السبت، 04 مايو 2024 10:44 م

كيف صنع المنشقون عن الجيوش قوة داعش؟.. خريطة البؤر الساخنة لجذب عسكريين قدماء.. تسريح جيش العراق النواة.. تفكك ليبيا وسوريا استكمل الدعم.. وضباط أمريكيون وأوروبيون انضموا للمتطرفين

عسكريون سابقون أصبحوا "إرهابيين"

عسكريون سابقون أصبحوا "إرهابيين" إرهابيون
الخميس، 13 يوليو 2017 11:00 م
كتب تامر إسماعيل

التحقيقات فى العمليات الإرهابية تكشف وقوفهم خلف التخطيط والتنفيذ واستغلال الثغرات الأمنية

الانتقام السياسى والخوف والبحث عن المال أبرز أسباب انضمامهم

جيوش الدول وأجهزة المخابرات بدأت اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية رجالها الحاليين والسابقين من مصيدة داعش

 

 

فى 2015 وصل تايرود بيو -أحد المقاتلين بالجيش الأمريكى- إلى مصر، وبعد أيام من دخوله اشترى تذكرة طيران إلى تركيا، لكن حضوره إلى مصر، أو سفره إلى تركيا، لم يكن تكليفا من قياداته العسكرية، أو لقضاء إجازة، بل جاء باحثا عن طريق للعبور إلى الحدود السورية، رغبة فى الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابى، لكن خطته لم تكتمل، وتمكنت الإدارة الأمريكية من القبض عليه، وفى جلسة التحقيق التى حُكم عليه فيها بالسجن 35 عاما، ألقى تايرود المتخصص فى إلكترونيات الطيران بسلاح الجو الأمريكى، خطبة حماسية دافع فيها عن التنظيم وندد بعنصرية الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وفى 22 يناير 2015 أعلنت "إذاعة فرنسا الدولية" و صحيفة "لوبينيون " عن التحاق عشرة عسكريين فرنسيين سابقين بصفوف التنظيمات الجهادية فى العراق وسوريا، كاشفة أن بعضهم ينتمى إلى القوات الخاصة والفرقة الأجنبية، وهو ما أكده وقتها أيضا وزير الدفاع جان إيف لودريان، واصفا الحدث بقوله أن بعض العسكريين "أغرتهم مُغامرة جهادية نادرة جدا".

أما العسكرى الفرنسى السابق، الذى تم القبض عليه بداية مايو الماضى، قرب قاعدة جوية فرنسية، فاعترف أنه كان يعتزم تنفيذ اعتداء باسم "داعش"، وحصلت السلطات الفرنسية معه على مبايعته للتنظيم.

 

وفى مصر، تصدر الضابط المفصول هشام عشماوى، عناوين التحقيقات فى عملية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، حيث كان عشماوى كلمة السر فى تلك العملية وغيرها من العمليات التى خطط لها وشارك فى تنفيذها فى مصر، ولم يتم القبض عليه حتى الآن، عكس ما اختاره لنفسه وليد بدر -الضابط المفصول من القوات المسلحة- والذى اختار لنفسه أن يكون انتحاريا ويلقى مصرعه محاولا اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم.

 

وعلى الجانب الآخر من المشهد، وصل تنظيم داعش فى تنظيمه عددا وعتادا وتدريبا وخططا إلى مراحل متطورة منحته صبغة الجيوش النظامية، وأصبحت عملياته وتحركاته من دولة إلى أخرى تتطور فى المباغتة والمفاجئة واستخدام الأسلحة، وبدا فى كل مشاهده المصورة وكأن أفراده أكثر حماسا والتزاما وتدريبا من جيوش دول مستقرة وراسخة فى العمل العسكرى، حتى أن تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة التنظيم اعتُبر نصرا حربيا، كانتصارات جيوش دول على أخرى.

