبد المنصف حزين، وبثينة الطويل، وصبرى القاضى، وحافظ بدوى، ومصطفى كامل مراد، وحلمى جاد الله، ومحمد بركات أبو سحلى، وعبد الفتاح عزام، ود. سعد الخوالقة، وإبراهيم شلبى، ومختار هانى، وسيد زكى عبد الهادى.

ويجب أن نلاحظ أن هذه الأسماء أصبحت رجال الرئيس السادات، وتقلدت المناصب العليا فى البلاد بعد ذلك.

إسقاط عضوية نائب الوفد


أما فى برلمان 1976 الذى كان يرأسه المهندس مرعى، وبعد عودة حزب الوفد الجديد فى فبراير 1978 إلى الساحة السياسية لينضم إلى أحزاب (مصر والأحرار والتجمع) تحت القبة، فأذكر أن حزب الوفد لم يستمر سوى بضعة أشهر، وقام بحل نفسه احتجاجا على القرارات والقوانين، التى تحد من الحريات السياسية للأحزاب، على حد تعبير فؤاد سراج الدين.

ويبدو أن هذا الموقف، الذى اتخذه حزب الوفد الجديد قد أثار السادات وأغضبه، فقرر اتخاذ خطوة مضادة له.. فبعد خمسة أيام من حل حزب الوفد وتجميد نشاطه.. وبالتحديد فى ظهر 26 يونيو 1978، عقد مجلس الشعب جلسة ساخنة تم فيها إسقاط عضوية نائب رئيس حزب الوفد الجديد عبد الفتاح حسن باعتباره من الذين أفسدوا الحياة السياسية قبل ثورة 23 يوليو 1952 باشتراكه فى تقلد المناصب الوزارية فى حكومة حزب الوفد القديم.

وأسقط مجلس الشعب عضويته بموجب قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى الذى أصدره المجلس فى عام 1978.

ومن العجيب الغريب أن هذا القانون الذى أصدره مجلس الشعب يستثنى من ذلك أعضاء الحزب الوطنى وحزب مصر الفتاة، من أحزاب ما قبل الثورة، ومن المفارقات أيضًا أن المحكمة الدستورية العليا حكمت بعد ذلك بعدم دستورية العزل السياسى للسياسيين القدامى دون تفرقة بينهم.. ودون أن تنسب إليهم وقائع محددة!

وكان النائب عبد الفتاح حسن ممثلا لدائرة (بسيون- غربية) تحت القبة، ونجح فى انتخابات 1976.. وقد ألقى قبل إسقاط عضويته خطبة بليغة أمام الأعضاء أغلبية ومعارضة ومستقلين ذكر فيها أعماله ونضاله ووطنيته قبل الثورة.

وأذكر أننى استمعت إليه بكل اهتمام وهو يقول بصوت عال:
«إنه قد عين فى الوزارة فى 24 يونيو 1951 وزيرا للشئون الاجتماعية، ثم وزيرًا للداخلية بالإنابة، وأقيل فى 27 يناير 1952.. أى أنه كان وزيرًا لمدة سبعة أشهر وثلاثة أيام.. وأنه يطلب عدم إسقاط عضويته حتى يحكم القضاء فى القضية التى رفعها أمام القضاء الإدارى يطعن فيها على قرار المدعى العام الاشتراكى، وأنه لا ينطبق عليه القانون رقم 33 لسنة 1978، وأنه يتعين أن يتوفر بالنسبة إليه شرط ارتكابه ما يفسد الحياه السياسية، وهو لم يدن ولم يرتكب ما يمثل إفسادا للحياه السياسية خلال توليه الوزارة.

لكن الأغلبية رفضت هذا الطلب وأسقطت عضويته بأغلبية 273 صوتا ضد 36 صوتا من المعارضة ورفض عضو واحد من الأغلبية.

الحريرى يهتف ضد النظام!


وفى نفس يوم الجلسة التى عقدت فى 26 يونيو 1978، تم إسقاط عضوية نائب كرموز بالإسكندرية أبو العز الحريرى، وكان عضوًا بحزب التجمع، وتلقى المجلس رسالة من المدعى العام الاشتراكى فى ذلك الوقت تشرح فيها تصرفاته فى قيادة المظاهرات ومهاجمة النظام، وأنه كان يسير ومعه مسدسه المحشو بالطلقات، ويردد هتافات عدائية ضد النظام قاصدا الإثارة والتحريض والتشكيك فى السلطات الشرعية المسئولة فى الدولة والتعريض بها وبالنظام الاشتراكى وتهديد السلام والوحدة الوطنية.. وكان النبوى إسماعيل وزيرا للداخلية فى ذلك الوقت.
أبو-العز-الحريري 4

واعتبر المجلس أن ما فعله أبو العز الحريرى إخلالا بواجبات العضوية التى تفرض عليه عدم ارتكابه أى فعل من شأنه الإخلال بالأمن العام، وأن ما بدر من العضو من هتافات لا صلة بينها وبين المعركة الانتخابية والدعوة إلى المرشح، الذى ينتمى إلى حزبه يمثل تعمدا مقصودا للإثارة والتحريض مما يهدد السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية.

وقد دافع أبو العز عن نفسه فى هذه الجلسة وفند كل الاتهامات التى وجهت له من المدعى الاشتراكى ووزير الداخليه وأنكرها جملة وتفصيلا.

وتم إسقاط عضويته بأغلبية 287 صوتا ضد 16 صوتا من المعارضة، منهم المستشار الكبير ممتاز نصار وحسن عرفة وكمال سعد.. وكان يرأس الجلسة د. السيد على السيد، وكيل المجلس، وكانت سابقة برلمانية لم تحدث من قبل أن يتم إسقاط العضوية عن نائبين فى يوم واحد، وهما "عبد الفتاح حسن وأبو العز الحريرى"، وعاد أبو العز الحريرى إلى قاعة مجلس الشعب فى برلمان 2000 – 2005، بعد غياب دام 22 سنة ممثلا لحزب التجمع، وكان يصول ويجول فى التصدى لنظام الخصخصة الذى كان كالسيل العرم الذى يجرف أصول مصر وممتلكاتها من جذورها!.. ثم عاد إلى قاعة مجلس الشعب مرة ثالثة فى برلمان الثورة "2012" الذى تم حله.

print