الإثنين، 06 مايو 2024 07:25 ص

قاد مظاهرات الطلبة عام 1972.. أصر على العودة لمصر أثناء الثورة.. وعمر سليمان رد عليه: "صحابك بيهربوا وانت بترجع!".. وأسس أول حزب "مدنى" بعد الثورة.. وواجه مرسى قائلا: "انا مصرى أكتر منك"

نجيب ساويرس.. رجل أحب مصر

نجيب ساويرس.. رجل أحب مصر سميح ساويرس
الأحد، 02 يوليو 2017 09:09 م
كتب محمود حسن

صباح التاسع والعشرين من يناير عام 2011، كانت سماء القاهرة لم تزل معبأة بدخان حرائق ليلة ربما هى الأطول فى تاريخ مصر، انسحبت الشرطة من الشوارع عقب جمعة الغضب، انتشرت القوات المسلحة لتوقف حالة الفوضى الأمنية التى شهدتها البلاد، شلت أغلب رحلات الطيران من وإلى القاهرة، رن جرس الهاتف فى مكتب اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة فى هذا الوقت، قال مدير مكتب اللواء إن رجل الأعمال نجيب ساويرس اتصل قائلا :"أفهم أن يغلق المطار أمام الهاربين، أما أن يغلق أمام من يريد العودة إلى وطنه فما المنطق؟".

لم تكن تلك المكالمة الوحيدة لساويرس الذى كان فى خارج البلاد عند إندلاع الثورة، فقرر الرجوع على الفور إلى مصر التى تعيش فوق صفيح ساخن، ألح ساويرس على مكتب اللواء عمر سليمان حتى تم تدبير أمر عودته للقاهرة، الأمر الذى أعجب رئيس جهاز المخابرات شخصيا، وقال عمر سليمان حين قابل ساويرس: "شفت بقى الصعايدة جدعان إزاى.. أصحابك كلهم هربوا وأنت اللى طلبت واسطة علشان ترجع".

هذا الحب للبلاد لم يولد فقط أثناء ثورة يناير، فساويرس كان من بين الطلاب الذين احتلوا ميدان التحرير فى ديسمبر عام 1972، يهتفون طلبا للحرب فى ليلة انقضاء ما أسماه السادات بـ "عام الحسم"، هو عشق ولد مع العائلة التى كانت أحد ضحايا قرار "التأميم"، فابت إلا أن تثابر وتعود من جديد، وتصنع ثروتها وتعود بها إلى مصر بعد انتهاء حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

لم يعد نجيب ساويرس إلى مصر فى ثورة يناير كى يشاهد الثورة عن قرب، بل كان واحدا من لجنة الحكماء التى تشكلت للتفاوض مع نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، كان انحياز اللجنة واضحا، فأعلنت أنها تشارك شباب مصر وجماهيرها رغبتهم فى التغيير، وطالبت بأن يكلف الرئيس مبارك عمر سليمان بمهامه وذلك لمدة ستة أشهر فقط، وأن يتعهد بحل مجلسى الشعب والشورى".

 

وبعيدا عن لجنة الحكماء، كان لساويرس مواقف أخرى خلال الثورة لمحاولة تهدئة الوضع، فهو من توسط لدى عمر سليمان لللإفراج عن وائل غنيم لتهدئة الأوضاع، كما هاتف مكتبه مساء موقعة الجمل قائلا له إن ما يحدث الآن فى ميدان التحرير أمر غير آدمى، وحين أثار الشباب مطالبهم بإدخال الدواء إلى ميدان التحرير، قام عدد من العاملين معه بهذه المهمة، وخبأوا الأدوية معهم، وحين اتصل به أنس الفقى وزير الإعلام وقتها طالبا منه أن تتوقف أون تى فى عن بث أحداث الثورة، ونقل الأحداث عن التليفزيون الرسمى، رد ساويرس بحسم رافضا.