الربط بين تلك القصص الإخبارية للضباط السابقين بجيوش عدد من الدول المذكورة بداية، وبين ما وصل إلى التنظيم من قوة وتطور، يعطى نتيجة واحدة، أن "داعش" لم تعد مجرد جماعة إرهابية، أو تنظيما أنشأه مجموعة من المتطرفين، حتى لو كانوا محترفين ومدربين، بل إن طبيعة وطريقة العمليات التى يتم تنفيذها، أصبحت تتخذ أشكالا ومنهاجا، وتكتيكا، يفوق قدرات أى مدنى مهما بلغ فى خبراته، ويشير إلى أن "عسكرة" التنظيم وضمه للعسكريين السابقين المنشقين أو المفصولين، أصبح واقعا يدفع العالم كله ثمنه، لكن الأسئلة المهمة هي: متى وكيف بدأت تلك "العسكرة"؟، ومن دوافع هؤلاء العسكريين للانضمام لتنظيم إرهابى؟، وما خريطة المناطق الساخنة التى تمثل الروافد الأكبر لضم الضباط السابقين لذلك التنظيم؟

 

متى بدأت علاقة داعش بالعسكريين السابقين والمفصولين؟

فى 23 مايو 2003، قررت الإدارة الأمريكية اتخاذ أحد أهم القرارات التى أثرت على مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وهو حل الجيش العراقى وتسريح أكثر من 400 ألف جندى وضابط، عقب دخول القوات الأمريكية للعراق وسقوط نظام صدام حسين.

تسريح هذا الكم من الجنود والضباط كان خطرا كبيرا على مستقبل دولة العراق والمنطقة بالكامل، وتلقت بسببه الإدارة الأمريكية تحذيرات كثيرة، إلا أنها لم تنتبه لتلك التحذيرات، وتحول هؤلاء المقاتلون مع مرور السنوات، وتأزم الأوضاع فى بغداد، إلى ما يشبه الحاضنة الأولى لتنظيم داعش، الذى تكون تدريجيا وبنى نفسه وأجيال أخرى على مراحل متتابعة، وتشير أغلب الأبحاث والتقارير إلى أن أول تلك المراحل كانت تسريح الجيش العراقى، وما تلاه من تحولات، حتى وصل التنظيم إلى قوته وانتشاره وتوسعاته الحالية.

 

كيف يحقق التنظيم أقوى استفادة من العناصر العسكرية المنضمة له؟

على مدار سنوات ذاق فيها العالم مرارة العمليات الإرهابية الداعشية، وشهد فيه الجميع للتنظيم بالتفوق المرعب على مستوى التخطيط والتكتيك والقدرة على المباغتة والمفاجئة والاستغلال الأقصى للطاقات وللعمليات والأفراد، وصنع من نفسه "شبحا" يخيف الجميع، كان يقف خلف كل ذلك حصاد خبرات وتخطيط عناصر العسكريين السابقين الذين انضموا له، حيث استفاد منهم فى بداية تأسيسه فى العراق، والسيطرة على مصادر النفط والثورة، ووضع خطط انتشاره وتحركه من مدينة لأخرى ومن دولة لجارتها، حتى طال كل دول العالم بما فيها امريكا وأوروبا.

 

وفى سياق العمليات المتتابعة نجح هؤلاء العسكريين فى تمكين التنظيم من اختيار البؤر التى يغرس فيها جذوره بنجاح، من العراق إلى سوريا وليبيا وسيناء، وقدموا لأفراد "داعش" أقوى عمليات التدريب على الأسلحة والمعدات المتطورة التى حصلوا عليها من عمليات قتالية خاضوها ضد الجيوش المفككة فى سوريا وليبيا والعراق، وصنعوا منها ترسانة لا يعلم أحد حتى الآن مداها.

 

أين تقع البؤر الساخنة لاستقطاب العسكريين؟

فى العراق ومنذ 14 عاما شكّل تسريح 400 ألف مقاتل وجندى عراقى، النواة الأول لعدد من التنظيمات الإرهابية بالمنطقة على رأسها "داعش"، واستمرت العراق تشكل رافدا مهما للتنظيم تمده بالعسكريين المفصولين أو الهاربين من الجيش العراقى بسبب الظلم أو الفصل أو العرقية.

 

وقبل انطلاق ما سمى بـ"ثورات الربيع العربى" كان الانضمام للتنظيمات الإرهابية يتم بشكل فردية ومن بلدان مختلفة، أما بعد 2011 أصبحت الراوفد بالمنطقة العربية أكثر نشاطا، حيث وجد التنظيم من الجيوش التى تفككت فى سوريا وليبيا واليمن كنزا يسهل استغلاله لضم العناصر العسكرية، بأعداد كبيرة ودوافع مختلفة.

 

تلك الروافد التى أمدت "داعش" بعناصر قتالية عسكرية نظامية من دول مختلفة كانت أحد أهم مكاسب التنظيم التى يتباهى بها، وهو ما اعترفت به الكثير من الدول رغم قلة العدد، مثل تونس، وفرنسا ، وأمريكا، ودول إفريقية عديدة.

