السبت، 04 مايو 2024 03:39 ص

الفضاء الإلكترونى يصنع أبطالا من ورق.. المؤسسات الرسمية المصرية والعربية بعيدة عن حيز التأثير التفاعلى.. والصحف الغربية تستقى معلوماتها عن دول المنطقة عبر النشطاء السياسيين

خالد صلاح يكتب: صرح ناشط شاب!!

خالد صلاح يكتب: صرح ناشط شاب!! الكاتب الصحفى خالد صلاح
الثلاثاء، 23 يناير 2018 12:00 م
 
 
حروب الجيل الرابع
 
رغم كل التطور فى وسائل التواصل الاجتماعى لا تزال المؤسسات المصرية والعربية الرسمية بعيدة عن حيز التأثير التفاعلى الجاد فى هذا الفضاء الإلكترونى المخيف، النشطاء السياسيون يتقدمون بخطوات على هياكل الدولة المركزية فيما يتعلق بالتأثير والتفاعل داخل الرأى العام، فيما تقف الحكومات والهيئات التنفيذية فى خانة رد الفعل على نحو دائم، وبطريقة مؤسفة أحيانا، والنتيجة أن حفنة من هؤلاء النشطاء صاروا مؤثرين فى الميديا العالمية نتيجة اتساع حيز تأثيرهم وحجم الصخب الذين يفجرونه بين الناس على الـ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب».
 
هذه حقيقة واقعية لا ينبغى أن ننكرها، إذ إن تجاهلها أو التقليل من تأثيرها يفتح الباب لهزيمة معسكر الحقيقة وانتصار لحزب الباطل، وهو ما تظهر مؤشراته فى بعض الأزمات الكبرى أو فى حملات التضليل الموجهة التى يشنها عدد من النشطاء السياسيين بين الحين والآخر.
 
خذ مثلا ما جرى فى الكويت هذا الأسبوع، إذا قضت محكمة كويتية بالحبس خمس سنوات على ناشط سياسى مموَّل من قطر يدعى عبد الله محمد الصالح، هذا الناشط أساء للعلاقات الكويتية السعودية حسب ما قالت المحكمة، واستخدمته الدوحة فى الحرب على المملكة والوقيعة بين بلدان الخليج، ثم عندما صدر بشأنه هذا الحكم طار هذا المغرد على تويتر إلى العاصمة البريطانية لندن وطلب حق اللجوء السياسى، فيما موَّلت قطر كل نفقات انتقاله وإقامته لاستخدامه من الخارج، وفتحت له لندن ذراعيها باعتباره أحد نشطاء الحريات فى العالم العربى، انظر كيف يرتدى الباطل ثوب الحق؟! وكيف يجرى استخدام مواقع التواصل لخلق مجموعات من المموَّلين الذين يخدمون أهدافا استخباراتية لبلدان صاحبة مصالح إجرامية؟! وانظر كيف تتسع مساحات تأثير هؤلاء النشطاء إلى الحد الذى تنتفض فيه دول لمحاكمتهم، وتهب فيه دول عظمى لإنقاذهم من أيدى العدالة؟!
 
خذ مثلا آخر، فربما تعلم أنت بعض الأحداث التى تدور فى المملكة المغربية، بعض المحتجين فى مناطق شمال شرق المغرب أعربوا عن غضبهم من سياسات زراعية للحكومة، وهذا أمر طبيعى ومعتاد وتعكف الحكومة المغربية على حله، لكن المضحك واللافت هنا أن كل برقيات وكالات الأنباء التى قرأتها بنفسى تستقى معلوماتها من ناشط سياسى واحد وتعتمد على ما يقوله باعتباره مسلمات، حتى أن الوكالة الفرنسية نفسها لم تكن تعرف ما اسم هذا الناشط بالكامل فبدأت تكتب السطر الأول فى أخبارها عن هذا الاحتجاج على النحو التالى: «قال ناشط سياسى اسمه عزيز... »، ثم تكمل الخبر، هل هناك ما يدعو للسخرية والضحك أكثر من ذلك، وكالة عريقة تعتمد فى معلوماتها عن اضطرابات فئوية فى دولة كبيرة كالمغرب على «ناشط سياسى اسمه عزيز»!
 