 

انتهت الثورة برحيل مبارك، وكان ساويرس أول المنتبهين لخطر صعود جماعة الإخوان المسلمين، ففى اللقاء الذى جمع المعارضة المصرية الممثلة لميدان التحرير واللواء عمر سليمان فى الثامن من نوفمبر، وقبل الإطاحة بعمر سليمان بـ 3 أيام فقط، جلس بجوار الرئيس المعزول محمد مرسى، ولم يكن بينهما أى علاقة سابقة، فقال له مرسى بعجرفة واضحة: "أنت مش هترضى عننا بقى يا باشمهندس"، لكن ساويرس رد مازحا :" أنا عايز أنضم للحزب بتاعكم"، لكن مرسى استكبر حديثه فرد :" آه ممكن تبقى منتسب"، وكرجل صعيدى صعد الغضب إلى رأس ساويرس من كلمة "منتسب" أى غير كامل العضوية لأنه مسيحى، فالتفت إلى مرسى وأمسك يده قائلا : "أنا مصرى أكثر منك".

 

رأى ساويرس ربما قبل غيره خطر الإخوان المسلمين، وأدرك ضرورة أن تلتفت القوى المدنية لحقيقة ما يجرى، وألا تستهلك نفسها بمليونيات كل أسبوع لا معنى لها، بينما ينظم الإخوان لأنفسهم حزبا، ويؤسس السلفيون لأنفسهم آخر، ولأنه رجل علمه عالم المال أن يكون عمليا، أدرك أن الطريق إلى هذا هو تأسيس حزب، فكان "حزب المصريين الأحرار"، فى الثالث من إبريل قبل انقضاء شهران على تنحى مبارك، أعلن عن تأسيس حزب المصريين الأحرار.، والذى بعد 5 سنوات فقط من تأسيسه، سيصبح "حزب الأكثرية"، وصاحب عدد المقاعد الأكبر فى برلمان عام 2016.

بعد وصول الإخوان إلى الحكم، واختيارهم طريق الانقضاض على مؤسسات الدولة، اتخذ ساويرس طريقه الواضح، فانضم إلى جبهة الإنقاذ لمواجهة الجماعة، فأصبح ساويرس هدفا لملاحقة جماعة الإخوان، وتوجيه إتهامات باطلة له، والصيد فى الماء العكر، وفجأة بدا أن هناك محاولات لإدخاله للسجن، فانهالت البلاغات عليه من أفراد الجماعة إلى النائب العام طلعت إبراهيم النائب العام "الإخوانى"، 247 بلاغا فجأة وجد ساويرس نفسه فى مواجهتها، فأضطر أن يخرج ساويرس من مصر ساعتها قائلا:"أنا عمرى ما عملت حاجة غلط فى حياتى.. أنا عمرى ما حاولت أعمل واسطة.. أنا عمرى ما عملت مخالفة مرور..

 

فى الغربة فى لقائه الذى أجراه مع الإعلامى وائل الإبراشى قال ساويرس :"أنا تعيس هنا، أنا بحب شوارع مصر المكسرة، والتراب، والدوشة بتاعتنا، والفوضى بتاعتنا، وخفة دمنا اللى ما بتخلصش، أنا بعشق أى حاجة مصرية حتى عادتنا السيئة، يعلى الراديو على الآخر، أنا معرفش اتكيف فى حتة تانية غير مصر".

 

سأله وائل الإبراشى وهل تكيف أبناؤك على السفر للخارج، رد قائلا: "لا طبعا.. أنا مربى ولادى إنهم يكونوا مصريين، ما يعرفوش ياكلوا غير أكل مصرى ملوخية وكده.. أنا مطلع مصريين بجد مش خواجات" .. ثم بدأ فى البكاء.

 

عاد ساويرس إلى مصر، وانتهى حكم الإخوان، ومازال نجيب ساويرس وأسرته يمارسون دورهم الوطنى، فى دفع الاقتصاد المصرى إلى الأمام، والدفع بمؤسستهم التنموية "مؤسسة ساويرس" فى مجالات التنمية المجتمعية.


print