 

 ماهى الدوافع خلف انضمام العسكريين القدماء لداعش؟

عدد من الدوافع رصدها المحللون العسكريون كانت وراء انضمام العسكريين النظاميين لصفوف تنظيم داعش، لكن يبقى أولها من حيث القوة والعدد، هو الانتقام السياسى من دول وحكومات ومسئولين، وهو ماحدث بدول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن.

 

كما يمثل دافع الخوف والبحث عن الحماية أحد الأسباب، ويوضح العميد خالد عكاشة الخبير الأمنى أن أحد النماذج على ذلك كان ماحدث مع عدد كبير من القوات النظامية التى كانت تتبع العقيد معمر القذافى فى ليبيا، حيث انضموا إلى قوات داعش طلبا للحماية من بطش الثوار المسحلين، وكغيرهم من العناصر القتالية، انضم عدد ليس بالقليل من جيوش بعض الدول الإفريقية إلى تنظيم داعش هربا من الفقر أو بحثا عن المال، وهو العامل الذى روّج له التنظيم كثيرا عبر مواقعه الإعلامية لاستقطاب مزيد من العسكريين والمدنيين أيضا.

 

الدوافع الفكرية أقدم أسباب انضمام العسكريين إلى الجماعات الإرهابية

ويظل الدافع الفكرى والاقتناع بوجوب العمل المسلح لتحقيق أهدافا دينية أو سياسية، رافدا لانضمام عدد من العناصر التى تخفى انتماءاتها أثناء فترة خدمتها بالجيوش النظامية، وتسعى من خلال انضمامها للتنظيم إلى الاستفادة والإفادة مما عرفته وتدربت عليه فى الجيوش التى تنتمى إليها.

 

ولا يقتصر هذا الدافع على المرحلة التاريخية الحالية، بل يمتد بجذوره إلى سنوات تأسيس تلك الجماعات، ففى مصر –على سبيل المثال- بدأت علمية الانضمام تلك فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، ويحكى نبيل نعيم القيادى السابق فى تنظيم الجهاد، أنه نجح فى استقطاب وتجنيد أحد الضباط فى الجيش المصرى فى ثمانينيات القرن الماضى، بعدما رصد وقتها رفضه وسخطه من اتفاقية كامب ديفيد، وظل على تواصل معه حتى تمكن من تجنيده، معتبرا أن أهم نقاط الضعف، هى طريقة النفاذ إلى عقل الشخص المراد تجنيده، كاشفا أن التنظيم ظل يستفاد منه حتى نجحت الأجهزة الأمنية المصرية فى قتله.

 

أشهر نماذج الضباط المصريين المنضمين لجماعات إرهابية

يعد من أشهر القيادات الإرهابية التى خرجت فى الماضى من عباءة عسكرية نظامية، الضابطين السابقين خالد الإسلامبولى وعبود الزمر، اللذان ظلا ضمن صفوف الجيش المصرى خافيان لأفكارهما، وانتمائهما للجماعة الإسلامية، حتى حانت لحظة مشاركتهما فى اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أثناء مشاركتهما فى احتفالات السادس من أكتوبر عام 1981، التى كان يحضرها السادات، ونفذا عملية الاغتيال.

 

هل توجد حلول لوقف ذلك المد العسكرى للجماعات الإرهابية؟

أدركت عدد من الدول بعد تكرار حالات انضمام أفراد من جيوشهم إلى تنظيم داعش بالتحديد، أن الأمر أصبح يهدد أمنهم الاستخباراتى، لما تملكه تلك العناصر من كفاءة ومعلومات، وهو ما عزز لدى جيوش وأجهزة مخابرات تلك الدول الشعور بضرورة توسيع دائرة التعاون الأمنى والمعلوماتى مع الدول الأكثر تضررا من العمليات الإرهابية.

 

ويضيف العميد خالد عكاشة أن السنوات الأخيرة شهدت تعاونا على مستوى أوسع بين دول عربية وأجنبية لمواجهة تلك الظاهرة، وأهم مظاهر ذلك التعاون كان فى استجابة تلك الدول لدعوات الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة وضع استراتيجية دولية شاملة لمواجهة الإرهاب والفكر التطرف، ووضع استقرار الشعوب سياسيا واقتصاديا فى مقدمة تلك الاستراتيجية ، إضافة إلى مواجهة الفكر المتطرف فى شتى صوره، ومحاصرة الدول والأنظمة الداعمة لتلك الجماعات.

 

 


print