هكذا بلا خجل تتحول عناصر فردية متفاعلة فى شبكات التواصل إلى مصادر إخبارية موثوقة، وهكذا وبعد أيام أو أشهر أو مواقف يتحولون إلى أبطال، ويتصدرون المشهد، وتفتح لهم أبواب التمويل وعطف العواصم الغربية السخية على كل حراك يؤدى إلى التوتر فى الشرق الأوسط، فالصحف الغربية لم تعد تستقِ معلوماتها عن بلدان المنطقة إلا عبر النشطاء السياسيين الذين يتخذون مواقف معادية للدولة المركزية، لا أقول فى مصر وحدها، ولكن فى كل البلدان العربية تقريبا، وصار أمرا عاديا أن يصدمك عنوان كبيرة فى صحيفة مرموقة لا يستند على أى معلومة سوى ما يقوله ناشط هنا أو مغرد هناك، ولا تخجل الصحف من الاعتماد على ما يقوله أفراد استطاعوا بالباطل أن يحظوا بتفاعلية أكبر على شبكات التواصل، وأصبح عاديا أن تجد الخبر تحت هذا العنوان الكبير يبدأ بجملة مضحكة وهى: «قال ناشط سياسى على فيس بوك»، أو صرح «مغرد مصرى أو تونسى أو سعودى أو كويتى على تويتر».
 
قد يطل علينا من المسؤولين الحكوميين من يستخف بهذا التأثير، ويقلل من أصداء هذه التفاعلية، أو قد يراهن البعض على أن الصحف ووسائل الإعلام الدولية قد تطبق معايير النزاهة والحيادية والمصداقية لتسأل عن الحقيقة فيما يزعمه هؤلاء النشطاء والمغردون، أو الرأى الآخر فيما يدعيه هؤلاء «المؤثرون الجدد»، لكن الواقع يقول إن هذه الصحف لا تقوم بهذا الدور المهنى، وأن هذا الفضاء الإلكترونى يصنع أبطالا من ورق فى عيون العالم، ويصير هذا الورق قابلا للاشتعال ليحرق أوطانا بالكامل أو يضر باقتصاديات بلدان أخرى، أو يؤثر على العلاقات البينية بين البلدان العربية، وتكون هذه الحرائق دائما فى خدمة طرف ثالث، فى الداخل أو فى الخارج.
 
قدمت لك مثالين فقط من المحيط إلى الخليج، الأول من الكويت، والثانى من المملكة المغربية، وعندى عشرات القصص الأخرى، ولا أريد هنا أن إطلاقا أى إجراء سلطوى أو أمنى أو لجوء إلى تخوين وتكفير، لكننى أريد أن ألفت نظر الحكومات المركزية إلى أن الإعلام التقليدى وحده لم يعد يكفى، وأن التأثير لا يزال لدى وجوه مغمورة لم تظهر يوما على شاشة فضائية، ولم تكتب مقالاً فى صحيفة يومية رسمية، لكن التأثير لا يزال فى منطقة أخرى، وإذا كنا نريد محاربة التضليل والتآمر إلى آخر هذه المسميات من قاموس حروب الجيل الرابع، فعلينا أن نلتفت إلى أن الحرب الحقيقية ليست فى الوسائل التقليدية، لكنها هناك فى الفضاء الإلكترونى، وإذا أردنا الدفاع عن بلداننا ضد الباطل فعلينا أن نمتلك أدوات فاعلة، وننتج محتوى جاداً وصادقاً، ونحترم ردود الفعل بين الناس.
 
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
  مصر من وراء القصد.
 
فيس بوك
 
محكمه كويتية
 
اليوم السابع

 

 

 


print